تشاد توقف محاربة الجهاديين بالخارج: حماية حكم ديبي أولوية

تشاد توقف محاربة الجهاديين في الخارج: حماية حكم ديبي أولوية

11 ابريل 2020
يضم الجيش التشادي نحو 25 ألف عنصر (Getty)
+ الخط -
بعد سنوات من المشاركة الفاعلة مع فرنسا ودول الجوار الأفريقي في المعركة ضد الجماعات المتشددة وأولها "بوكو حرام"، أعلن الرئيس التشادي إدريس ديبي، أمس الجمعة، قراراً بوقف مشاركة الجيش في العمليات العسكرية خارج أراضي بلاده. القرار الذي ينتظر أن تكون له تداعيات قوية على المواجهة مع الجماعات المتشددة في المنطقة، إذ إن الجيش التشادي يعتبر من أقوى الجيوش فيها، يبدو أن ديبي اتخذه مدفوعاً بأسباب عدة تتجاوز مسألة عدم رضاه عن عدم مساندة دول عدة للجيش التشادي في المعركة ضد جماعة "بوكو حرام"، التي أعلنت ولاءها لتنظيم "داعش" منذ عام 2015. ومن المرجح أن ديبي يحاول، بعدما قلّص خطر "بوكو حرام" داخل بلاده من خلال العمليات العسكرية المتلاحقة ما أتاح له الإعلان قبل أيام عن دحر الجماعة في تشاد، التفرغ لمعالجة أزمة تزايد قوة المتمردين الذين حاولوا في عام 2019 إطاحته، قبل أن ينقذه تدخل الطيران الفرنسي وقتها، وتدمير الرتل الذي كان يتجه من ليبيا إلى العاصمة التشادية نجامينا.

وأنهى ديبي انخراط الجيش التشادي في العمليات العسكرية ضد المسلحين المتشددين في منطقة الساحل الأفريقي وحول بحيرة تشاد. وقال ديبي، الذي أشرف بنفسه على قيادة هجوم لقوات بلاده ضد جماعة "بوكو حرام"، في تصريح متلفز الجمعة: "يموت جنودنا من أجل بحيرة تشاد والساحل. اعتباراً من اليوم (الجمعة)، لن يشارك أي جندي تشادي في عملية عسكرية خارج تشاد".

وجاء تصريح ديبي من باغاسولا التي أسس فيها في 31 مارس/آذار الماضي، مركز قيادة لعملية "غضب بوما" ضد مسلحي "بوكو حرام" في بحيرة تشاد. وكان الجيش التشادي أعلن، الأربعاء الماضي، انتهاء العملية التي أدت إلى طرد عناصر "بوكو حرام" من داخل البلاد، موضحاً أنه وصل إلى النيجر ونيجيريا المجاورتين. وأكد الجيش، في بيان، قتل ألف مسلح مقابل خسارة 52 عنصراً. وقال المتحدث باسم الحكومة عمر يايا حسين: "لم يبق عنصر واحد من بوكو حرام في أراضي تشاد".

وقال ديبي، لدى عودته إلى العاصمة نجامينا بعد أن قاد العملية العسكرية على الأرض في بحيرة تشاد: "أشكر جميع التشاديين وجميع الإخوة والأخوات الأفارقة على الدعم المقدم لقوات الدفاع والأمن. إن السلام والأمن والاستقرار قيم مقدسة". وكان الرئيس أطلق، في 31 مارس الماضي، عملية في بحيرة تشاد رداً على الهجوم الدامي ضد الجيش التشادي في شبه جزيرة بوما في 23 مارس. وقتل في الهجوم نحو 100 عسكري خلال 24 ساعة، ما يمثل أكبر خسارة في تاريخ الجيش التشادي. وأعلم ديبي، الخميس الماضي، النيجر ونيجيريا أن قواته ستغادر المواقع التي طردت منها "بوكو حرام" في 22 إبريل/نيسان الحالي، سواء تمركزت فيها قوات البلدين أم لا. وكان الجيش أعلن أنه قام بتدمير 5 قواعد تابعة لجماعة "بوكو حرام" داخل النيجر ونيجيريا.

وينشط الجيش التشادي الذي يعتبر أحد أكثر الجيوش فعالية في المنطقة، إلى جانب القوة المشتركة المشكلة في عام 2015 مع الدول الثلاث الأخرى المطلة على البحيرة، وهي نيجيريا، والكاميرون والنيجر. ويعمل الجيش التشادي أيضاً ضمن تحالف دول الساحل الخمس ضد المتشددين الذين يستهدفون مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ويعتبر بناء على ذلك حليفاً مهماً لعملية "برخان" الفرنسية في المنطقة. مع العلم أن التحالف يضم إلى جانب نيجيريا والدول الثلاث موريتانيا أيضاً.



ومنذ عام 2009، أسفرت هجمات نفذها تنظيم "بوكو حرام" عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وتشريد الملايين في نيجيريا. كما بدأ التنظيم منذ 2015، شنّ هجمات في الدول المجاورة مثل الكاميرون وتشاد والنيجر، حيث أسفرت هجماته في دول حوض بحيرة تشاد عن مقتل أكثر من ألفي شخص. وتتألف بحيرة تشاد من سلسلة بحيرات ومستنقعات تتخللها جزر صغيرة تنشط فيها الجماعة. و"بوكو حرام" هو تنظيم نيجيري مسلح، تأسس في يناير/كانون الثاني 2002. وفي مارس 2015، أعلن ارتباطه بتنظيم "داعش". يشار إلى أن عناصر "بوكو حرام" دخلوا من نيجيريا إلى منطقة بحيرة تشاد، حيث تلتقي الحدود بين تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون. وأسست الدول الأربع في عام 2015 قوة مشتركة لمحاربة الجماعة، وانضمت بنين إليها لاحقاً. لكن تشاد، التي تملك أقوى جيش في المنطقة، أعربت عن إحباطها من عدم تحرك هذه الدول لمحاربة "بوكو حرام"، خصوصاً بعد هجوم الجماعة الذي أدى إلى مقتل نحو 100 جندي تشادي. وقال ديبي، الأسبوع الماضي، إن "تشاد تتحمل وحدها عبء الحرب ضد بوكو حرام".

ومن المؤكد أن إعلان ديبي توقف قوات بلاده عن القتال خارج الحدود سيكون له تأثير قوي على عملية "برخان" التي تقودها فرنسا لقتال المتشددين في منطقة الساحل، إذ إن الجيش التشادي، الذي يضم نحو 25 ألف عنصر، يعتبر من أقوى الجيوش في المنطقة.

واعتبر الكاتب في "فورين بوليسي" ويل براون، في مقال أخيراً، أن "النظام التشادي، الذي كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه حليف الغرب الذي لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب في أفريقيا، على وشك الانهيار". وفي تحليله لما سمّاه ضعف ديبي والنظام التشادي، رأى أن القوة التي راكماها في السنوات الـ30 الماضية، سواء في الحروب على مختلف الجبهات الحدودية ثم إرسال نجامينا آلاف الجنود لمساعدة دول أفريقية أخرى ضد المتشددين، سقطت أمام تنامي قوة المتمردين الذين يسعون إلى إزاحة ديبي من السلطة. فقد دخلت عشرات الشاحنات الصغيرة المليئة بالمقاتلين من "اتحاد قوى المقاومة"، تشاد من ليبيا وتوجهت نحو نجامينا لإطاحة الرئيس، في فبراير/شباط 2019. وفشلت الضربات الجوية التشادية في إيقاف القافلة، قبل مسارعة طائرات مقاتلة فرنسية لقصف القافلة بناءً على طلب نجامينا، وطاردت المتمردين لمدة ثلاثة أيام متتالية، بغية وقف التقدم.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وقتها، إن تدخل بلاده عسكرياً في تشاد كان يهدف لوقف انقلاب عسكري، يسعى لإطاحة ديبي، مشيراً إلى أن التحرك العسكري الفرنسي جرى وفقاً للقانون الدولي، بعد رسالة خطية من ديبي إلى فرنسا لحمايته. وذكرت وكالة "فرانس برس" أن الرتل العسكري، الذي تم تدميره، تابع لـ"اتحاد قوى المقاومة" المسلحة، التي قامت بمحاولة انقلاب عام 2008، تمكنت فرنسا من إفشالها عندما تدخلت لمصلحة ديبي. ووفقاً لتقرير صدر بعد الغارات الجوية الفرنسية من قبل مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، فإن الجيش التشادي "مرهق" من القتال على عدة جبهات، وقد "جرى إحباط" بعض الجنود من جراء تخفيض علاواتهم.

وبالتالي، فإن الحملات الناجحة للجيش التشادي حول بحيرة تشاد ضد "بوكو حرام"، التي تفوّق فيها على نيجيريا، فضلاً عن تقديمه ألف جندي من أصل 5 آلاف في القوة المشتركة لدول الساحل، قد تترك فراغاً في حال سقوط ديبي في نجامينا. وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أعلنت، في بيان أخيراً، أن بلادها ستنشر 600 جندي إضافي، سيتمركز الجزء الأكبر منهم في منطقة "الحدود الثلاثة" بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وإضافة إلى الجنود الفرنسيين، كشفت بارلي أن تشاد ستنشر قريباً كتيبة إضافية ضمن القوة المشتركة لدول الساحل الخمس، وهو ما يبدو أنه سيتوقف حالياً بعد قرار ديبي. وقالت "إن التعزيز يجب أن يسمح لنا بزيادة الضغط على داعش في الصحراء الكبرى. لن نترك أي مساحة لأولئك الذين يرغبون في زعزعة الاستقرار في الساحل الأفريقي".
(العربي الجديد، فرانس برس)