رامي مخلوف في جبلة... ماذا بعد الحجز على أمواله؟

رامي مخلوف في جبلة... ماذا بعد حجز الأسد على أمواله؟

20 مايو 2020
شكّل مخلوف واجهة اقتصادية للنظام السوري لسنوات (فرانس برس)
+ الخط -
يتصاعد الصراع بين رئيس النظام السوري بشار الأسد، وابن خاله رامي مخلوف، وهو رجل الأعمال البارز الذي كان لسنوات يشكل الواجهة الاقتصادية للنظام، الأمر الذي جعل الجانب المالي يشكل واجهة الصراع التي تخفي وراءها أوجهاً أخرى، بحسب خبراء.

وأكد مسؤول سوري سابق أن الصراع بين رامي مخلوف وبشار الأسد صراع سياسي بامتياز، تجري تغطيته بالاقتصاد. وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء: "لماذا لم نسأل أنفسنا عن سبب عدم قتل رامي مخلوف أو انتحاره كما تجري التصفيات مع من يشكل خطراً على رأس النظام؟"، ويجيب المسؤول السوري: "السبب أن الروس لا يريدون له أن يموت، خلال هذه الفترة على الأقل، فهم يسعون إلى ضرب الفساد بالفساد ليتسلموا سورية وقت تحين الصفقة".


ويوضح المسؤول أنّ "المشكلة بدأت منذ أكثر من عام، حينما سُرِّبَت محادثات بين الروس ومحمد مخلوف وابنه حافظ، تتعلق باستعداد حافظ مخلوف لأن يكون "الضابط العلوي" الذي يدير الشؤون، أو بعضها المتعلق بالطائفة، في مرحلة ما بعد بشار الأسد، وهذا ما حوّل بشار الأسد 180 درجة ضد خاله وأولاد خاله الذين شكلوا منذ نصف قرن بيت الأسرار وليس بيت المال فقط للنظام السوري".

وحول ما يشاع عن وجود أنصار لرامي مخلوف في مدن الساحل السوري، يلفت المسؤول إلى أن رامي مخلوف لوّح بأنه "يشغل 6 آلاف ويقدم مساعدات لعشرات الآلاف من ذوي القتلى والجرحى"، وأضاف أن "بشار الأسد يشغل مئات الآلاف، وهو مئذنة سبحة النظام، وتعلم الطائفة أن سقوط بشار يعني ضياع نظامٍ بنوه على مدار خمسة عقود"، ما يعني بحسب المصدر أن "احتمال الاصطدام يثير الضحك، مثله مثل تسويق الخلاف على أنه مالي يتعلق بمئتي ألف دولار طلبتها وزارة الاتصالات. فإن الأمر كذلك، فأملاك رامي مخلوف في سورية فقط، تقدَّر بنحو 10 مليارات دولار، أهمها في الاتصالات، ومن ثم في 31 شركة كبرى، فهل يعقل أن يقف عند مبلغ صغير، ويضحي بجميع الممتلكات؟".

ولكن يرى المسؤول أنّ "كلا الطرفين يفهم أحدهما على الآخر، بمعنى أنّ آل مخلوف يعلمون أن الضريبة التي فرضها النظام على رامي مخلوف هي بداية للسيطرة على جميع الممتلكات، وفي المقابل يعلم بشار الأسد أن تحصيل أموال رامي مخلوف الموجودة في المجر ورومانيا ودبي وروسيا وسويسرا مسألة في غاية الصعوبة".

ويؤكد المسؤول لـ"العربي الجديد" أنّ "أموال أسرة حافظ الأسد بمعظمها، يديرها مخلوف منذ زمن، حتى أموال باسل الأسد، التي حصلها أبوه بخديعة أن باسل متزوج وأرسل بعد 1994 وفداً قانونياً إلى النمسا مع عقد زواج بزمن يسبق تاريخ موت باسل، أعطيت أيضاً لمحمد مخلوف لإدارتها".

وحول عودة الخلافات وخروج رامي بمقطع مصور ثالث، بعد ما قيل عن مساعٍ للمصالحات، شكك المصدر السوري بكل هذه الرواية، معتبراً أنّ "المشكلة في الأساس سياسية بحتة، وطفت قبل المقطع الثالث حينما طلب بشار الأسد من إياد مخلوف، شقيق رامي، أن يوقع على التنازل عن الأموال ووعده بدور لاحق إن فعل، فعزله رامي مخلوف وعين ابنه علي البالغ من العمر 20 عاماً مكانه، وهذا سبب تضمين أسرة رامي بقرار الحجز، أي المقصود الشاب علي".

وختم المسؤول السوري بالقول إنّ الهدف من وراء ما يجري إنهاء "الظاهرة المخلوفية"، وربما ثمة توافق روسي مع بشار الأسد على ذلك، و"هذه رسالة لإيران التي راهنت على رامي مخلوف، ليكون ومن معه كما حزب الله في لبنان، وهذا خطأ إيراني فادح، فليس لرامي مخلوف الثقة التي لحسن نصر الله، وليس لأنصاره وزن الطائفة الشيعية في لبنان، فضلاً عن تغير الزمن، وبالتالي طرائق اللعب".

وحول إيواء روسيا لمحمد مخلوف وابنه، قال المسؤول السوري: "روسيا مستمتعة باللعبة، ولنفهم طبيعتها يمكننا المقاربة من خلال صمت روسيا عن ضرب إيران بسورية، هذا إن لم نقل إنها من يعطي لإسرائيل الإحداثيات، علماً أنها ظاهرياً حليفة طهران، هذه هي السياسة".


بالمقابل، كشف رجل الأعمال صالح محمد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المصالحة بين رجل الأعمال السوري، رامي مخلوف من جهة، ورئيس النظام بشار الأسد وأخيه ماهر، شارفت على النهاية، لولا مفاجآت حصلت بعد إعلان رامي أنه مستعد لدفع المبلغ لهيئة الاتصالات وفق سعر الليرة بيوم انتهاء المهلة، ولكنه سيتنازل للفقراء وأسر الشهداء وموظفيه بجمعية البستان، ولن يترك شركة سيريتيل لتعطيها أسماء الأخرس لأقربائها"، ما أعاد الخلاف وإعادة تهديد رامي مخلوف الذي خرج بتسجيل ثالث، وبالتالي إعادة التصعيد. وهي الرواية التي سردها رجل الأعمال السوري فراس طلاس.


ويؤكد محمد من ريف مدينة جبلة السورية الساحلية أن رامي مخلوف مقيم في سورية ولم يخرج منها خلال الخلاف، ويتنقل بين قرى بستان الباشا وحرشة زاما وبرمانا المشايخ التابعة لمدينة جبلة، معتبراً أن الحجز الاحتياطي على أموال رامي وأسرته، هو رسالة إلى إيران، التي ستعيد "تأجيج الخلاف" الذي لا يمكن أن يصل إلى المواجهة المباشرة بين أنصار رامي مخلوف وبشار الأسد.

ويؤكد محمد أن "قوة رامي في الساحل لا يمكن مقارنتها بقوة بشار الأسد، كذلك فإن محاولة تسويق الخلاف على أنه طائفي ومحاولات أسماء الاستيلاء على الأموال وإدخال أقاربها، لم تنطلِ على الجميع".

وختم رجل الأعمال السوري بالقول إن "القناعة السائدة أو التي بدأت تتكرس بالساحل هي أن بشار الأسد باقٍ في السلطة وما عليه سوى مكافحة الفساد وإبعاد المسؤولين السابقين، وسيترشح للرئاسة العام المقبل، وفق الوعود الروسية ويفوز".

وكان الخلاف قد طفا، أمس الثلاثاء، من جديد، بعد أن أصدر وزير المال بحكومة بشار الأسد، مأمون حمدان قراراً بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لرامي مخلوف إلى جانب الحجز على أموال زوجته وأولاده، وذلك ضماناً للمبالغ المترتبة عليه للهيئة الناظمة للاتصالات والبريد.

وعلّق رامي مخلوف على قرار الحجز بمنشور على "فيسبوك"، مساء الثلاثاء، قال فيه: "بعد الرد الأخير من قبلنا على الهيئة الناظمة للاتصالات وإظهار عدم قانونية إجراءاتهم، إضافة إلى توضيح عدم المصداقية، يردون بإجراءات أخرى غير قانونية أيضاً، ويلقون الحجز على أموالي وأموال زوجتي وأولادي، مع العلم أن الموضوع هو مع الشركة وليس معي شخصياً، إضافة إلى المحاولة لإقصائي من إدارة الشركة بالطلب إلى المحكمة لتعيين حارس قضائي يدير الشركة، كل ذلك بذريعة عدم موافقتنا على تسديد المبلغ؛ وكما تعلمون كل ذلك غير صحيح".

واتهم رامي مخلوف في منشوره أطرافاً لم يسمّها بالرغبة في الاستحواذ على شركاته وبالتضييق عليها، مشيراً مجدداً إلى مراسلاته مع الحكومة: "تساءلنا في كتابنا: هل الحكومة في خدمة الشعب، أم الشعب في خدمة الحكومة؟ فكان جوابهم بكتاب رسمي منع رامي مخلوف من التعامل مع الدولة لمدة خمس سنوات". وختم مخلوف منشوره بـ"دعاء إلى الله"


وترى مصادر سورية أن الحجز الاحتياطي ما هو إلا إنذار، وربما فتح الباب ثانية للتسوية، لأن مزيداً من الاحتقان قد يؤدي إلى انفجار في الساحل، بعد أن أضرّ ذلك بالاقتصاد السوري وهوى بقيمة العملة إلى ما دون 2000 ليرة للدولار الواحد، فيما تؤكد آراء أن ما يجري له علاقة بطموحات أسماء الأخرس، زوجة الأسد.


ويقول رئيس "تجمّع المحامين السوريين الأحرار" في تركيا، غزوان قرنفل، إن "الحجز الاحتياطي كإجراء تحفظي قانوني هو وضع مال المدين تحت سلطة القضاء لمنع المدين من القيام بأي عمل قانوني أو مادي يؤدي إلى التصرف بالمال".

ويعرب قرنفل، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "القرار مشوب بخطأ قانوني يشي بطبيعة الخلاف والصراع، بكونه خلافاً شخصياً أكثر مما هو متعلق بمال ومستحقات مالية مترتبة على شركة سيريتيل لمؤسسة الاتصالات، ذلك أن قرار الحجز المتداول يوقع الحجز على أموال رامي مخلوف وأسرته، بينما يفترض أن النزاع قائم بين مؤسسة الاتصالات وشركة سيريتيل، وبالتالي يفترض أن يلقى الحجز الاحتياطي على أموال وموجودات الشركة فقط".

وفي ما يتعلق بالصراع، يرى القانوني السوري أنّه "صراع بين مراكز قوى داخل المافيا الحاكمة سببه الرئيس رغبة الأسد في نقل أدوات القوة والسيطرة المالية من مخلوف إلى منظومة جديدة قطبها أسماء الأسد وبعض الرموز من أسرتها، وهو في جانب منه متعلق بضغوط روسية على الأسد ليس فقط لأداء استحقاقات مالية لروسيا، بل أيضاً لرغبة روسية بإدخال إصلاحات تجميلية تراها ضرورية قبيل انطلاق العملية الدستورية، بما يسمح لها بإعادة إنتاج النظام بوجود أو عدم وجود الأسد كشخص، وبوجود كتلة صلبة تحافظ على بنية النظام لضمان مصالحها ودورها في سورية".

وكان ناشطون سوريون قد تداولوا صورة قرار مذيَّل بتوقيع وزير المالية السوري، مأمون حمدان، يخاطب خلاله الهيئة المصرفية الدولية، وهو ما اعتبره القانوني قرنفل "غير صحيح، لأن القرار الصحيح يتضمن الحجز الاحتياطي، أي لم يصدر قرار قضائي بالحجز، كما يجب أن يكون بين سورية والدولة الأخرى المخاطبة اتفاقية لتنفيذ الأحكام، وهذا أيضاً غير متوافر إلا اللهم اتفاقية الرياض التي لم تلتزمها كل الدول الموقعة عليها".