السيسي يعيد "أغريوم" للواجهة: تشجيع الاستثمار بوجه المعارضة المجتمعية

السيسي يعيد "أغريوم" للواجهة: تشجيع الاستثمار بوجه المعارضة المجتمعية

25 مايو 2016
عمل مسؤولون على دمج الشركات (ستيفان دو ساكوتان/فرانس برس)
+ الخط -
ﻻ يمرّ أسبوع على مصر من دون أن يخرج رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، على المواطنين بحفل كبير، بدعوى افتتاح مشروع جديد، محاولاً إشعار المواطنين بحجم الإنجازات التي تحققها حكومته والجيش، على صعيد المشاريع القومية والتنموية، التي يُعوّل عليها لزيادة الدخل القومي وتوفير فرص عمل جديدة.


إلا أن هذه الاحتفاﻻت ﻻ تخلو من البروباغندا والتضخيم الإعلامي، مقارنة بحقيقة هذه المشاريع، فعلى عكس ما كان يفعل الرئيسان المخلوع، حسني مبارك، والمعزول بانقلاب عسكري، محمد مرسي، في افتتاح أو تدشين أي مشروع مرة واحدة، يعمد السيسي إلى إقامة حفل افتتاح لكل مرحلة من مراحل مشروع واحد.

في هذا الصدد، كان مشروع الإسكان المتوسط على رأس المشاريع التي قام فيها السيسي بذلك، إذ أقام له خمسة احتفالات في أقلّ من عام واحد، كان يفتتح في كل منها مرحلة أو مجمّعاً سكنياً جديداً. كما أن السيسي هبط بمستوى مشاركة رئيس الجمهورية في مثل هذه الاحتفاﻻت، ففي الماضي كان الرئيس ﻻ يشارك إﻻ في افتتاح المشاريع الكبرى والاستثنائية، غير أننا  السيسي يفتتح أحياناً مشاريع صغيرة ومحدودة التأثير، لمجرد إشراف الجيش على تنفيذها، أو لكونها في محافظة وجه بحري أو الصعيد، لإشعار المواطنين ببذل الحكومة جهوداً لتنمية الأقاليم.

وقد وُجّهت انتقادات عديدة للسيسي في احتفاليات سابقة، في افتتاحه مشاريع سبق وتم تدشينها في عهد مبارك أو بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ومنها على سبيل المثال تطوير ميناء شرق بورسعيد، والمنطقة الصناعية شرق التفريعة.

في هذا السياق، جاءت زيارة السيسي إلى مدينة دمياط، يوم الأحد، لافتتاح "توسيع مجمّع مصانع شركة موبكو ﻹنتاج سماد اليوريا (مركّب كيماوي) والمنتجات النيتروجينية". وهي عبارة عن البدء في تشغيل مصنع ثالث في المجمّع، الواقع بين ميناء دمياط ومنطقة رأس البرّ الساحلية السياحية.

في الواقع فإن عملية التوسيع ﻻ تمثل القسم اﻷكبر من المجمّع الذي تم افتتاحه على مراحل، خلال السنوات العشر الأخيرة من عهد مبارك، من دون حضور رئاسي أو حكومي رفيع، وكان يضمّ مصنع "موبكو" المصري ومصنع "أغريوم" الكندي، اللذين تم دمجهما في شركة واحدة فيما بعد.

ويثير هذا المجمّع، منذ عام 2007 وحتى اﻵن، جدلاً بيئياً ومجتمعياً واسعاً في مصر، تحديداً في محافظة دمياط، نظراً لوقوع المجمّع الصناعي على بعد أمتار من منطقة ساحلية سياحية، وصبّ مخلفاته في البحر المتوسط، وتأثيراته البيئية السلبية التي ظهرت على اﻷراضي الزراعية القريبة منه.

وكان أهالي المناطق المحيطة بمصنع "أغريوم"، قد قاموا بفعاليات معارضة لانشائه، بعد إعلان الشركة الكندية العملاقة أنه سيكون أكبر مصنع لإنتاج اليوريا في العالم، وذلك بعد علمهم أن دوﻻً أوروبية عدة تتجه لإخراج مثل هذه الصناعات من أراضيها، بعد ثبوت تأثيراتها البيئية السلبية، خصوصاً على المناطق الزراعية القريبة منها.

واستمرت عرقلة اﻷهالي للعمل في المصنع بين عامي 2007 و2011، بينما ظلّ مصنع "موبكو" المملوك للدولة يعمل لكون تشغيله بدأ في عام 1998، ولم يكن مصحوباً بدعاية كالتي صاحبت دخول "أغريوم" السوق المصرية.

وبعد تهديد الشركة الكندية بسحب استثماراتها من مصر واللجوء للتحكيم الدولي عام 2011 (العام الذي شهد رفع أكبر عدد من القضايا التحكيمية ضد مصر استغلالاً لحالة الفوضى السياسية)، قرّر المسؤولون المصريون إدماج الشركات الحكومية المصرية كشركاء في مصنع "أغريوم"، ثم دمج "أغريوم" و"موبكو" معاً لتشكيل مجمّع عملاق لإنتاج اليوريا. بالتالي أصبحت حصة المستثمرين الكنديين 26 في المائة من المجمّع، مع إعطائهم فرصة التوسع بزيادة عدد المصانع وخطوط الإنتاج وبالتالي اﻻستفادة من غطائهم المالي.

وعمد المسؤولون إلى إلغاء استخدام كلمة "أغريوم" في العقود أو الدعاية، للتخلّص من الملاحقة اﻹعلامية والرفض الشعبي للمصنع، الذي اقترن بوصف "مصنع الموت" إبان تظاهرات أهالي المناطق المحيطة به. ودخلت هيئات حكومية عديدة كشركاء في المشروع، مثل بنك اﻻستثمار القومي والبنك اﻷهلي والشركة القابضة للبتروكيماويات و"إيغاس"، وجميع هذه الشركات والبنوك بها أسهم لمستثمرين مصريين كبار. ويعتبر المستثمرون الكنديون الفئة المساهمة اﻷكبر في عملية التوسع التي تمت العام الماضي، وافتتحها السيسي الأحد بعد تشغيلها رسمياً بأشهر عدة.

وأصبح المجمع بعد التوسيع، ينتج مليوني طن من سماد اليوريا سنوياً بنسبة 1 في المائة من إنتاج السماد العالمي، بالإضافة ﻹنتاج 120 ألف طن يوريا خام سنوياً. ويُخصّص معظم إنتاج المصنع للتصدير وفقاً للاتفاقيات بين الشركات المصرية الحكومية والمستثمر الكندي.

وفي محاولة لجبر أضرار اﻷهالي وضمان صمتهم، اتبعت الحكومة المصرية سياسة الترغيب معهم، فقامت بتشغيل العشرات منهم في وظائف مكتبية (نظراً لعدم حاجة مثل هذه المصانع لأيد عاملة كثيرة) كما خصصت "موبكو" 85 مليون جنيه (9.6 ملايين دولار) من أرباحها، لإقامة مشاريع خدمية صغيرة بمحافظة دمياط، مثل مصنع تدوير القمامة، وتغطية بعض المصارف، ورصف طرق زراعية.

ووصف السيسي، خلال حضوره الاحتفالية، هذه السياسة "مثاﻻً يحتذى للمشاركة اﻻجتماعية للمصانع الكبرى"، من دون أخذ الظروف المحيطة بالمصنع ورفضه شعبياً في اﻻعتبار. كما اعتبر السيسي معارضي إنشاء وتشغيل مجمع إنتاج اليوريا أنهم "تابعون لقوى الشر"، قائلاً إن "الدولة لن تقبل أن يتسبب أي مشروع تنفذه الحكومة أو القطاع الخاص في تعريض حياة المصريين للخطر". وحذر السيسي أهالي دمياط مما وصفها بـ"محاولات قوى الشر والسوء الترويج للشائعات والتشكيك في المعايير البيئية المُتبعة في المشروع".

وتأتي تحذيرات السيسي في ظلّ محاولة بعض القوى الشبابية تجديد المعارضة المجتمعية لتشغيل المجمع، بعد نحو 5 سنوات من توقفها نتيجة الظروف السياسية التي عاشتها البلاد، والخلافات المنهكة للتيارات السياسية الفاعلة، التي كانت المحرّك الرئيسي للاحتجاجات.

ويعلق مصدر حكومي كان على صلة بملف "أغريوم" في عهد رئيس الوزراء اﻷسبق عصام شرف، على ذلك قائلاً إن "حضور السيسي للمشروع رسالة طمأنة للمستثمرين القلقين من المواجهات أو المعارضة المجتمعية لمشاريعهم، بل هي رسالة تشجيع لجذب مزيد من هذه المشروعات التي تلفظها دول كثيرة حول العالم إلى مصر".

وأضاف المصدر أنه "نظراً لما يدره من أرباح على مصر والشركة الكندية التي تحصل على المنتج بسعر مدعم، فإن المجمع قابل للتوسع أكثر، وهو ما كانت الحكومة في أول عام بعد ثورة يناير ترفضه لتفادي غضب اﻷهالي".

من جهته، يكشف مصدر سياسي مطلع، أن حضور السيسي لهذا المصنع لم يكن هو الخيار اﻷول لزيارته إلى دمياط، إذ كان من المخطط أن يزور السيسي المدينة لوضع حجر اﻷساس لمشروع مدينة صناعة اﻷثاث بدمياط الجديدة، أو تدشين مشروع المنطقة اللوجيستية العالمية بميناء دمياط، غير أن المشروعين متعثران حالياً تخطيطياً ومادياً، فتم ترشيح مجمع "موبكو" لاستضافة السيسي "باعتباره أحدث مشروع تم تشغيله في دمياط".

المساهمون