إدلب تعيش الكارثة: تصعيد جرائم النظام والروس لتهجير المدنيين

إدلب تعيش الكارثة: تصعيد جرائم النظام والروس لتهجير المدنيين

08 ديسمبر 2019
يستهدف النظام إدلب بالبراميل المتفجرة (أحمد الخطيب/الأناضول)
+ الخط -
لا يزال المدنيون في الشمال الغربي من سورية تحت وطأة تصعيدٍ عسكري مزدوج من النظام والروس منذ أكثر من شهر، قُتل وأصيب خلاله المئات منهم، فضلاً عن تشريد عشرات الآلاف، ما يدفع محافظة إدلب، التي تضم نحو أربعة ملايين مدني، إلى حافة الكارثة الإنسانية، في ظلّ سياسة روسية ممنهجة لتهجير سكان ريفها الجنوبي بشكل كامل. وفي الوقت الذي يستمر فيه التصعيد في الشمال الغربي من البلاد، يتجه الشمال الشرقي نحو تهدئةٍ طويلة الأمد، مردها تفاهمات روسية - تركية حددت مناطق النفوذ في منطقة شرقي الفرات بعد حسم الصراع على الطريق الدولية "إم 4"، التي تقطع المنطقة من غربها إلى شرقها، وتعدّ شريان الحياة الاقتصادية في المنطقة الغنية بالثروات. وذكرت مصادر محلية أن هدوءاً حذراً ساد في محافظة إدلب ومحيطها منذ ما بعد منتصف ليل السبت - الأحد وحتى عصر أمس الأحد، تخلله سقوط قذائف أطلقتها قوات النظام على أماكن في سحال والبرج وأم التينة وتحتايا وأم جلال والتح وحران والبريصة بريف إدلب. وكانت مدن وبلدات محافظة إدلب عاشت أول من أمس السبت يوماً دامياً، إذ قتلت الطائرات الروسية 21 مدنياً بينهم ثمانية أطفال، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أشار إلى أن براميل متفجرة ألقتها مروحيات تابعة للنظام قتلت هي الأخرى مدنيين في المحافظة السبت. وقالت المصادر إن القصف الجوي من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام الحربية والمروحية "يهدف إلى تهجير أهالي ريف إدلب الجنوبي بشكل كامل من ديارهم"، مشددة على أن "قصف المدنيين في الأسواق الشعبية وتدمير المنشآت الحيوية، خصوصاً المستشفيات والمراكز الطبية، يدخل في سياق السياسة الروسية في شمال غربي سورية".

وعلى مدى أكثر من شهر، نزح عشرات آلاف المدنيين من مختلف مناطق محافظة إدلب. وفي هذا الصدد، أصدر فريق "منسقو الاستجابة" الذي يضم ناشطين من مختلف المجالات في إدلب، إحصائية جديدة للضحايا المدنيين والنازحين من مناطق الاستهداف في أرياف محافظات حماة وإدلب وحلب.

وبحسب الإحصائية، التي صدرت في بيان للفريق أمس، بلغ عدد النازحين الموثقين الفارين من الأعمال العسكرية في المنطقة المنزوعة السلاح والمناطق المجاورة لها أكثر من 16751 عائلة (92109 نسمة)، اتجهت إلى 32 ناحية موزعة على المنطقة الممتدة من مناطق درع الفرات وصولاً إلى مناطق شمال غربي سورية. ولفت البيان إلى أن عدد الضحايا المدنيين ازداد نتيجة الاستهداف المباشر للأحياء السكنية في مختلف المناطق، إذ وصل منذ بدء الحملة العسكرية (للنظام وروسيا) مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وحتى الثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي إلى أكثر من 156 شخصاً، بينهم 52 طفلاً.

ودان الفريق "استمرار الأعمال العسكرية العدائية" من قبل قوات النظام والطرف الروسي على مناطق شمال غربي سورية، مشيراً إلى أن مشاركة موسكو في العمليات العسكرية "عمّقت معاناة المدنيين لجهة ازدياد أعداد الضحايا والنازحين في إدلب". ودعا الفريق "كل الفعاليات الإنسانية إلى الإسراع في الاستجابة العاجلة لحركة النازحين في المناطق التي استقروا بها"، مطالباً الجهات الدولية المعنية بالشأن السوري بـ"التدخل بشكل مباشر لإيقاف تلك الأعمال".


على صعيد آخر، توقفت الاشتباكات في الشمال الشرقي من سورية بين الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة السورية وبين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) نتيجة التفاهمات التركية –الروسية، والتي تجد طريقها للتنفيذ على الأرض. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن مسؤولين من قيادة مجموعة القوات العسكرية الروسية في سورية، ومدير مركز التنسيق التركي، الجنرال أرهان أوزون، نفذوا عملية تفتيش مشتركة على الطريق الدولية "إم 4"، المعروفة بطريق حلب - الحسكة. وأوضحت الوزارة، في بيان أصدرته أمس الأحد، أن الحملة انطلقت في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، واستمرت حتى بلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي على الطريق التي تمثل حالياً خطّ فصلٍ بين القوات التركية وقوات النظام. وأشارت الوزارة إلى أن الحملة المشتركة جرت لتعزيز الاتفاقات التي تم تحديدها في مذكرة التفاهم المبرمة بين روسيا وتركيا في 22 أكتوبر/تشرين الأول في سوتشي، والتي انتهت على إثرها العملية العسكرية التركية التي بدأت في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ولفت البيان إلى أن العسكريين الروس والأتراك أشرفوا على عملية سحب قوات "قسد" من الطريق "إم 4"، وحددوا مواقع إنشاء نقاط مراقبة الطريق لقوات النظام والقوات التركية، موضحاً أنه تمت متابعة سير تفكيك الألغام في صوامع الحبوب في منطقتي عالية وتل تمر، إضافة إلى إطلاق محطة الكهرباء الفرعية في منطقة مخيم مبروك للنازحين الواقع شمالي سورية بين مدينتي رأس العين وتل أبيض. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن "الطرفين أعربا عن ارتياحهما من سير تطبيق الاتفاقات، وأبديا ثقتهما بأن يؤدي العمل المشترك إلى إرساء الاستقرار في شمال سورية".

وينص الاتفاق الروسي - التركي على انسحاب المقاتلين الأكراد مع أسلحتهم الثقيلة من الحدود التركية السورية إلى الجنوب بعمق 30 كيلومتراً، وانتشار قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية على الأراضي المحاذية للمنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي ما بين مدينة تل أبيض ومدينة رأس العين على طول نحو 100 كيلومتر.

وتعد الطريق الدولية "إم 4" شريان الحياة الاقتصادية في المنطقة الغنية بالثروات، خصوصاً النفطية والزراعية، إذ تعتبر الطريق الرئيسية لنقلها بين مناطق البلاد التي تقطعت أوصالها بين مختلف الأطراف المتنازعة. وتقطع الطريق منطقة شرقي نهر الفرات بدءاً من قرية قراقوزاق في ريف عين العرب غرباً ثم تقطع عشرات القرى، منها بير حسو وبير علي، وصولاً إلى بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، ثم تعبر عشرات القرى منها الشركراك، وسويلم والعالية في ريف رأس العين، حتى تصل إلى بلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، حيث تتفرع الطريق إلى اتجاهات عدة، ومن ثم قرية تل بيدر، وصولاً إلى قرية أبو رأسين، حيث تقطع ريف الحسكة الشمالي لتصل إلى معبر ربيعة الحدودي مع الجانب العراقي.