ماذا وراء عودة بولتون للإدلاء بشهادته بمحاكمة ترامب؟

عودة بولتون للإدلاء بشهادته تزامناً مع مقتل سليماني: هل تعزز عزل ترامب؟

07 يناير 2020
بولتون يرحّب وبشدة بمقتل سليماني (Getty)
+ الخط -
فجأة وبعد غياب لعدة أشهر عن المسرح، أدلى مستشار الرئيس الأميركي السابق للأمن القومي جون بولتون، بتصريحين حول موضوعين هما في الظاهر منفصلان، لكنهما ربما كانا مترابطين في حساباته: من جهة رحّب وبشدة بمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ومن جهة أخرى، أبدى استعداده للإدلاء بشهادته في محاكمة الرئيس دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ عندما تنعقد إذا ما تمّ استدعاؤه رسمياً. 

وتأتي أهمية كلام بولتون أنه جاء بالتزامن مع افتتاح الكونغرس لدورته الجديدة التي يتصدرها ملف محاكمة ترامب في قضية أوكرانيا، وأيضاً مع احتدام الجدل حول مقتل سليماني.

تصريحه الأول متوقع باعتبار بولتون كان ولا يزال من دعاة الحرب مع إيران، لكن مبادرته بعرض إفادته، وفي هذه اللحظة بالذات، أثارت الاستغراب والتساؤلات؛ فالتوقيت لافت والرجل بحكم موقعه السابق في البيت الأبيض، يحمل في جعبته مادة دسمة عن هذا الملف، وربما تكون مؤذية للرئيس، لا سيما أنه سبق أن رفض المثول، قبل حوالي شهرين، أمام لجنة الاستخبارات للإدلاء بما عنده من معلومات بشأنها، استجابة لطلب الرئيس ترامب. فلماذا عاد طواعية في الوقت الراهن إلى هذا الموضوع، وهو الذي يعرف أن البيت الأبيض يُقاتل إلى جانب الجمهوريين في مجلس الشيوخ لاستبعاد أي شاهد عن جلسة المحاكمة؟

هناك العديد من التفسيرات لتصرف بولتون، منها أنه رأى في اللحظة الراهنة المليئة بالمتاعب للبيت الأبيض، مناسبة لتصفية حسابه مع الرئيس الذي أقاله أو دفعه للاستقالة بصورة جارحة من منصبه، ومنها أيضاً أنه أراد لعب دور وازن في فك عقدة المحاكمة العالقة بين مجلسي النواب والشيوخ وإجبار هذا الأخير على القبول باستدعاء الشهود، بحيث يؤدي ذلك إلى خلخلة خط الدفاع الجمهوري في المجلس، وبما ينتهي إلى تصويت هزيل لصالح الرئيس.

لكن مبادرة بولتون تبدو أبعد وأكثر تعقيداً، وهي، بحسب بعض القراءات، أقرب إلى فيلم بوليسي يتصل بمقتل سليماني، ففي قناعته أنّ الوضع الإيراني تخلخل حتى قبل مقتل الجنرال والفرصة الآن بعد الحادثة صارت سانحة، وبالتالي ينبغي مواصلة التصعيد العسكري إلى أقصى الحدود لإسقاط النظام. في المقابل، يرى بولتون، وفق هذه القراءة، أنه ليس وارداً أن يمضي الرئيس ترامب في هذا الاتجاه، وأنه أقدم على الضربة كوسيلة لخلط الأوراق وتحييد الضغوط عن ملف المحاكمة.

ولهذا، طرح بولتون عرض إفادته علّها تُساهم في تغيير وجهة المحاكمة وتعزز فرصة عزل الرئيس، بما يكفل مجيء الصقور مثل "نائب الرئيس مايك بنس والوزير مايك بومبيو اللذين كانا وراء دفع الرئيس لاغتيال سليماني". 

قد تبدو حياكة هذا السيناريو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، إلا إذا كانت بحوزة بولتون قنبلة كالتي فجّرها في فضيحة "ووترغيت" جون دين مساعد الرئيس ريتشارد نيكسون، والذي فضح الخفايا أثناء شهادته آنذاك أمام الكونغرس، حين كشف أن نيكسون شارك في حجب الحقيقة وأنه (أي الرئيس) يملك شريطاً يثبت ذلك، وبما أدى إلى انقلاب الجمهوريين على الرئيس وإجباره على الاستقالة، لكن الجمهوري اليوم غير الجمهوري في ذلك الوقت والقضية مختلفة.
ومع ذلك، لا يمنع هذا جون بولتون الأيديولوجي، عن السعي إلى تحقيق أهدافه المتطرفة بشتى الوسائل الممكنة، لا سيما وأنّ الساحة السياسية اليوم في واشنطن معطوبة وغارقة في التخبط والخلافات والتردد، ناهيك بحالة الفوضى المفضوحة التي وصلت اليوم إلى حدّ صدور كتاب باسم البنتاغون حول الاستجابة لطلب العراق بسحب القوات الأميركية من أراضيه، ليتبعه كتاب آخر صادر عن رئيس الأركان بالتراجع عن الأول. فمع تصاعد الأزمة مع إيران واحتدام الصراع حول ملف العزل، يبدو أنّ الخلل مرشح للتفاقم.