قمة هانوي بتوقعات متواضعة: أزمات ترامب تعزز وضع كيم

قمة هانوي بتوقعات متواضعة: أزمات ترامب تعزز وضع كيم

25 فبراير 2019
التحضيرات الأخيرة في هانوي لقمة كيم وترامب(لينه بهام/Getty)
+ الخط -

تكاد الاستعدادات للقمة الثانية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، المقررة يومي الأربعاء والخميس المقبلين، في هانوي الفيتنامية، تكتمل. غادر كيم بيونغ يانغ بالقطار يوم السبت الماضي، برفقة شقيقته كيم يو جونغ، ذات النفوذ الواسع، وعدد من كبار المسؤولين الذين شاركوا في محادثات القمة الأولى في 12 يونيو/حزيران الماضي في سنغافورة. كما أن وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية وصحيفة "رودونغ سينمون" التابعة لها، أعلنت عن القمة، ناشرة صوراً للزعيم الكوري الشمالي خلال مراسم الوداع الرسمي له في بيونغ يانغ، ثم وهو يلوّح من على متن القطار المصفّح الذي قاده إلى فيتنام.

كما أن ترامب يستعدّ بدوره للمغادرة إلى فيتنام، بعد قمة أولى تمكن من خلالها من تسجيل نقاط وظّفها في الداخل الأميركي، على حساب عملية تفاوض تهدف إلى تجريد كوريا الشمالية من سلاحها النووي. ومع أن القمة الأولى أقرب إلى قمة شكلية، كونها لم تعالج الملفات العميقة، مثل الأسلحة النووية لكوريا الشمالية وتجاربها الصاروخية، فضلاً عن ملف العقوبات، غير أنه من المتوقع أن تضع القمة الثانية "حجر الأساس" لبدء رحلة معالجة هذين الملفين. مع ذلك، فإن البعض في الولايات المتحدة، يرى أن "كوريا الشمالية ليست مستعدة للدخول الآن في صفقة للتخلي عن سلاحها النووي، ناهيك عن تكرار النموذج الليبي، الذي كان من نتائجه تخلي العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في ديسمبر/كانون الأول 2003 عن برنامجه لتطوير أسلحة نووية ونقل مكونات البرنامج النووي الليبي إلى الولايات المتحدة عام 2004".

ورأى هؤلاء أن "كلام البيت الأبيض عن تجريد بيونغ يانغ من قوتها النووية، ليس أكثر من محاولة لتضخيم استباقي لنتائج قمة هانوي ومقايضاتها المرتقبة وتصويرها على أنها بداية النهاية للنووي الكوري الشمالي، وأنها اختراق باهر انفردت إدارة ترامب بتحقيقه. والكل يعرف، وفي مقدمتهم الإدارة الأميركية، أن ظروف تسوية تاريخية من هذا الوزن غير متوفرة".

ولترامب همومه الخاصة، التي ينقلها معه إلى هانوي، فيوم الأربعاء المقبل، يكون محاميه القديم مايكل كوهن قد بدأ يسرد أمام "لجنة الرقابة والإشراف" في مجلس النواب، ما لديه من معلومات متعلقة بالرئيس الأميركي. كما كان من المقرر أن يفرج المحقق روبرت مولر الذي يتولى التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، عن تقريره في الوقت عينه، غير أنه جرى تأجيل الموعد حتى لا يلقي بظلاله على القمة.



عدا عن ذلك، فإن دور ترامب في السياسة الخارجية بدأ بالتراجع لصالح الكونغرس، الذي فرض عليه التراجع عن الانسحاب الكامل من سورية، وأجبره على القبول ولو بتواجد عسكري رمزي من 400 جندي. كما باشر الكونغرس التحرّك لوقف الدعم العسكري للسعودية في حرب اليمن. في هذا الصدد، صوّت مجلس النواب قبل أيام بأكثرية وازنة لوقف الدعم، فيما بات مجلس الشيوخ على طريق التصويت، وقد يجاري النواب في هذا الخصوص. كذلك الأمر بالنسبة لحالة الطوارئ التي أعلنها ترامب أخيراً، المتعلقة بالجدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك، والتي ينتظر أن يصوت مجلس النواب ضدها غداً الثلاثاء المقبل، على أن ينظر مجلس الشيوخ في الموضوع بعد 18 يوماً.

حالة الرئاسة هذه من شأنها أن تساعد في تحسين وضع كيم التفاوضي وتعزز تمسكه باستراتيجية "التفاوض حول الماضي والمستقبل لكن ليس حول الحاضر"، كما قال الخبير في الشأن الكوري فيكتور شيا، في ندوة عقدها "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن حول القمة. وأضاف أن "كيم قد يعرض القبول بمراقبة دولية ما على مواقع التجارب التي سبق أن أزالها، مع التعهّد بوقف الإنتاج وعدم نقل التكنولوجيا والمعارف النووية إلى جهات خارجية". في المقابل، وفي ضوء وضع ترامب وغايته من القمة، لن يتردد الزعيم الكوري الشمالي في المطالبة بتنازلات دسمة طالما سعى إليها، مثل وقف التدريبات العسكرية الأميركية ــ الكورية الجنوبية، وربما طلبات أخرى تتعلق بانتشار القوات الأميركية بين الكوريتين. مع العلم أن ترامب كان سبق أن وافق على المطلب الأول، لكن وزير الدفاع في ذلك الحين، جيمس ماتيس، الذي استقال من منصبه قبل فترة، أقنعه آنذاك بضرورة التراجع عنه. غير أن هذا الأمر لن يمنع كيم من العودة إلى هذا الشرط بعد غياب ماتيس، خصوصاً أن الزعيم الكوري الشمالي يمتلك من الزخم أكثر من السابق.

وسبق لكيم أن عقد أربع قمم مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وثلاثا مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن وقمتين في أقل من سنة مع الرئيس الأميركي. يبدو الأمر عبارة عن تحرك غير مسبوق لزعيم كوري شمالي، كان من نتائجه حلحلة العقوبات ضد بلاده من جانب الصين وروسيا. تطور يبدو أنه سيؤدي إلى "قبول كوريا الشمالية كقوة نووية"، وفق ما تراه سو تاري، الخبيرة الكورية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. ومن هذا المنظور ليست قمة هانوي سوى محطة "في عملية تفاوض حول الحدّ من السلاح النووي الكوري الشمالي" وبما قد يؤدي إلى التوافق على صيغة "لتجميد" الوضع كما هو الآن.

يبقى أن الإدارة الأميركية تراهن على ورقة العقوبات وفعاليتها وبالنهاية تأثيرها على توجه القيادة الكورية للخروج إلى العالم. يجاريها في ذلك بعض المراقبين والمتابعين، من باب أن بيونغ يانغ بحاجة هي الأخرى إلى انتعاش اقتصادي لعدم قدرة نظامها على الاستمرار في وضعه الراهن، خصوصاً أن السوق المحلية بدأت تنشط والناس على اتصال بالعالم عبر تدفق المعلومات، بتعبير السفير الأميركي السابق في كوريا الجنوبية مارك ليبّر. قلة تشاركه هذا التفاؤل، وأقل منها يتوقع خروج القمة بنقلة نوعية، فالرئيس ترامب "خسر الكثير من موقعه القوي" حسب الجنرال المتقاعد باري ماكفري. يضاف إلى ذلك أنه "غير مستعد" للقمة. في العادة مثل هذه القمة تسبقها تحضيرات على مستوى الاختصاصيين تتولى إعداد الصيغ وتحديد الأهداف والمراحل وتأتي القمة إما لتكريسها باتفاقيات أو للبحث في عقباتها ومحاولة تجاوزها. قمة هانوي تأتي لحسابات ترامبية أخرى.