العراق: خلافات تعطل ولادة الكتلة الكبرى وشروط صعبة للأكراد

العراق: مشاكل وخلافات تعطل ولادة الكتلة الكبرى... والأكراد يفرضون شروطاً صعبة

03 اغسطس 2018
يضغط الأكراد لعودة البشمركة إلى كركوك (كريس ماكراث/Getty)
+ الخط -

يؤكد مسؤولون عراقيون أنه لم يبق أمام الكتل السياسية سوى أسبوعين لحسم خياراتها في التحالف للوصول إلى الكتلة الكبرى، التي يجيز لها الدستور تشكيل الحكومة، وذلك قبل الانتهاء من عمليات العد والفرز وتصديق نتائج الانتخابات. ويعرب المسؤولون عن خشيتهم من عدم وجود مؤشرات قوية على قرب التفاهم فيما بينهم، بسبب الخلافات الحادة بين الكتل وسرعة تقلب مزاج الساسة العراقيين وابتزاز الأكراد للأحزاب في بغداد، عبر وضع شروط محرجة أمامهم، وكذلك استمرار التناحر والصراع على المناصب داخل البيت العربي السني، الذي أنيط به عرفاً، لا قانوناً، منصب رئاسة البرلمان، بالإضافة إلى الضغط الإيراني والأميركي في تحديد اسم رئيس الوزراء المقبل.

وما بين متشائم من قرب ولادة حكومة عراقية جديدة، وآخر يؤكد حسمها قريباً بصفقة أميركية إيرانية، من دون أن تخرج من خانة المحاصصة الطائفية التي فرضت على العراقيين منذ الاحتلال الأميركي للبلاد في 2003، تتواصل المفاوضات حول تشكيل الحكومة، في مواقع مختلفة من بغداد، أبرزها المنطقة الخضراء، وتحديداً في مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومنزل زعيم "ائتلاف دولة القانون"، نوري المالكي، والسفارة الأميركية، وخارج المنطقة الخضراء في مقر السفارة الإيرانية في الصالحية إلى جانب منزل زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري بحي القادسية وسط بغداد، ومنزل زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم في الجادرية على نهر دجلة.

ومع غروب يوم الخميس، يكون قد مضى على الانتخابات العراقية 81 يوماً من دون أن تحسم نتائجها، فالصناديق ومحطات الاقتراع ما زالت تخضع للفحص اليدوي بعد الطعن بنزاهة الانتخابات والتشكيك بنتائجها، ما أسفر عن تجميد أعضاء مفوضية الانتخابات ومنعهم من السفر وانتداب قضاة للعمل على إعادة فرز وعد الأصوات يدوياً في محطات الاقتراع المشكوك بها. كما تشهد مناطق وسط وجنوب البلاد تظاهرات شعبية امتدت إلى ست محافظات، للمطالبة بالخدمات وتوفير فرص العمل، وتوسعت إلى حد المطالبة بتعديل الدستور وتشكيل حكومة إنقاذ وفتح تحقيق واسع للكشف عن ملابسات مقتل وإصابة أكثر من 600 منهم خلال العشرين يوماً الماضية.

لا تفاهمات نهائية حتى الآن

ويؤكد مسؤولون عراقيون في بغداد وأربيل والنجف، لـ"العربي الجديد"، أن جميع التقارير التي تحدثت عن تفاهمات أو تقارب بين كتل سياسية عراقية لتحالف نهائي ورسمي غير صحيحة، وأنه ما زالت هناك مشاكل ونقاط كثيرة عالقة بين أطراف البيت الواحد، الشيعي والسني والكردي. ووفقاً لمسؤول عراقي رفيع المستوى، التقته "العربي الجديد" في مكتبه داخل المنطقة الخضراء ببغداد، فإن "اسم رئيس الوزراء والمناصب هي العائق، وإيران منزعجة جداً من (زعيم التيار الصدري) مقتدى الصدر بسبب تقلبه المستمر ونكثه لكلامه أكثر من مرة". وأكد "عدم وجود ثقة بين خطي التحالفات الشيعية، فنوري المالكي يتحرك مع تحالف الفتح (هادي العامري)، وعلى الجانب الآخر يتقرب من عمار الحكيم ويغازل الصدريين، والأمر نفسه يقوم به تحالف الفتح الذي أوفد، أخيراً، ممثلين عنه إلى إيران في مهمة تتعلق بتشكيل الحكومة العراقية". وكشف أن "البريطانيين والأميركيين يفضلون التعامل مع مختلف القوى الشيعية، بما فيها تحالف الفتح، باستثناء مقتدى الصدر الذي يعتبرونه غير مؤتمن الجانب، والأمر نفسه بالنسبة لإيران التي وصفته عبر أحد دبلوماسييها في بغداد بالمزعج".
في هذا الوقت، تبدو الأحزاب السنية غير واثقة من خطواتها، فهي لم تجتمع على رأي حتى الآن، بسبب ضعف حظوظها في النتائج الأولية للانتخابات، فيما يتفق الحزبان الحاكمان في إقليم كردستان، "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني"، للدخول في أي تحالف لتشكيل الحكومة، على اشتراط عودة قوات البشمركة إلى مدينة كركوك والمدن المتنازع عليها بعد طردها منها في أكتوبر/تشرين الأول 2017، إثر حملة بغداد العسكرية الضخمة عقب تداعيات استفتاء الانفصال عن العراق، بالإضافة إلى اشتراطهما تبديل آلية إدارة حقول النفط الموجودة في مناطق الإقليم.

"الفتح" يتقدم على "سائرون"

وفي بغداد، أكد عضو ائتلاف دولة القانون، والمقرب من نوري المالكي، سعد المطلبي، أن "حزب المالكي اتفق مبدئياً مع أحزاب كردية مؤثرة، وشخصيات سنية بارزة، بالإضافة إلى تحالف الفتح (ممثل مليشيات الحشد الشعبي) على تفاهمات مشتركة قد تفضي في النهاية إلى تحالف رسمي يساهم في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة". وقال المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "المفاوضات مستمرة، والجميع يحاول الحصول على أعلى سقف من التنازلات. وقد غيّر حديث المرجعية في النجف الأسبوع الماضي تحركات الكثير من الأحزاب، إذ أشارت إلى أن المسؤولية الكبرى تقع على رئيس الوزراء بشخصه، وليس على الحكومة مجتمعة". وعلى صعيد الحوار مع الأكراد، أشار إلى أن "الأحزاب الكردية تعمل بجد لتحقيق شروطها التي تتعلق بمستقبل الإقليم، ولكن بعض هذه الشروط تعجيزية وغير قابلة للتطبيق. وبالنسبة لنا فنحن نلتزم بالدستور، ولا نعمل على مبدأ التوافقات السياسية، إنما تحركنا نريده قانونياً ولا يخرج عن الدستور". ولفت إلى أن "ائتلاف دولة القانون أصبح لديه اتفاق مع تحالف الفتح وأحزاب وشخصيات مهمة، بالإضافة إلى أحزاب كردية، ولا نريد تكرار تجربة المرحلة الفاشلة الماضية".

من جانبه، بيَّن النائب السابق وأحد قادة تحالف "الفتح"، عامر الفايز، أن "الفتح أصبح المتصدر في الانتخابات، ولم يعد سائرون، بزعامة مقتدى الصدر، هو الأول، وذلك بعد أن انضمت له (الفتح) قوى سياسية صغيرة، مثل حركة إرادة لحنان الفتلاوي، وكفاءات للتغيير لهيثم الجبوري، ما يعني أن الفتح أصبح القطب الأهم في الحوارات السياسية، وهو من سيشكل الكتلة الأكبر ومن ثم الحكومة". وبيّن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحوارات السياسية التي يقودها الفتح شبه متوقفة، وحتى الحديث السابق لا يرقى لمستوى إعلان التحالفات الرسمية". وتابع أن "الفتح من أشد الملتزمين بأوامر المرجعية في النجف، وبعد ما صدر عنها من شروط اعتماد الكفاءات والنزاهة، مع احترام الاستحقاقات الانتخابية، أوقفنا الحوارات، وأصبحنا ننتظر ما سيؤول إليه المشهد السياسي المقبل، وما ستحققه الحكومة للمتظاهرين المطالبين بالخدمات. وقد ظهر أثر كلام المرجعية على الأحزاب، فقد تبدل منطق دولة القانون من الأغلبية السياسية إلى المشاركة الوطنية، وهذا يعود لما أمرت به المرجعية". واعتبر أن "المالكي لم يعد قطباً مهماً في الحوارات السياسية، إنما هو أحد المحاور التي تنجذب إلى القطبين الرئيسيين، وهما سائرون والفتح، والفتح أصبح الأول من حيث المقاعد، وصار تحالف سائرون هو من يحتاجنا ولسنا نحن بحاجة إليه".


وفي السياق، قال عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في كردستان، إن "الأحزاب الكردية لم تحسم أمرها في التفاوض مع بغداد حتى هذه اللحظة، حتى أن زيارة رئيس الإقليم، نيجرفان بارزاني إلى بغداد واللقاء بالعبادي، لا تمثل توجه حزبنا للتحالف مع قائمة النصر، العائدة للعبادي، وما زلنا ننتظر حسم قضية العد والفرز اليدوي وتصديق نتائج الانتخابات". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "الحوارات التي جرت بين الأحزاب الكردية أو التي في بغداد، ما هي إلا تمهيد لمرحلة ما بعد تصديق النتائج، وهي تأتي في إطار تثبيت المواقف العامة". وأضاف "يعمل حزبنا مع الاتحاد الوطني الكردستاني لإعادة انتشار قوات البشمركة في كركوك. هذه القضية طُرحت على العبادي بشرط التحالف معه، وتبناها وأبدى موافقته الشفهية، وذلك بالتنسيق مع باقي القوات العراقية، لأن العبادي يعرف جيداً أن البشمركة هي القوة الوحيدة القادرة على مسك الأرض هناك، وهي الأكثر معرفة بطبيعة كركوك"، مشيراً إلى أن "الحوارات المبدئية مع الأحزاب العراقية، لا تقتصر فقط على تشكيل الحكومة الجديدة، وإنما على استراتيجيات وشروط ومطالب الأكراد، ومن ضمنها قضية التصرف بحقول النفط الموجودة في كردستان. هذه القضية تمثل المحور الأساسي في حديث نيجرفان بارزاني مع العبادي، ونحن نريد أن نتفق على آلية استثمار الموارد ومعرفة طريقة إدارة العوائد، ونسعى إلى أن يتفق الطرفان على إدارة الحقول والنسب التي تكون للحكومة المركزية وحكومة الإقليم والمحافظات الشمالية. لا بد أن تكون العوائد المالية للحقول منظورة من قبل الحكومة العراقية، وتجتزئ حصة بقية المحافظات الكردية لأنها تشرف على الحقول، وهو النظام اللامركزي الذي نشترطه خلال حواراتنا المبدئية". ولفت إلى أن "الأحزاب الكردية لا تريد تكرار تجربة نوري المالكي حين كانت الإدارة والعوائد مركزية، وبالتالي أوجدت حالة من النقمة لدى الشعب الكردي والسكان المحليين في المناطق التي توجد فيها هذه الحقول"، معتبراً أن "سياسة المالكي أضرت كثيراً بالأكراد".

وفي هذه الأثناء، كررت النائبة السابقة سروة عبد الواحد، تأكيدها عدم وجود تحالف كردي موحد لمفاوضة الأحزاب في بغداد. وقالت، لـ"العربي الجديد"، إن "الحزبين الحاكمين في كردستان سيخوضان المفاوضات مع بغداد وحدهما، وسيديران الاجتماعات الفعلية بعد المصادقة على نتائج الانتخابات، لأن الأحزاب الكردية، التي كانت تتحدث عن كونها معارضة لسياسة الحكم في الإقليم، لم تستطع حتى الآن تقديم مبادرة فعلية وحقيقية للشروع بالمعارضة"، موضحة أن "الأحزاب الكردية كانت ذهبت ككتلة واحدة إلى بغداد في عام 2014 من أجل الحوار، لكنها لم تستفد من ذلك. لذلك، فإن المرحلة الحالية تقتضي الخروج من قوقعة المكونات، والاعتماد على ورقة القومية في المطالبة بالحقوق، وتغيير النهج في المفاوضات". وأشارت إلى أن "بعض الأحزاب عطلّت حواراتها مع الأحزاب في بغداد، بسبب انشغالها بانتخابات برلمان كردستان المزمع إجراؤها نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، ولديها تخوّف من الخسارة، وهذا الأمر قد يؤثر عليها. وعلى الأحزاب العودة إلى الدستور من دون وضع شروط تعجيزية خلال الحوارات، لأن الأحزاب الكردية كانت جزءا من تنصل جميع الأحزاب العراقية من عدم الالتزام بالدستور". بدوره، رأى المحلل السياسي العراقي، محمد شفيق، أن "ما يصدر من تعليقات للمسؤولين العراقيين ورؤساء الأحزاب كلام لا يعتمد عليه، لأن نتائج الانتخابات لم تظهر حتى الآن، وقد تؤدي إلى اختلاف في أعداد مقاعد الأحزاب، وبالتالي فإن أحزاباً ستصعد وأخرى ستنزل"، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأكراد أظهروا، خلال السنوات الماضية، براغماتية سياسية، عبر الاستفادة من الأزمات بين القوى السياسية في بغداد، وبالتالي فإن تأخرهم بإظهار نتائج مباحثاتهم الداخلية وانعكاسها على الحوار مع بغداد أمر طبيعي جداً".