جلسات العدالة الانتقالية بقفصة التونسية: الجلاد ينهزم أمام الضحية

جلسات العدالة الانتقالية بقفصة التونسية: الجلاد ينهزم أمام الضحية بعد عقد

27 سبتمبر 2018
نشطاء العدالة الانتقالية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

انطلقت، أمس الأربعاء، أولى جلسات الدوائر المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية المتعلقة بقضايا انتفاضة الحوض المنجمي عام 2008 في تونس.

وانعقدت الجلسة التي استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، وسط حضور مكثف من الضحايا وأهالي المنطقة إضافة إلى نشطاء العدالة الانتقالية والمحامين المهتمين بالملف، فيما تغيب عنها المتهمون بالتعذيب والقتل والاغتصاب وانتهاك حقوق الإنسان وهم ستة عشر متهما أبرزهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ووزير داخليته آنذاك رفيق الحاج قاسم.

ورغم أن المشهد لم يكتمل داخل محكمة قفصة بحضور المتهمين ومواجهتهم بضحايا الحوض المنجمي، غير أنها كانت لحظة تاريخية فارقة في مسار العدالة الانتقالية.


ومن مفارقات التاريخ، أن تحتضن المحكمة الابتدائية بقفصة، محاكمة "أذرع" الرئيس الفار زين العابدين بن علي التي ضرب بها الحراك الاجتماعي في منطقة الحوض المنجمي، بعد أن شهدت القاعة ذاتها قبل عشرية من الزمن محاكمات جائرة للضحايا في إطار قمع النظام السابق للتحركات المطالبة بالعدالة الاجتماعية.

واندلعت انتفاضة الحوض المنجمي في الخامس من شهر يناير/كانون الثاني من سنة 2008، إثر إعلان نتائج مناظرة شركة فسفاط قفصة والتي اتسمت بالمحسوبية والتلاعب بالملفات ما ولد غضباً شديداً في صفوف أبناء الجهة. وانطلقت الاحتجاجات بمدينة قفصة لتلتحق بها فيما بعد بقية مدن المحافظة وانخرطت فيها غالبية شرائح المجتمع، وواجهها نظام بن علي بالقمع والقوة ليسقط إثر ذلك أربعة قتلى وثمانية وعشرون جريحاً علاوة على ثمانية وثلاثين موقوفاً تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية، ووجهت لهم تهم تتعلق بالعصيان وتكوين وفاق وتكوين عصابة للتآمر على أمن الدولة وجمع أموال من مصادر خارجية والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة ووصلت الأحكام القضائية إلى السجن لعشر سنوات.

واستمعت الدائرة المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقفصة، أمس، إلى عدد من الضحايا البالغ عددهم واحدا وخمسين، رغم الارتباك الذي شاب الساعة الأولى من عمر الجلسة إثر تغيب المتهمين.

وأرجأت المحكمة الجلسة إلى 2 يناير/كانون الثاني المقبل لبلوغ الاستدعاءات للمتهمين وبلوغ طلبات النيابة العامة ومحامي المتضررين.

ويعد ذلك "في حد ذاته انتصارا للجهة وردا لاعتبارها"، وفق تعبير الدكتور عبيد الخليفي أحد ضحايا انتفاضة الحوض المنجمي.

ورأى الخليفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، استعداد المحكمة للجلسة ملائماً لحجم الحدث، إذ حضر الضحايا وأهالي الرديف وأهالي الحوض المنجمي ومحامون من المحافظة ومن كامل تراب البلاد وممثلون عن تنسيقية الدفاع عن مسار العدالة الانتقالية.

ولم ينتقص تغيب المتهمين عن الجلسة من أهمية الحدث وفق الخليفي، الذي فسر ذلك بانعدام رغبة الدولة السابقة في الاعتراف بجرائمها وعدم اعترافها بالعدالة الانتقالية سيما أن نقابات أمنية سبق أن دعت منظوريها إلى عدم حضور الجلسات ومقاطعتها.

وأبرز المتحدث ذاته أن الهدف من الجلسة تحقق جزئياً رغم عدم اكتمال المشهد بتغيب المتهمين، إذ إن الضحايا الذين قدموا شهاداتهم نفوا أن يكون دافعهم التشفي والانتقام وإنما رد الاعتبار واعتراف الدولة بمسؤوليتها تجاه الجهة ونشطاء حراك الحوض المنجمي عبر المكاشفة ثم المحاسبة ورد الاعتبار.

وشهدت الجلسة اصطفاف منظمات المجتمع المدني المهتمة بالملف من بينها جمعية القضاة التونسيين ونقابة الصحافيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى جانب الضحايا والمسار بأكمله.


وقال رئيس فرع رابطة حقوق الإنسان بشير العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن تغيب المتهمين منذ انطلاق جلسات الدوائر المتخصصة وآخرها جلسة الحوض المنجمي دليل على التنصل من المسؤولية يضحي معه وجوب مساندة الضحايا ودعم المسار أمراً ضرورياً من أجل الوصول إلى رد الاعتبار والإنصاف.

وأشار إلى أن هذه "الجلسة تعد محطة ضرورية لتندمل جراح الجهة فعودة الضحايا لذات القاعة كأصحاب الحق وتغير الأدوار لتصبح أذرع بن علي في قفص الاتهام سيعيدان رسم المشهد".

بدورها، قالت عضو تنسيقية الدفاع عن مسار العدالة الانتقالية نجاة العرعاري في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "جميع جلسات العدالة الانتقالية لدى الدوائر المتخصصة شابها الخلل الإجرائي المتمثل في عدم إبلاغ الاستدعاءات إلى المتهمين ولم يتبين بعد إن كانت المسؤولية في ذلك على عاتق المحاكم أم وزارة الداخلية غير أنها تفضي إلى استنتاج وحيد وهو رفض المتهمين لهذا المسار".

واردفت أن المجتمع المدني متجند لمساندة الضحايا وحريص على أن تفضي المحاكمات إلى أحكام قضائية منصفة لهم.