نظام الأسد الوريث الأكبر لـ"داعش" بمباركة أميركية ضمنية

نظام الأسد الوريث الأكبر لـ"داعش" بمباركة أميركية ضمنية

16 يونيو 2017
قوات "النخبة" السورية، المعارضة، تتقدم شرقي الرقة(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
من بين الأطراف المختلفة التي تقاتل وتتقاتل على "تركة داعش" في سورية، يبدو نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران، هو الأوفر حظاً للحصول على "حصة الأسد" من هذه التركة التي تشكل مساحة شاسعة من وسط البلاد وشرقها، وتتمركز فيها العديد من الثروات الهامة كالنفط والغاز والفوسفات، فضلاً عن كونها مناطق حدودية مع العراق والأردن. وقد شهدت الأسابيع والشهور الأخيرة، اندفاعة كبيرة لقوات النظام بمؤازرة فعالة من المليشيات التي تدعمها إيران باتجاه الشرق، ولا سيما عبر الأرياف الشرقية لكل من حلب وحمص ودمشق. 

وبدأ النظام السوري مدعوماً بمليشيات حزب الله ومليشيات عراقية وإيرانية هجوماً منذ أكثر من شهرين على مواقع "داعش" في شرق حلب والبادية السورية، بهدف الاقتراب من الرقة والوصول إلى قواته المحاصرة في دير الزور. وسيطر خلال ذلك على مساحات واسعة من ريف حلب الشرقي، مثل دير حافر ومسكنة ومطار الجراح، ليصل إلى الحدود الغربية لمحافظة الرقة. وقال ناشطون أمس الخميس، إن قوات النظام السوري والمليشيات سيطرت على قرية وآبار نفط خاضعة لتنظيم "داعش" قرب مدينة الطبقة غربي الرقة بعد انسحاب التنظيم منها.

وكانت قوات النظام دخلت الحدود الإدارية لمحافظة الرقة من الجهة الغربية، قبل أيام، وتمكنت بعدها من السيطرة على عدد من القرى والبلدات بعد انسحاب "داعش" دون قتال أغلب الأحيان. وتستغل هذه القوات انهماك التنظيم في القتال داخل الرقة في ظل الضربات الجوية لطائرات "التحالف الدولي" والطائرات الروسية لكي تسد الفراغ الناتج عن أية انسحابات يقوم بها التنظيم في الريفين الغربي والجنوبي من الرقة.

وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن قوات النظام، وبدعم من قوات النخبة التابعة لحزب الله، سيطرت على نحو 1200 كيلومتر مربع من مساحة محافظة الرقة منذ السادس من شهر يونيو/حزيران الحالي. وأضاف "المرصد" أن هذه القوات وصلت إلى مسافة 7 كيلومترات عن مثلث الحدود الإدارية – حمص – حماة – الرقة، بينما يفصلها نحو 90 كيلومتراً عن تنفيذ أكبر عملية تطويق لتنظيم "داعش"، لتقع بالتالي كامل المناطق الممتدة من سبخة الجبول في ريف حلب الجنوبي الشرقي، وصولاً إلى طريق السخنة – تدمر، مروراً بريف حماة الشرقي وباديتي تدمر الشمالية والشمالية الغربية، ضمن الحصار. وإذا انسحب التنظيم من هذه المنطقة قبل محاصرته فيها، فإن قوات النظام تكون قد استعادت السيطرة على أكثر من 6 آلاف كيلومترات مربعة، تضم أكثر من 70 قرية وبلدة متوزعة بين أرياف حلب وحماة وحمص.


وكانت قوات النظام قد تقدمت خلال اليومين الماضيين جنوب مدينة مسكنة لتسيطر على أجزاء من طريق أثريا – الرصافة وعدة قرى جنوب مسكنة، ما يجعلها قريبة من الرصافة نفسها. وإذا تمكنت من الوصول إلى الرصافة، فهذا يعني أنها باتت على تخوم مدينة الطبقة، وسط توقعات بأن تكون المدينة التي استحوذت عليها "قوات سورية الديمقراطية" أخيراً، هدفاً لقوات نظام الأسد في مرحلة لاحقة. ويعد طريق إثريا – الرصافة الاستراتيجي، طريق إمداد رئيسي لتنظيم "داعش"، بين المناطق الخاضعة لسيطرته في محافظات الرقة وحمص وحماة.

وفي ريف حمص الشرقي، سيطرت قوات النظام مدعومة بالمليشيات على منطقة آرك وعلى تلال مطلة على منطقة آرك، عقب اشتباكات مع مقاتلي "داعش"، تخللتها غارات جوية مكثفة من طائرات النظام والمقاتلات الروسية. وتحقق قوات النظام في الآونة الأخيرة، تقدماً مضطرداً في المنطقة حيث استعادت معظم حقول النفط والغاز والفوسفات وهي تسعى للوصول إلى مدينة السخنة الاستراتيجية شرق مدينة حمص. ومع هذا الحضور المتزايد لقوات النظام والمليشيات في شرق البلاد، قال رئيس الجناح السياسي في حركة "أحرار الشام"، منير السيال، إن إيران والمليشيات الموالية لها يسعون للسيطرة على محافظة دير الزور، شرق سورية، وإنهم يحضرون لعملية عسكرية كبيرة على المنطقة. وأكد في تغريدات له على صفحته في موقع "تويتر" أن طهران تسعى للوصول إلى البحر المتوسط، وإنشاء طريق بري يربط طهران مع دمشق. وتتزامن تغريدات القيادي في "أحرار الشام" مع تقارير تشير إلى نقل مجموعات من عناصر مليشيات "الحشد الشعبي" التي يترأسها، نواف البشير، وتمولها إيران، من محافظة الحسكة السورية إلى مدينة دير الزور للقتال إلى جانب قوات نظام الأسد ضد تنظيم "داعش"، وذلك بدعم من وجهاء العشائر العربية في محافظتي الحسكة ودير الزور. وحسب هذه التقارير، فقد وصلت المجموعات إلى "اللواء 137" عبر مروحيات عسكرية آتية من مطار القامشلي بغية التحضير لعملية عسكرية ضد "داعش" في دير الزور.

ومع اقتراب قوات النظام ومليشيات إيرانية من الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، أصدرت فصائل عسكرية وفعاليات مدنية وعشائرية بياناً أشارت فيه إلى استغلال إيران لاتفاق "تخفيف التصعيد" الموقع في أستانة، لتوجيه مليشياتها للسيطرة على محافظة دير الزور. وشدد البيان على أن تقدم المليشيات التابعة لإيران نحو دير الزور يعقّد من مهمة الحرب على تنظيم "داعش"، ويهدد "السلم الأهلي"، داعياً القوى السياسية والعسكرية والمدنية من أبناء دير الزور، إلى تشكيل قيادة سياسية وعسكرية موحدة لهزيمة تنظيم "داعش" وإيقاف "المشروع الإيراني". ووقع البيان عدد من فصائل "الجيش السوري الحر"، مثل "أسود الشرقية" و"أحرار الشرقية" وكتائب إسلامية وشخصيات عسكرية ومدنية من محافظة دير الزور.

وكانت وكالة "تسنيم" الإيرانية نشرت صوراً لوصول مسؤول "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، برفقة مسلحين من "لواء فاطميون" الأفغاني، إلى الحدود السورية العراقية، آتين من البادية السورية، وذلك بعدما أعلنت قوات النظام قبل أيام، سيطرتها على مساحات في الشريط الحدودي مع العراق، شمال شرق معبر التنف، لتقطع الطريق أمام مساعي "الجيش الحر" المدعوم من قبل "التحالف الدولي" للتقدم نحو الريف الشرقي لمحافظة دير الزور.

وأتى هذا التطور الميداني على الرغم من التحذيرات المتوالية التي صدرت عن "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة، والضربات الجوية الأميركية التي استهدفت أرتالاً لقوات النظام والمليشيات، بعدما اقتربت من التنف التي يمر عبرها الطريق بين دمشق وبغداد. غير أن مصدراً في وزارة الدفاع الأميركية قال إن "البنتاغون على إطلاع تام بوصول قوات مدعومة إيرانياً إلى الحدود السورية العراقية، وفتحها ممراً مع الحدود العراقية". واعتبر المصدر في حديث لوكالة "الأناضول" أنه "يمكن لقوات النظام وحلفائه تنفيذ عمليات في أي مكان بسورية، ما لم تشكل تهديداً علينا وعلى القوات التي ندربها في معسكر التنف"، وفق قول المصدر الأميركي. وأوضح أن "فتح القوات الموالية للنظام ممر بين الحدود السورية العراقية لا يشكل مصدر قلق لوزارة الدفاع الأميركية في الوقت الراهن"، مستدركاً بأن تأثير إيران يشكل مصدر عدم استقرار في المنطقة.

ورأى مراقبون أن قوات النظام استطاعت تغيير المعادلات على الأرض لصالحها في المنطقة الشرقية والجنوبية وأغلقت جميع المنافذ على فصائل "الجيش الحر" لمحاربة تنظيم "داعش"، ولن يكون لها بالتالي "حصة" عند اقتسام "تركة التنظيم". وبذلك يبقى النظام وحده في الساحة ليكون المرشح الوحيد للاستحواذ على هذه التركة، ولا سيما أن ما يسمى بـ"قوات سورية الديمقراطية" لا تملك الإمكانات ولا الرغبة، ولا يسمح وضعها أصلاً، بالتمدد جنوب محافظة الرقة بالنظر إلى عدم وجود أي مكون كردي في تلك المنطقة، ولا حتى في مدينة الرقة نفسها.

ومن المرجح أن تضطر تلك القوات للانسحاب من الرقة حالما يتم طرد تنظيم "داعش" ليتولى إدارة المدينة خليط من القوى المحلية، خاصةً تلك المشاركة في معركة الرقة تحت لواء "سورية الديمقراطية"، بحسب المراقبين. ويضيف هؤلاء أنه سيكون النظام حاضراً بقوة للمشاركة في إدارة الرقة عبر وكلاء محليين، لا سيما أن المدينة ستكون مهدمة وتفتقر إلى كل أنواع الخدمات، وهي مسألة ستبرز الحاجة لوجود النظام بشكل أو آخر باعتباره الجهة التي تملك الإمكانات والخبرة لإدارة الموارد وتزويد المدينة بما تحتاجه من خدمات وكهرباء ومحروقات ومياه واتصالات ومجمل عمليات إعادة البناء، وفق قول المراقبين.

ويضيف المراقبون أن النظام بعدما استعاد مدينة حلب، وثبت وجوده في درعا جنوب سورية، واستعاد كامل مدينة حمص، وفرض تسويات في ريف دمشق، بدأ عملية تحصين المنطقة الوسطى، في دمشق وحمص ومن ثم باشر التقدم شرق حمص وحلب ودمشق ليتمكن من الوصول إلى الحدود العراقية، كخطوة على طريق مساعيه لانتزاع دير الزور، وعموم المنطقة الشرقية، واضعاً عينه على الثروات الباطنية وعلى الحدود ومراكز المدن.

المساهمون