بنكيران خارج السلطة: خلط أوراق مغربية

بنكيران خارج السلطة: خلط أوراق مغربية

الرباط

حسن الأشرف

avata
حسن الأشرف
17 مارس 2017
+ الخط -



شهدت الساحة المغربية تطوراً جديداً في مسار تشكيل الحكومة، مع إصدار الملك محمد السادس، ليل الأربعاء ـ الخميس، قراراً بإعفاء رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران من مهامه، بعد تعثّره طيلة أكثر من خمسة أشهر في تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يخلط الأوراق من جديد، في ظل انتظار ما يمكن أن يضفيه هذا التطور من حلحلة قد تيسّر مساعي تشكيل الحكومة في حال تجاوبت الأحزاب المغربية المعنية بالمشاورات مع الشخصية الجديدة، أو اصطدام الرئيس المكلف الجديد بمعارضة هذه الأحزاب ما قد يقود في النهاية إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
أول تفاعلات إعفاء بنكيران جاء باعتراف حزب "العدالة والتنمية" بالأمر الواقع، إلا أن اجتماع أمانته العامة في الرباط، أمس الخميس، لم يخرج بإعلان اسم رئيس الحكومة الجديد، وتم ترك القرار للمجلس الوطني للحزب الذي يجتمع يوم غد، السبت، لصياغة موقف نهائي من بلاغ الديوان الملكي. وقال بنكيران في تصريحات صحافية، بعد اجتماع الأمانة العامة للحزب، إن اللقاء تم في أجواء هادئة وواضحة وصريحة تخللها نوع من الانشراح على الرغم من "اللحظات الصعبة". وأردف أن اللقاء تطرق إلى بيان الديوان الملكي الذي أنهى مهام بنكيران، ومعانيه وتداعياته، مبرزاً أن الحوار بين أعضاء الحزب انصب على كيفية التعاطي الإيجابي مع القرار، ومع مستقبل البلاد. وأضاف أن قرار الإعفاء كان له تأثير على عدد من أعضاء "العدالة والتنمية"، لكن ساد اعتزاز بمسار الحزب وما قدمه طيلة ترؤسه للحكومة خلال 5 سنوات مضت. وكان بنكيران قال لوكالة "فرانس برس"، أمس: "لا يمكن التعليق على قرارات السلطة. كل ما يمكنني قوله هو أنني أقبل بالتأكيد هذا القرار الذي يندرج في إطار الدستور. لا يقال لا لجلالة الملك"، مؤكداً أنه سيغادر قيادة الحزب في الأشهر المقبلة.
وعلمت "العربي الجديد" أن إعفاء الملك لرئيس الحكومة جاء بعد يوم واحد من طلب بنكيران اللقاء بالعاهل المغربي، الذي رجع مساء الثلاثاء إلى البلاد عائداً من جولة أفريقية طويلة، إذ قدّم بنكيران الطلب مساء الثلاثاء، لكن العاهل المغربي فضّل أن يبلغه قرار الإعفاء عن طريق مستشاريه ليل الأربعاء ـ الخميس.
وقال بيان الديوان الملكي إن العاهل المغربي "حثّ رئيس الحكومة المعيّن مرات عدة على تسريع تكوين الحكومة الجديدة"، مضيفاً أن الملك محمد السادس وبعد عودته مطلع الأسبوع من جولة أفريقية، "أخذ علماً بأن المشاورات التي قام بها رئيس الحكومة المعين لمدة تجاوزت الخمسة أشهر لم تسفر إلى حد اليوم عن تشكيل أغلبية حكومية".


ويكاد يتفق العديد من المحللين والمراقبين على أن رئيس الحكومة المقبل لن يخرج عن ثلاث شخصيات هي وزير العدل والحريات في حكومة تصريف الأعمال مصطفى الرميد، أو وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني، أو وزير النقل والتجهيز في الحكومة المنتهية ولايتها عزيز رباح. ويرى متابعون أن الرميد قد يكون الشخصية الأنسب لخلافة بنكيران، باعتبار أنه شخصية تتوافق بشأنها العديد من الأطياف السياسية، فضلاً عن حضوره إلى جانب بنكيران يوم تم تعيين هذا الأخير من الملك في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأما رباح، وهو أحد القيادات الشابة في حزب "العدالة والتنمية"، فقد عُرف بخطابته وإتقانه أسلوب المفاوضات، وحضوره في كل المحطات الرئيسية للحزب والحكومة. وما يشفع لرباح احتفاظه بكثير من العلاقات الطيبة مع الأحزاب السياسية الأخرى التي من المفترض أن تدخل الحكومة، خصوصاً زعيم حزب "الأحرار" عزيز أخنوش. أما العثماني فهو شخصية هادئة ومقبولة من قطاع عريض من أعضاء حزب "العدالة والتنمية"، وحتى من خصوم الحزب، باعتبار أنه معروف بتفاديه للخصومات السياسية، وميله إلى التوافقات والبعد عن المشاحنات.
ولم تتضح بعد مواقف الأحزاب المغربية المختلفة من هذا التطور، إلا أن الأمين العام لحزب "التقدّم والاشتراكية"، محمد نبيل بنعبد الله، الذي أعلن مشاركته منذ البداية في الحكومة، قال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة المرتقبة يتعين أن تحترم إرادة الشعب المغربي في استكمال الإصلاحات السياسية التي دشنتها الحكومات السابقة. وأضاف بنعبد الله أن اختيار الملك شخصية بديلة عن بنكيران لتكون رئيساً للحكومة يتجاوب مع روح الدستور المغربي، ويستجيب للمنهجية الديمقراطية، مبرزاً أن هذا الوضع يدفع إلى إبداء آمال كبيرة حيال تشكيل حكومة منسجمة وقوية تسعد المغاربة.
في السياق، أكد مصدر قيادي في حزب "الأصالة والمعاصرة"، لـ"العربي الجديد"، أن الحزب اختار التموضع في المعارضة منذ البداية، وسيتابع التواجد في هذا الخندق السياسي المعارض لرؤية واستراتيجية العمل التي ينتهجها الحزب الذي يقود الحكومة. ولم تكشف أحزاب أخرى عن مواقفها حيال مشاورات تشكيل الحكومة باعتبار أنه لا يتعين استباق الأمور، وأن "لكل حادث حديثاً"، وأيضاً بالنظر إلى الطريقة التي سيدير بها رئيس الحكومة الجديد مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة.
واعتبر محللون ومراقبون أن قرار الملك محمد السادس إعفاء بنكيران من مهام تشكيل الحكومة، يستلهم روح الدستور أكثر من نصه الحرفي، خصوصاً الفصلين 42 و47 من الوثيقة الدستورية، فالأول يتحدث عن تدخّل الملك لضمان حسن سير المؤسسات، والثاني لا يقيد تعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش محمد الزهراوي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن تدخّل الملك وفق هذه الصيغة ينسجم مع منطق الوثيقة الدستورية، لا سيما أن هذا التدخّل جاء بعد مرور خمسة أشهر على تعثّر مسار المفاوضات. وأكد الزهراوي أنه "لفهم المرتكزات الدستورية التي تسمح بإعفاء الملك لبنكيران وتعيين شخصية جديدة من حزب العدالة والتنمية، يمكن استحضار ثلاثة مفاتيح أساسية، الأول الاستناد إلى الفصل 42 من الدستور الذي يعتبر الملك هو الضامن لسير المؤسسات". وشرح أن "هذه المكانة تعطي للملك الحق في التدخّل في مختلف المجالات، لتأمين عمل كافة المؤسسات الدستورية وإيجاد حلول ومخارج للمشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية التي قد تقع".
المفتاح الثاني، وفق الزهراوي، يكمن في أن لجوء الملك إلى شخصية أخرى من الحزب نفسه الذي تصدّر نتائج الانتخابات، يحترم مقتضيات الفصل 47 من الدستور الذي أثيرت حوله طوال فترة التعثر عدة نقاشات وتأويلات. أما المفتاح الثالث، بحسب الزهراوي، فيتمثل في "اعتماد الملك على الفصل 42 من الدستور، لإنهاء حالة الجمود التي طالت، من دون المساس بالهندسة الدستورية الجديدة التي يعد الفصل 47 أحد أهم أعمدتها، ما يؤشر إلى أن الممارسة السياسية في المغرب تؤسس لأعراف جديدة قد تتطور وقد تتراجع حسب طبيعة النخب الحزبية وتفاعلات الحقل السياسي أجمع".
من جهته، أكد الباحث الدستوري والقانوني عبد الإله الخضري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن قرار إعفاء بنكيران لم يعارض الدستور، واحترام إرادة الكتلة الناخبة في المغرب يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقال الخضري إن بنكيران بسبب وقوفه في وجه بعض المسؤولين السياسيين، خلق حاجزاً نفسياً منيعاً في نفوسهم، وربما حتى داخل القصر، بات معه عصياً على التأقلم والمسايرة، وبالتالي، دفع الأمور إلى قرار الإعفاء.
يُذكر أن بنكيران كان يتمسك بتشكيل حكومة من الرباعي الحكومي السابق، "العدالة والتنمية" و"الأحرار" و"الحركة الشعبية" و"التقدّم والاشتراكية"، إلا أن زعيم حزب "الأحرار" عزيز أخنوش أصر على التحاق حزب "الاتحاد الاشتراكي" بالائتلاف الحكومي، فيما كان بنكيران يصر على عدم دخول هذا الحزب.

ذات صلة

الصورة
يشارك أطفال المغرب في كل فعاليات دعم غزة (العربي الجديد)

مجتمع

يلقي ما يعيشه قطاع غزة من مآسٍ إنسانية من جراء قتل الاحتلال الإسرائيلي آلاف الأطفال الفلسطينيين، بظلاله على كافة مناحي الحياة في المغرب.
الصورة
آلاف المغاربة يطالبون بإسقاط التطبيع وإغلاق مكتب الإتصال الإسرائيلي بالرباط (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر آلاف المغاربة، اليوم الأحد، في قلب العاصمة الرباط، تنديداً بـ"محرقة غزة"، وللمطالبة بإسقاط التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي.
الصورة

سياسة

أطلقت شخصيات مغربية رفيعة عريضة، تطالب الدولة بإلغاء كل اتفاقيات تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي تواصل استهداف القدس والمسجد الأقصى، وتمعن في ارتكاب جرائم حرب بالجملة ضد الإنسانية.
الصورة
رفض للمجازر الإسرائيلية بحق غزة (أبو آدم محمد/ الأناضول)

مجتمع

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هتف المغرب نصرة للفلسطينيين وأهل غزة، وخصوصاً المشجعين الرياضيين "الألتراس"

المساهمون