غضب من زيادة رواتب المسؤولين: تناقضات السيسي وتجاهُل الفقراء

غضب من زيادة رواتب المسؤولين: تناقضات السيسي وتجاهُل الفقراء

22 ابريل 2018
السيسي لم يتطلّع لحاجات الشعب (فايد الجزيري/فرانس برس)
+ الخط -



تفجّرت عاصفة غضب شعبية في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية موافقة مجلس النواب على زيادة رواتب رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والمحافظين ونوابهم وأيضاً الدبلوماسيين، في الموازنة العامة للدولة لعام 2018 - 2019. ووافق مجلس النواب على مشروع الحكومة برئاسة شريف إسماعيل، لتعديل القانون 100 لسنة 1987 بشأن رواتب نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والوزراء ونوابهم. ونصّ التعديل على زيادة رواتب رئيسي مجلس النواب والوزراء إلى 42 ألف جنيه (2375 دولاراً) قيمة الحد الأقصى للأجور، وكذلك نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء والمحافظين بالقيمة ذاتها. في المقابل، يتقاضى نواب الوزراء والمحافظون 90 في المائة من قيمة الحد الأقصى للأجور. كما تقرر وفقاً لمشروع الحكومة الذي وافق عليه مجلس النواب، تحوّل معاش الفئات السابقة إلى نحو 80 في المائة من قيمة الراتب، حسب مرتب كل منصب.

كما وافق مجلس النواب على زيادة رواتب الدبلوماسيين، وسط تأكيدات من رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، بأنها "ليست زيادة بل معالجة وضع خاطئ قائم، بعد إقرار قانون الخدمة المدنية". وأكد عبد العال أن "رواتب الدبلوماسيين المصريين قليلة مقارنة بنظرائهم في كل دول العالم"، وذلك خلال جلسة الموافقة على زيادة الرواتب.

تحركات الحكومة ومجلس النواب لزيادة رواتب المسؤولين أثارت علامات استفهام شديدة، لناحية التناقض مع تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، التي أكد فيها أن "مصر تمر بمرحلة صعبة للغاية اقتصاديّاً، وعلى الجميع تحمّل تلك الفترة".

ويردّد السيسي دائماً، رداً على مطالبات زيادة رواتب الموظفين في ظل ارتفاع الأسعار بعد الغلاء الشديد نتيجة تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي: "منين نجيب منين؟ اللي بيقترح حاجة يقول نجيب منين؟". ويرى مراقبون أن "النظام الحالي متناقض تماماً في خطابه، في ظل الزيادات الكبيرة للغاية في رواتب المسؤولين في حين لا ينظر إلى الفقراء الذين يتعرّضون لأوضاع صعبة للغاية بفعل السياسات الاقتصادية الصعبة، والتي أكد السيسي نفسه صعوبتها". ويضيفون أن "السيسي نفسه يطالب المواطنين بتحمّل الفترة الصعبة الحالية، في حين لا يتوجه بالأمر نفسه إلى المسؤولين وحكومته التي طالبت بزيادة رواتب المسؤولين".

ودافعت مصادر برلمانية قريبة من دوائر اتخاذ القرار، عن زيادة رواتب المسؤولين، مؤكدة أن "هذه خطوة صحيحة لتعديل الوضع السيئ القائم قبل الموافقة على تعديل القانون". وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "الفكرة ليست في زيادة رواتب المسؤولين بحد ذاتها، ولكن هناك رغبة أصيلة في تحسين أوضاع المسؤولين، لأن هذه المناصب باتت غير جاذبة، وبالتالي فإن عدداً كبيراً من الشخصيات يرفض تولّي هذه المناصب لقلة المقابل المادي".



وأضافت أنه أثناء "التعديلات الوزارية التي حدثت في عهد السيسي، رفضت بعض الشخصيات ترشيحها لمناصب مسؤولة، بسبب قلة الرواتب، وخصوصاً أن أغلبهم من أساتذة الجامعة، ولا يكون الراتب حال تولي المنصب مقابلاً للأنشطة الخاصة التي سيحرم منها" المرشحون لهذه المناصب. وتابعت أن "الخطوة جاءت سريعة رغبةً في حسم هذا الملف، من أجل المشاورات المقبلة لتغيير الحكومة أو تعديل واسع خلال الفترة المقبلة". وأشارت إلى أن "هذا التعديل يعتبر محاولة جادة لاختيار شخصيات تتمتع بالكفاءة ولكن لا تمتلك الأموال لتحمل أعباء الحياة في ظل توليها أي مناصب قيادية في الدولة".

من جانبه، قال قيادي في "الجبهة الديمقراطية"، التي تضمّ أحزاباً وشخصيات معارضة، إن "النظام الحالي يقدم العطايا والمنح لرجاله فقط، من دون الاكتراث بالأوضاع المأساوية لعموم الشعب المصري". وأضاف القيادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السيسي لا يرى سوى المسؤولين ورجال الشرطة والجيش والقضاء والدبلوماسيين، وهؤلاء كلهم أذرع في توطيد نظام حكمه داخلياً وخارجياً". وتابع أن "زيادة رواتب المسؤولين والعاملين في السلك الدبلوماسي، لا يمكن فصلها عن زيادة الرواتب والمعاشات في الجيش والشرطة والمكافآت والمميزات الخاصة، خصوصاً أن هناك مطالبات بزيادات جديدة للجيش والشرطة داخل مجلس النواب، ظهرت خلال مناقشة زيادة رواتب المسؤولين". وتساءل: "لماذا تم تمرير التعديلات الجديدة بهذه السرعة، في حين أن الحكومة حتى الآن لم تتخذ خطوات جادة في تطبيق الحد الأدنى للأجور، على الأقل الإقدام على تنفيذ الحدين الأدنى والأقصى معاً؟".



وقال الباحث السياسي محمد عز، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك خطاباً مزدوجاً لدى النظام الحالي وعلى رأسه السيسي، فالخطاب الأول يتوجه به إلى الشعب المصري، وهو تصدير الأزمات وضرورة تحمل الصعاب والمرحلة الصعبة، مع إطلاق وعود بتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات المقبلة. أما الخطاب الثاني فعبارة عن أفعال من خلال زيادة رواتب وأجور فئات معينة في الدولة، وهو ما يتنافى تماماً مع أحاديث الفقر وسوء الأوضاع في الدولة".

الغضب الشعبي بدا واضحاً، من خلال المناقشات داخل وسائل النقل العامة في القاهرة الكبرى، والمقاهي الشعبية في محافظة القاهرة. وقد جلس رجل خمسيني بمفرده يتصفّح حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأخذ يتمتم بعبارات غير مفهومة. وتوجّه بالقول لأحد مرتادي المقهى: "دي مصيبة سودة، الراجل (السيسي) مش حاسس بينا خالص، عمال يزوّد الجيش والشرطة والقضاة والرجالة بتوعه، وإحنا بيزود علينا أسعار السكر والزيت".

وعبّر سائق تاكسي عن حالة الغضب فور علمه بالصدفة عن زيادة رواتب المسؤولين، وقال إنه ليس متابعاً "بشكل مستمر الأخبار"، مضيفاً أنه يعمل يومياً وفي الأغلب لا يتمكن من توفير النفقات المطلوبة لأسرته، وسط محاولات لإقناع نفسه بأن الآتي أفضل. وكشف أنه "بطبق المثل: خلينا ورا الراجل (السيسي) لحد لما نشوف".

وتابع أنه فور علمه برفع رواتب المسؤولين فرح في بداية الأمر، باعتبار أن هذا الأمر ستستتبعه زيادة في رواتب الموظفين في إطار حسن النية، لكنه أضاف "إحنا بس بندفع الفاتورة للناس الكبيرة والوزراء علشان يعرفوا يعيشوا وإحنا مش مهم".