مجزرة دوما تعرّي العالم: ترامب يتوعّد النظام وروسيا تدافع

مجزرة دوما تعرّي العالم: ترامب يتوعّد النظام وروسيا تدافع

09 ابريل 2018
قصف عنيف نفذه النظام طوال يوم السبت (خليل العبدالله/الأناضول)
+ الخط -
تشكل المجزرة الجديدة بالكيماوي التي ارتكبها النظام السوري في دوما، أول من أمس السبت، والتي لا تزال حصيلة ضحاياها النهائية غير محسومة، إثباتاً جديداً على إصراره المضي قدماً في جرائمه تحت أنظار المجتمع الدولي، بهدف تحقيق أهدافه العسكرية والتي باتت تركز على تصفية أي وجود لمدنيين أو فصائل عسكرية معارضة له في الغوطة الشرقية، وهو ما يفسر القصف الهستيري الذي تعرضت له دوما على مدى الـ48 ساعة الماضي بما في ذلك قصفها بالكيماوي بعد تعثّر مفاوضاته لتهجير أهلها و"جيش الإسلام" منها، ليسقط عشرات الضحايا وما يزيد على ألف جريح وليسارع إلى توظيف ذلك في الترويج عن التوصل إلى اتفاق سريع يقضي بخروج "جيش الإسلام" من المدينة. 
وبينما كانت لا تزال فرق الإنقاذ، على قلتها، تحاول حصر العدد النهائي للمجزرة، كان 
رد العالم الأولي يتفاوت بين توجيه اتهام فوري للنظام وبين تنديد بالهجوم دون تسمية المسؤول، فيما كانت روسيا أسرع المعلّقين للدفاع عن نظام بشار الأسد. لكن الرد الأقسى كان أميركياً، فلم يتوانَ الرئيس دونالد ترامب عن وصف بشار الأسد بـ"الحيوان"، محمّلاً روسيا وإيران "المسؤولية عن دعم الأسد الحيوان"، ومتوعّداً بأن "يكون الثمن باهظاً".

وتزامنت الضربة بالأسلحة المحرمة على مدينة دوما، مع الذكرى السنوية لمجزرة خان شيخون التي وقعت في 4 إبريل/نيسان 2017، وأدت إلى مقتل نحو 90 مدنياً بقصف على المنطقة، ولاقت حينها رداً من واشنطن التي قصفت قاعدة الشعيرات الجوية وسط سورية، وهو رد لا يبدو أنه كان له أي أثر ردعي على النظام، المحمي من روسيا في المحافل الدولية، والتي استعملت حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة لمنع محاسبته.
ويأتي هذا "التزامن الوقح" على حد عضو في الائتلاف الوطني السوري "ليؤكد أن هناك تواطؤاً دولياً مع المجرمين من أجل إخضاع الشعب السوري بالأسلحة المحرمة دولياً"، مضيفاً: "نجا النظام من عقاب المجتمع الدولي طيلة سبع سنوات. إنه يتحدى العالم كله".

ولم تكن ليلة السبت الأحد عادية على أهالي مدينة دوما المحاصرة، فبعدما عاود النظام ومعه روسيا قصفهما العنيف منذ صباح يوم الجمعة على المدينة بعد أنباء عن تعثّر المفاوضات مع "جيش الإسلام" لإخراجه منها، صعّد نظام الأسد من إجرامه ليل السبت، بقصف بالأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً على المدينة، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا، تراوحت التقديرات بأنهم بين 78 و130 قتيلاً، وما يزيد على الألف جريح، في محصلة مرشحة للارتفاع. وأكد الدفاع المدني أن دوما تعرضت السبت لأكثر من 400 غارة جوية بينها غارات محملة بغاز الكلور السام، وغازات أخرى، و70 برميلاً متفجراً، و800 صاروخ راجمة، و40 صاروخاً محملاً بقنابل عنقودية، و25 استهدافاً للطائرات الرشاشة الحربية.

وقال الناشط براء عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إن عدد الضحايا مرشح للارتفاع نتيجة اكتشاف حالات جديدة في كل ساعة في الأقبية وعدم تمكن فرق الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليها نتيجة استمرار القصف، مشيراً إلى أن هناك حالة من الفوضى والذعر في صفوف الأهالي مما يجعل من الصعب تحديد العدد النهائي للضحايا.
وأكد مدير "مركز التوثيق الكيماوي لانتهاكات النظام" العميد زاهر الساكت، لـ"العربي الجديد"، استخدام النظام للأسلحة المحرمة دولياً 254 مرة منذ عام 2011، مشيراً إلى أن أغلب الهجمات "موثقة". وفي مقطع صوتي وزعه الساكت على صحافيين، أكد أن المادة التي قصف بها النظام مدينة دوما هي مادة السارين، موضحاً أن العدد الكبير للضحايا يؤكد أن النظام استخدم مواد ذات تأثير سمي عصبي.

وسبقت روسيا ردود الفعل العالمية، وسارعت إلى نفي التهمة عن نظام الأسد، زاعمة أن الأنباء التي تؤكد استخدام قوات النظام أسلحة كيماوية في دوما "لا تتوافق مع الواقع". وقال رئيس "المركز الروسي للمصالحة في سورية" الجنرال يوري يفتوشينكو "إننا مستعدون فور تحرير دوما من المسلحين لإرسال خبراء روس في مجال الدفاع الإشعاعي والكيماوي والبيولوجي لجمع المعلومات التي ستؤكد أن هذه الادعاءات مفبركة"، مدّعياً أن عدداً من الدول الغربية تتخذ إجراءات تهدف لإفشال عملية إجلاء مقاتلي "جيش الإسلام" عبر موضوع استخدام قوات النظام للأسلحة الكيماوية. وفي السياق، نقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عن "مصدر رسمي" زعمه "أن الأذرع الإعلامية لجيش الإسلام تستعيد فبركات استخدام السلاح الكيماوي لاتهام الجيش السوري في محاولة مكشوفة وفاشلة لعرقلة تقدم الجيش"، مضيفاً "أن الجيش الذي يتقدم بسرعة وبإرادة وتصميم ليس بحاجة إلى استخدام أي نوع من المواد الكيماوية".

في المقابل، كان الرد الأميركي الأقوى، إذ توعّد الرئيس دونالد ترامب المسؤولين عن "الهجوم الكيماوي المتهور" بدفع "ثمن باهظ". وقال ترامب في سلسلة من التغريدات، إن "الرئيس (فلاديمير) بوتين وروسيا وإيران مسؤولون عن دعم (بشار) الأسد الحيوان. سيكون الثمن باهظاً". وأضاف "قتل كثيرون بينهم نساء وأطفال في هجوم كيماوي متهور في سورية. المنطقة التي تعرضت إلى العمل الوحشي مغلقة ومحاصرة بشكل كامل من قبل الجيش السوري ما يجعل الوصول إليها أمراً غير ممكن بالنسبة للعالم الخارجي". وتابع: "افتحوا المنطقة فوراً أمام المساعدات الطبية وعمليات التحقق"، مضيفاً "كارثة إنسانية جديدة من دون أي سبب على الإطلاق. مقرف!". وانتقد ترامب سلفه باراك أوباما لعدم التحرك. وقال "لو أن الرئيس أوباما التزم خطه الأحمر (الذي رسمه) في الرمل لكانت الكارثة السورية انتهت منذ مدة طويلة ولكان الأسد الحيوان أصبح شيئاً من التاريخ".

وفي السياق نفسه، قال توماس بوسرت، مستشار البيت الأبيض للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، في حديث تلفزيوني، إن الولايات المتحدة لا تستبعد شن هجوم رداً على الهجوم الكيماوي على دوما. وأضاف "نحن ندرس الهجوم في الوقت الحالي"، معتبراً أن صور الحدث "مروعة". وكانت وزارة الخارجية دانت الهجوم، معتبرة أن روسيا تتحمل مسؤولية بسبب "دعمها الثابت" للنظام السوري.


وفي سياق ردود الفعل، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في بيان، عن "فزعه إزاء مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في دوما"، مشيراً إلى أنه في حال ثبوتها فسوف يتطلب الأمر إجراء تحقيق شامل بشأنها.
كما أعربت قطر عن إدانتها واستنكارها الشديدين لاستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في دوما، وطالبت بتحقيق دولي عاجل وتقديم مجرمي الحرب في سورية إلى العدالة الدولية. وأكدت وزارة الخارجية في بيان أن "إفلات مجرمي الحرب في سورية من العقاب أدى إلى استمرارهم في ارتكاب المزيد من الانتهاكات والفظائع كما قوض جهود تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا". من جهته، ندد البابا فرنسيس باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، معرباً عن أسفه لسقوط "عشرات الضحايا" في دوما.

أما تركيا، فأملت على لسان نائب رئيس الوزراء بكر بوزداغ، "ألا يمر الهجوم الكيمياوي الذي نفذه النظام من دون رد هذه المرة أيضاً"، مضيفاً أن "الذين لا يحولون دون وقوع هذه الهجمات والوفيات يتحملون المسؤولية نفسها التي يتحملها النظام". كما دان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن الهجوم، داعياً "لمحاسبة النظام السوري على كل الهجمات التي وقعت في أنحاء عدة من سورية وفي أوقات مختلفة".

من جهتها، دعت المعارضة السورية إلى تحرك لوقف جرائم النظام. وحمّل المتحدث باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، نظام الأسد وحليفته روسيا "مسؤولية جرائم الحرب المرتكبة بحق المدنيين السوريين في مدينة دوما"، داعياً المجتمع الدولي إلى "وقف مسلسل الإجرام بحق المدنيين السوريين". وأشار العريضي إلى أن الهيئة "تدعو دول العالم إلى إيجاد السبل المناسبة لحماية المدنيين عبر طرح القضية السورية خارج مجلس الأمن المخطوف من روسيا".

كما قال رئيس اللجنة العسكرية في وفد المعارضة إلى مفاوضات أستانة، العقيد فاتح حسون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحدث وصمة عار تضاف إلى وصمات سابقة بحق الإنسانية جمعاء". وأضاف: "أصبح الكلام بلا معنى ولا فائدة؛ المجازر تُرتكب على مرأى ومسمع المجتمع الدولي العاجز في سورية فقط منذ سبع سنوات، مآسي السوريين خلدها التاريخ كما خلد إجرام الأسد وداعميه". وأعرب عن قناعته بأن مجزرة السبت "ما كانت لتكون لولا الفيتو الروسي المستمر لحماية المجرم بشار الأسد في مجلس الأمن"، مضيفاً: "أما آن الأوان للتحرك خارج مجلس الأمن من قبل الدول ذات الخطوط الحمراء؟".

أما الائتلاف الوطني السوري، فاعتبر ما جرى في دوما "تحدياً سافراً واستهتاراً بالقيم الإنسانية"، وأشار في بيان إلى أن "قصف الغوطة بالسلاح الكيماوي وقنابل النابالم والفوسفور هي جرائم حرب وإبادة، استهدفت مدنيين، من أطفال ونساء، كانوا يبيتون في ملاجئ متواضعة احتماء من القصف العنيف، وتتحمّل روسيا مسؤولية هذه الجرائم الوحشية، إلى جانب نظام الجريمة الأسدي". واعتبر أن دعوة مجلس الأمن للانعقاد "لم تعد ذات جدوى في ظل حالة التعطيل الروسية"، وطالب "بسرعة نقل ملف جرائم نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية".

في موازاة التنديد بالهجوم، بدا أن النظام وروسيا حققا هدفهما من ورائه، إذ استؤنفت المفاوضات صباح أمس بعد تلك المجزرة، وعلى الرغم من ذلك واصل النظام قصفه للمدينة على الرغم من الإعلان عن وقف لإطلاق النار في ظل المفاوضات. وبالفعل، فرض النظام وموسكو اتفاقاً على "جيش الإسلام"، يقضي بحسب وكالة "سانا" التابعة للنظام، بخروج كامل "المختطفين" من دوما (الذين يحتجزهم جيش الإسلام) مقابل خروج كامل مسلحي "جيش الإسلام" إلى جرابلس خلال 48 ساعة. وذكرت الوكالة أن عشرات الحافلات إلى دخلت إلى دوما مع الإعلان عن الاتفاق، ما دل على مسارعة النظام لإنهاء ملف المدينة، في وقت لم يصدر فيه عن "جيش الإسلام" أي تعليق على الأنباء عن التوصل لاتفاق.