الحراك الجزائري في شهره الرابع: المكاسب المحققة والمآلات المتوقعة

الحراك الجزائري في شهره الرابع: المكاسب المحققة والمآلات المتوقعة

31 مايو 2019
يظلّ أمام المتظاهرين عقبات عدة (العربي الجديد)
+ الخط -
يحيي الجزائريون اليوم الجمعة الرقم 15 من الحراك الشعبي، في انتظار أسابيع مقبلة ستكون أكثر أهمية في تحديد ورسم المسارات التي ستأخذها الأحداث وتطورها، وخصوصاً أن الحراك الشعبي ومع دخوله شهره الرابع، منذ بدء التظاهرات الشعبية في 22 فبراير/ شباط الماضي، لم يصل إلى تحقيق كل مطالبه المركزية المتعلقة بتغيير النظام وبدء مرحلة جديدة نحو التحوّل الديمقراطي، بسبب معاندة تبديها السلطة والجيش. لكن الحراك أزاح في المقابل أبرز عقبة هي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأبرز رموز حكمه، وحقق سلّة هامّة من المكاسب السياسية التي سيكون لها تأثير على سير الأحداث ومسارات حلّ الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. في 22 فبراير الماضي، وبينما كانت السلطة وأذرعها السياسية والمالية منتشية بترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، فاجأ الشارع الجزائري السلطة بتظاهرات شعبية غير مسبوقة في العاصمة، امتدت سريعاً إلى مجمل المدن في العمق والداخل الجزائري. وعلى الرغم من محاولة بوتفليقة ونظامه الالتفاف على المطالب الشعبية بتنحيه من الحكم، عبر اقتراح تمديد انتخابي لفترة حكمه لسنة واحدة تنتهي بعقد مؤتمر وفاق وطني، فإن الشارع تجاوز سريعاً هذا المقترح، ودفع بوتفليقة إلى الإعلان في 11 مارس/ آذار الماضي، حلّ حكومة أحمد أويحيى المستفزة للشارع، وإعلان سحب ترشحه من الانتخابات، لكنه قرر في الوقت نفسه إلغاء تنظيم الانتخابات.

خلال تلك الفترة كانت التظاهرات الشعبية تتمدد في مدن وبلدات الجزائر، مع زيادة الزخم الشعبي، وانضمت النقابات والمنظمات المهنية والطلاب والقضاة والمحامون والصحافيون تباعاً إلى الحراك الشعبي، ما دفع الجيش إلى إعادة تقدير الوضع ومراجعة الموقف، وإعلان الانضمام إلى مطالب الحراك الشعبي ورفض استعمال القمع أو النار ضد المتظاهرين، حتى الثاني من إبريل/نيسان، حين أجبر الجيش بوتفليقة على تقديم استقالته.
حتى هذا التاريخ، كان الحراك الشعبي قد حقق أبرز خمسة مكاسب: إسقاط مشروع الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، التي كانت ستقود البلد إلى كارثة سياسية وانزلاق أمني خطير، والإطاحة ببوتفليقة نفسه بعد 20 سنة من الحكم، والإطاحة بحكومة أحمد أويحيى، ومنع عقد مؤتمر وطني تحت إشراف الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي، واستعادة الجيش لصالح صف الحراك الشعبي، بعدما قرر الانحياز إلى الشعب وتجنّب خيار المواجهة. لكن تطور الأحداث دفع الحراك الشعبي إلى رفع سقف المطالب السياسية من أجل ملاحقة الرموز السياسية والمالية والحكومية لنظام بوتفليقة. وهو ما تم فعلاً من خلال اعتقال شقيق بوتفليقة مستشاره السعيد بوتفليقة، الذي كان يشرف على هندسة الحكم منذ ست سنوات، وقائدي جهاز المخابرات السابقين الفريق محمد مدين والجنرال بشير طرطاق، وعدد من كبار رجال الأعمال من المحيطين ببوتفليقة، وملاحقة رئيسي حكومة سابقين هما أويحيى وعبد المالك سلال و11 وزيراً في الحكومات المتعاقبة. إضافة إلى مطلب الرحيل الفوري لمن تبقى من رموز نظام بوتفليقة من الحكم، تحديداً رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورفض إدارتهما لأي حوار أو استحقاقات انتخابية.

عند المطلب الأخير، توقف الحراك الشعبي وتجمّدت الأزمة السياسية في ظل تصادم واضح بين الخيار الشعبي وبين مسارات الحل، التي يدافع عنها الجيش الذي أمسك بالسلطة من خلف رئيس الدولة بن صالح، المعروف بشخصيته السياسية الضعيفة. وأخفقت القوى السياسية في التدخل كمؤطر للحراك ورافع أو كوسيط بين الطرفين الأثقل في المشهد، إذ كان لافتاً منذ فبراير الماضي أن الحراك يبدي تحفظاً ضد مجموع الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب المعارضة التي يتهمها بالتقصير في النضال وعدم القدرة على مقارعة النظام.

وأقرّ عضو تكتل قوى المعارضة عمار خبابة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى وإن لم يرفض الحراك كل الوجوه التي كانت تشكل هذا التكتل، هناك بعض وجوه هذا الفضاء لقيت ترحاباً في بعض محطات الحراك، إلا أن الحراك لم يحتضن ولم يتجاوب مع تكتل قوى المعارضة برأيي لسببين: السبب الأول ذاتي، بفعل تخوّف الأحزاب من رد فعل الحراك، وخصوصاً أنه يردد شعارات ضد الجميع سلطة ومعارضة. السبب الثاني هو ما قامت به السلطة من تقزيم للعمل السياسي عن طريق أذرعها الإعلامية، وعملت لسنوات على تشويه كل الأحزاب ورموز المعارضة". لكن خبابة رفض في الوقت نفسه اتهام قوى المعارضة بـ"العجز السياسي"، واعتبر أنها "قدّمت مبادرات سياسية لحل الأزمة الراهنة". وقال إن "مجموعة من الأحزاب وبعض النقابات والشخصيات السياسية والناشطين التأمت في تكتل، سمّي فعاليات قوى التغيير من أجل نصرة الحراك الشعبي. وحاول هذا الفضاء أن يبلور خريطة طريق ورؤية رغبة في تقديم عمل نوعي وأدبيات يمكن للحراك الاستعانة بها في تفعيل مطالبه وتجسيدها. وأصدر عدة بيانات تفاعلية مع الأحداث التي لها علاقة مع الحراك، لكن لم نشعر باحتضان الحراك أو جزء منه لهذا المسعى".

ويصرّ الحراك على مطالب راديكالية تتعلق برحيل بدوي وبن صالح، ورفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، في مقابل تمسك الجيش بالمسار الدستوري، ما يعني بقاء بن صالح على الأقل في منصبه حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وهو طرح تساؤلات حول المخارج والمآلات الممكنة التي سينتهي إليها الحراك الشعبي، وما إذا كانت البلاد بصدد كلفة اقتصادية واجتماعية بسبب عامل الوقت. لكن بعض المؤشرات التي تتعلق بحديث الجيش عن مسألة "التنازلات المتبادلة" عبر الحوار، وبدء تقبل بعض القوى السياسية ورموز من الحراك الشعبي لفكرة التنازلات الممكنة، قد تدفع باتجاه إحداث ثغرة في جدار الأزمة.

واعتبر الناشط السياسي محمد حسان دواجي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مآلات الحراك متعلقة بمدى تمسّك الجزائريين بهدفهم الذي خرجوا من أجله في فبراير الماضي. وفي رأيي أن الجزائريين لن يتراجعوا، وخصوصاً بعدما ظهرت لديهم حقائق الفساد، لكن في الوقت نفسه لن يكون الهدف سهلاً، فلا بد من الوصول إلى أرضية سياسية مرضية لكل الأطراف، وخصوصاً في ظل تمسك المؤسسة العسكرية بحل دستوري للأزمة". وأضاف أن "الكل يعلم أنه لا يمكن إيجاد حل سياسي واقعي وعملي من دون الاتفاق مع المؤسسة العسكرية، التي وجدت نفسها في ظل حالة فراغ مؤسساتي كبير نتيجة ضعف وتحطيم المؤسسات السياسية، المؤسسة الوحيدة القادرة على مخاطبة الجزائريين". وتابع: "اتضح لقيادة الجيش أن الحل الدستوري المحض أصبح غير مجدي، فانتخابات الرابع من يوليو أصبحت واقعياً مستحيلة التطبيق ويتعين المرور إلى المبادرة السياسية. وهذا الوضع دفع إلى بروز مبادرات سياسية، وشهدنا رسالة تضمنت تصوراً للحل من قبل طالب الإبراهيمي. كما أن هناك شخصيات سياسية كعلي بن فليس، أعطى تصوراً لحل سياسي دستوري، وهناك أطراف عديدة تحاول تقديم أطروحات في هذا المنحى".

واعترف دواجي أن "الجزائر لا تتحمّل مزيداً من الوقت الضائع ومزيداً من الإرهاق السياسي والمجتمعي"، معتبراً أن "المؤشرات الإيجابية في الخطابات الأخيرة لقائد الجيش والتصورات التي تطرحها بعض الشخصيات، تؤشر على توجه عام نحو حلّ توافقي بامتياز، بالاتفاق على حلّ سياسي سريع يضمن استجابة لمطالب الحراك في إطارها العام، مع محاولة عدم المساس بالإطار العام للدولة بتأجيل الانتخابات لأسابيع أو أشهر قليلة، والعمل على إخراج هادئ لرموز النظام من الحكم. وهذه العملية تفسح المجال لمواجهة مرحلة مقبلة ليست بالسهلة، على أن تشهد حراكاً مجتمعياً في كافة القطاعات والنواحي المجتمعية، والذهاب نحو انتخاب رئيس يمكنه فتح ورش عديدة، وأهمها الدستور وشكل النظام ومشروع المجتمع ومستقبل المؤسسة العسكرية. وهذا عمل سيأخذ سنوات ولا يمكن حسمه في أشهر أو أسابيع".

المساهمون