عد عكسي لـ"بريكست": احتمالات مفتوحة بانتظار نتائج مقامرة ماي

عد عكسي لـ"بريكست": احتمالات مفتوحة بانتظار نتائج مقامرة ماي

01 مارس 2019
مؤيدون لبريكست أمام البرلمان البريطاني الأربعاء (فرانس برس)
+ الخط -
شهد البرلمان البريطاني، أول من أمس الأربعاء، ثالث جلسة تصويت على اتفاق "بريكست" منذ الهزيمة التاريخية التي لحقت بصفقة رئيسة الوزراء تيريزا ماي الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بداية العام الحالي. وبينما كان المنتظر أن تكون الجلسة ساحة مواجهة بين الحكومة والبرلمان، بسبب تأجيل رئيسة الوزراء المتكرر لموعد التصويت الملزم على الاتفاق، أدّت التنازلات التي قدمتها ماي في اليوم السابق للتصويت إلى التخفيف من حدة التوتر، وأرسلت إشارات بإمكانية تحوّل موقفها من "بريكست" بعيداً عن متطرفي حزبها.

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية قد قالت، الأسبوع الماضي، إنّ التصويت الملزم على صفقة "بريكست" لن يحدث في الموعد الذي كانت قد وعدت به في 27 فبراير/ شباط الماضي، وإنما سيتم تأجيله إلى 12 مارس/ آذار الحالي. وأثار قرار ماي تأجيل التصويت الملزم على "بريكست" للمرة الثانية إلى موعد قبل أسبوعين من موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، زوبعة من الاعتراضات حتى بين وزرائها. وتُتهم ماي بأنها حاولت تأجيل التصويت الملزم على صفقتها حتى آخر لحظة، في مقامرة تجبر فيها متشددي "بريكست" على الاختيار بين صفقتها أو تمديد موعده، وداعمي "بريكست" المخفف على الاختيار بين صفقتها أو "بريكست" من دون اتفاق.

إلا أنّ الأسبوع الماضي شهد أيضاً تشكيل كتلة برلمانية جديدة تضمّ ثمانية نواب مستقيلين من حزب "العمال" وثلاثة من حزب "المحافظين". وأصبحت هذه المجموعة نقطة استقطاب للسياسيين البريطانيين من جناحي البرلمان والرافضين لمسار "بريكست" الحالي. بل إنّ التلويح بخيار الاستقالة واحتمال الانضمام إلى المجموعة المستقلة أصبح هاجساً يؤرق قيادات "المحافظين" و"العمال". وبالفعل، فإن أربعة من وزراء حكومة ماي هددوا بالاستقالة من حكومتها في حال دفعت باتجاه الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وهو ما أدى إلى التسوية التي تقدمت بها يوم الثلاثاء الماضي.

وتعهّدت ماي، في كلمتها يوم الثلاثاء، بأن يتم التصويت الملزم على صفقتها لـ"بريكست" يوم 12 مارس الحالي، في تكرار للتصويت الذي جرى منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي تلقّت فيه أكبر هزيمة لحكومة بريطانية في البرلمان وبفارق 230 صوتاً. وفي حال هزيمة صفقتها مرة أخرى، فستكون الخطوة التالية أن يصوّت البرلمان على الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في موعد أقصاه 13 مارس. وفي حال رفض البرلمان لهذا الخيار أيضاً، كما هو متوقع، فسيكون للبرلمان حقّ التصويت على تمديد موعد "بريكست" في موعد أقصاه 14 مارس.

وهدفت ماي من تعهداتها تلك إلى التهدئة من روع معارضي "بريكست" المشدّد الذين رأوا في مواقفها السابقة خضوعاً لمطالب "مجموعة الأبحاث الأوروبية" المحافظة، والتي تضم نحو 50 من مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ومع تزايد الإحباط من سياستها، كانت جلسة الأربعاء ستشهد تصويتاً يقوم فيه البرلمان بسحب قرار "بريكست" من الحكومة، من خلال التصويت على تعديل النائبة العمالية إيفيت كوبر، والذي كان سيجبر ماي على طلب تمديد "بريكست"، في حال لم يتم التوصّل إلى اتفاق بحلول 13 مارس.

وبالفعل، تمكّنت رئيسة الحكومة البريطانية من تفادي تلك الخطوة، إذ تقدّمت كوبر، والتي تقود الجهود المعارضة لـ"بريكست" المشدّد في البرلمان، بتعديل بديل يجبر ماي على الالتزام بتعهداتها الأخيرة، والذي إن دلّ على شيء، فإنما يدل على انعدام الثقة في تعهدات ماي. ونال مقترح كوبر دعم 502 نائب، مقابل 20 صوتاً ضده.

كما شهدت جلسة الأربعاء في ويستمنستر التصويت على تعديل آخر لا يقل أهمية، ويطلب منح البرلمان حقّ التصويت على خطة "العمال" الخاصة بـ"بريكست". وتشمل خطة "بريكست" العمالية عضوية اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وتقارباً مع السوق المشتركة، إضافة إلى حماية لحقوق العمال والقوانين البيئية، وهي المطالب التي كان قد حددها زعيم الحزب جيريمي كوربن كشرط لدعم اتفاق ماي. وكما كان متوقعاً، فقد صوّت النواب ضدّ هذا التعديل العمالي بفارق 83 صوتاً، إذ صوت 323 ضده و240 لصالحه.

وتفتح هذه الهزيمة العمالية الباب أمام دعم أكبر أحزاب المعارضة لحملة الاستفتاء الثاني على "بريكست". وكان الحزب قد أكّد دعمه للاستفتاء الثاني، الأسبوع الماضي، مدفوعاً بالخوف من انشقاق المزيد من نواب الحزب لصالح المجموعة البرلمانية المستقلة، والتي تعد سياسة كوربن الخاصة بـ"بريكست" أحد أسباب تشكيلها. ويُتهم زعيم "العمال" بتجاهل تأييد الأغلبية من قواعد حزبه للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وإنصاته لمجموعة من المقربين الذين يرون في الخروج من الاتحاد الأوروبي فرصة لتطبيق سياسات الحزب الاشتراكية. ولكن فشل "العمال" في الدفع باتجاه انتخابات عامة، أو مناقشة خطته لـ"بريكست" في البرلمان، لم تترك أمام كوربن سوى خيار دعم الاستفتاء الثاني، أو مواجهة انهيار الحزب.

وكان جون ماكدونيل، وزير المالية في حكومة الظلّ العمالية، قد قال، مساء الأربعاء، إنّ حزب "العمال يمتلك فرصة حقيقية في الحصول على دعم البرلمان لصالح استفتاء ثان". وأضاف في مقابلة مع قناة "آي تي في" البريطانية: "عندما يحين موعد التصويت الملزم، والذي قيل لنا إنه قد يكون في 12 مارس، فإنّنا سنتقدّم بتعديل يطلب إجراء الاستفتاء الثاني". وتابع "أريد أن أؤكد بداية أننا سنظلّ نطلب إجراء الانتخابات العامة، وسنظلّ نجادل بأنّ صفقتنا هي الخيار الأفضل، ولكننا نرى أننا بحاجة لتجاوز هذا الطريق المسدود. لقد قلنا إننا سنبقي على كافة الخيارات متاحة على الطاولة، لأننا لا نزال نريد انتخابات عامة". وأشار ماكدونيل في المقابلة إلى أنه سيدعم خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي حينها. كما أصدر كوربن بياناً بعيد التصويت، مساء الأربعاء، قال فيه إنّ الحزب سيدعم "التصويت الشعبي لمنع بريكست المحافظ الكارثي أو احتمال كارثة الخروج من الاتحاد من دون اتفاق".


وكانت إيميلي ثورنبيري، وزيرة الخارجية في حكومة الظلّ العمالية، قد قالت، مساء الاثنين، إنّها وكوربن سيدعمان خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي في حال حصول الاستفتاء الثاني. وأضافت أنّ كوربن يدعم وجهة النظر هذه، "فإذا كان الخيار بين بريكست محافظ كارثي أو الخروج من دون اتفاق، أو البقاء في الاتحاد، فإنّ ذلك ما يجب علينا فعله"، أي البقاء في الاتحاد الأوروبي.

أمّا "مجموعة الأبحاث الأوروبية" المتشددة، فقد شهدت أيضاً انعطافة في مواقفها خلال الأسبوع الماضي، عندما أقرّ زعيمها جاكوب ريس موغ بعدم وجود أغلبية برلمانية تدعم الخروج من الاتحاد من دون اتفاق. وتسببت هذه الكتلة المحافظة في فشل خطة ماي سابقاً، نظراً لمعارضتها لخطة المساندة الأيرلندية لأنها لا تسمح لبريطانيا بالخروج من ترتيباتها بشكل أحادي. ويرى أعضاؤها في ذلك تبعية للاتحاد الأوروبي، وطالبوا مراراً بحذفها كلياً من الاتفاق كشرط لدعمه. إلا أنّ ريس موغ قال، صباح الأربعاء، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنه مستعد لدعم خطة ماي إذا شملت وضع حدّ زمني في الأمد القريب لخطة المساندة.

ويخشى متشددو "بريكست" من أنّ تصلب مواقفهم سيدفع برئيسة الوزراء إلى البحث في صفوف المعارضة البرلمانية عن الدعم لخطتها بهدف ضمان الأغلبية البرلمانية، وهو ما سيؤدي إلى "بريكست" مخفف يعارضونه، أو ربما إلى استفتاء ثان، يعكس "بريكست"، أو انتخابات عامة، يكون حزب "العمال" المنتصر فيها.

وبالفعل، فإنّ ماي تبحث عن الدعم في صفوف العمال، من خلال التركيز على النقاط المشتركة في مواقف الطرفين، وينتظر أن تعلن عن حزمة من التعهدات بحماية حقوق العمال، والتخفيف من القوانين الصارمة التي تحكم النقابات العمالية ما بعد "بريكست". كما ستشمل هذه التعهدات منح النواب حق التصويت على إمكانية تبني قواعد الاتحاد الأوروبي المستقبلية الخاصة بحقوق العمال. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه التعهدات ستكون جزءاً من قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أو سيتم تقديمها كتشريع برلماني منفصل. ويفضل النواب العماليون الخيار الثاني، لأنه غير مشروط بتطورات "بريكست".

ومع اقتراب لحظة الحقيقة، واقتراب مواقف الأحزاب السياسية البريطانية من الواقع، تبقى الاحتمالات مفتوحة في الأسابيع الأربعة المقبلة، ويبدو مرجحاً أن يفشل التصويتان يومي 12 و13 مارس، وأن يصوّت البرلمان بعد ذلك لصالح تمديد موعد "بريكست"، الذي قالت ماي إنه سيكون لفترة وجيزة، ولا يتوقّع أن يتجاوز شهر يونيو/ حزيران، وإلا فإنّ على بريطانيا انتخاب ممثليها في البرلمان الأوروبي. وإن تمّ ذلك، فستتوجه رئيسة الوزراء إلى القمة الأوروبية المقررة في 21-22 مارس الحالي، حيث ستطلب التأجيل رسمياً. أمّا في حال رفض البرلمان تمديد موعد "بريكست"، فستشمل الخيارات الأخرى الخروج من الاتحاد من دون اتفاق، أو تصويت البرلمان على خيارات "بريكست" الأخرى، ومنها الاستفتاء الثاني، أو خوض انتخابات عامة تأتي بتركيبة برلمانية جديدة تدعم خياراً واضحاً.

إلا أنّ تمديد موعد "بريكست" يواجه معارضة أوروبية أشدّها من الجانبين الفرنسي والإسباني، رغم أنّ القول الفصل يأتي من الجانب الألماني في نهاية المطاف. فقد قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في باريس، الأربعاء، إنّ فرنسا تعارض تمديد "بريكست" ما لم يكن هناك "خيار جديد" من طرف بريطانيا، وقال: "سندعم طلب التمديد إذا كان مبرراً فقط بخيار بريطاني جديد. ولكننا لن نقبل أبداً أي تمديد من دون هدف واضح".

أمّا ميركل، فكان موقفها أكثر ليونة عندما قالت "إننا متفقون تماماً، وتحدثت مع تيريزا ماي حول ذلك في شرم الشيخ"، في إشارة إلى القمة العربية الأوروبية التي انعقدت في مصر يومي الأحد والاثنين الماضيين. وشددت ميركل على أن "اتفاقية بريكست سليمة"، قبل أن تضيف "إذا أرادت بريطانيا المزيد من الوقت، فإننا لن نعارض ذلك، ولكننا بالطبع نسعى لصالح بريكست منظّم. نأسف لهذا الأمر، ولكنه الواقع، وعلينا الآن البحث عن حلّ جيد".

من جهته، اتخذ رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، والذي ينتظره استحقاق الانتخابات العامة في شهر إبريل/ نيسان المقبل، موقفاً أكثر صرامة، عندما قال أمام البرلمان الإسباني في مدريد أخيراً، إنّ هناك شروطاً أمام تمديد موعد "بريكست". وتوجد بين بريطانيا وإسبانيا معضلة مصير جبل طارق بعد "بريكست" وطريقة التعامل معها.

أما كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ميشال بارنييه، فتمسك باحتمال أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بطريقة منظمة. وقال بارنييه في مقابلة، أول من أمس، مع إذاعة "فرانس إنفو": "أعتقد أننا نستطيع إنقاذ هذا الاتفاق"، لكن الأمر رهن ببريطانيا لتحمل المسؤولية. وأضاف بارنييه: "ليس صائباً أن نقول إن عدم وجود اتفاق هو النتيجة الأكثر ترجيحاً"، وتابع: "إنه محتمل. ليس مرجحاً بعد". وخلص بارنييه إلى القول إنه لا يرى "قيمة مضافة" في مغادرة بريطانيا، مشدداً على أن "بريكست خسارة للجانبين". والخسائر بالنسبة إلى بارنييه وكثير من المسؤولين الأوروبيين وحتى البريطانيين لا تقتصر على الجانب الاقتصادي الذي بدأت تداعياته تظهر منذ ظهور نتائج استفتاء "بريكست"، بل تمتد أيضاً إلى خسائر سياسية، لا سيما في ظل التحولات التي تشهدها أوروبا في السنوات الأخيرة.

المساهمون