الكونغرس يدين عنصرية ترامب: أميركا في ذروة تنافرها الثقافي

الكونغرس يدين عنصرية ترامب: أميركا في ذروة تنافرها الثقافي

17 يوليو 2019
تنديد واسع بعنصرية ترامب (زاك غيبسون/Getty)
+ الخط -

"كان الثلاثاء 16/7 من الأيام غير الاعتيادية والتاريخية في واشنطن"، عبارة ترددت على أكثر من لسان بعد تصويت مجلس النواب في الكونغرس مساء أمس على مشروع قرار "بإدانة عنصرية" الرئيس دونالد ترامب الذي دعا قبل يومين أربع نائبات من جذور مهاجرة للعودة إلى بلادهن الأصلية، وثمة من وضعه في خانة "اليوم المخجل".

فاز القرار بأكثرية 240 صوتاً من بينهم 4 جمهوريين، ضد 187، ومع أنه رمزي غير ملزم ولا إمكانية بالتصويت عليه في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية، لكن كان له وقع القنبلة السياسية. فهو غير مسبوق بلهجته ولا بالسرعة القياسية في طرحه وإقراره بعد حوالي 48 ساعة من تغريدة الرئيس التي أثارت زوبعة من الردود والإدانات والمخاوف التي لم تهدأ بعد.


في جانب منها كانت مسارعة الديمقراطيين في مجلس النواب مدفوعة باعتبارات سياسية – انتخابية لتوظيف هذا التطور لصالحهم وقد تحقق لهم ذلك إلى حد بعيد. وفي الوقت ذاته كانت مدفوعة أيضا برغبة لحمل الرئيس على التراجع لتنفيس البالون العنصري الذي لا يحتمل المزيد من النفخ في هذا الوقت المأزوم. لكن ترامب الذي كرر موقفه من النائبات الأربع قبل تصويت النواب بساعات قليلة، لا يبدو أنه في صدد العودة عنه. بل على العكس، فهو يعتزم التمسك بهذا الخطاب خلال الحملة الانتخابية كسلاح فعال لاستنفار قاعدته التي لا يروق لها سماع شيء أكثر من هذه النغمة العنصرية. ورقة يعرف الطرفان في الكونغرس مدى خطورة اللعب بها. زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السناتور ميتش ماكونيل، خرج أمس عن صمته داعيا الجميع بمن فيهم ترامب إلى "خفض لهجة" التراشق، فهو يدرك خطورة الانجرار إلى هذا المنزلق ولو أنه لم ينتقد الرئيس.
لكن محاولات التطويق بهذا الشكل تبقى قاصرة؛ ليس فقط لأنها متأخرة، بل أيضا لأن المسألة ليست سياسية صرفاً في أساسها. في عمقها هي مشكلة تنافر ثقافي متفاقمة أكثر من كونها حسابات ونزعات ترامبية خاطئة وعنصرية. ترامب جاء وأعطاها جرعة فيتامين قوية أنعشت الحياة في تيار "القومية البيضاء"، أو ما يسمى بتيار التفوق الأبيض. أزمة كانت نائمة منذ فترة لتصحو على نغمة "أميركا أولا" وشعار "جعل أميركا عظيمة من جديد".

كما أن تجاوب قواعد الجمهوريين واليمين المحافظ مع هذه الشعارات، جاء على خلفية الحقن ضد "الآخر" المتمثل في الأقليات والمهاجرين و"الملونين" مثلما يسمون في أميركا، باعتبارهم غرباء جاؤوا إما لحصد فرص العمل وحرمان الأميركيين منها وإما لأنهم قدموا بثقافات ولغات ومعتقدات مختلفة تهدد "الصفاء" العرقي الأميركي الأصلي وثقافته، مع أن أميركا من الأصل بلد مهاجرين وقام على التعدد.

هذه النظرة أعادت الحياة لفكرة "القبيلة" التي تدافع عنها أقلام معروفة ومؤثرة في صفوف هذا التيار، لا تتردد في طرح خيار "الانفصال" للحفاظ على "الهوية الأميركية" الأصلية. كلام يجهر به مثقفون من أمثال جارد تايلور رئيس "مؤسسة القرن الجديد" ونشرة "النهضة" الصادرة عنها. سبق أن قال مثله الكاتب والسياسي باتريك بيوكانن والنائب ستيف كينغ (الذي اعتذر أخيراً عن شطحات عنصرية أدلى بها). وهذا الخطاب انعكس على الحياة السياسية المتأثرة في شقها الجمهوري بقواعد اليمين الذي يمجد هذه النزعة من دون التبصر بتداعياتها ومخاطرها، مع أن تجربة الحرب الأهلية كافية لردع حتى التفكير في مثل هذا الطرح. لكن هناك ما يشبه السكرة في أوساط هذا التيار ودعاته الذين ساهمت طروحاتهم في تعميق الانقسام السياسي، وبما أدى إلى الإطاحة بخيار التسوية الذي طالما التزم به الحزبان الديمقراطي والجمهوري إبان تناوبهما على السلطة. الآن لا مكان إلا في ما ندر للعمل المشترك، خاصة في الكونغرس المقسوم غالباً إزاء معظم القرارات والتشريعات.

أميركا مرت بتجارب كثيرة من هذا النوع. النزعة المناوئة "للآخر" المهاجر، ليست جديدة. حصلت في السابق ضد الإيطاليين والأيرلنديين والألمان واليابانيين والقادمين من بلدان أميركا اللاتينية وغيرهم. كل فترة عرفت هبّة من هذا النوع لكنها انطفأت في نهاية الأمر. الفارق الخطير الآن أن الرفض يستهدف "الآخر" المقيم والمولود في أميركا. ومن هنا كان التخوف من كلام الرئيس عن "العودة إلى بلادهم" ولو أن القضاء يبقى في آخر المطاف، الضمانة الصلبة ضد مثل هذا التوجه.