180 مقراً للمليشيات في بغداد تنافس القوات النظامية

أكثر من 180 مقراً للمليشيات في بغداد تنافس قوات الشرطة والجيش

22 مايو 2017
تملك المليشيات أسلحة أفضل مما تملكه الشرطة(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تخطى عدد المكاتب والمقرات العسكرية لمليشيات "الحشد الشعبي" في العاصمة العراقية بغداد، عدد نظيرتها التابعة لقوات الأمن النظامية، سواء تلك التابعة إلى الشرطة أو الجيش العراقي، وهو ما انعكس سلباً في الأشهر الأربعة الماضية، تحديداً، على أمن العاصمة واستقرارها، وزاد من عمليات السطو المسلح والسرقة وجرائم الاغتيال والخطف إلى ثلاثة أضعاف، وفقاً لمصادر أمن عراقية أكدت أن غالبية المتورطين في الجرائم المنظمة ينتمون إلى تلك المليشيات. وباتت ظاهرة افتتاح مقر لهذه المليشيا، أو مركز لذلك الفصيل المسلح، في بغداد مسألة تنافس بين فصائل مليشيات "الحشد الشعبي" البالغة 74 فصيلاً مسلحاً، أبرزها "حزب الله" العراقي، و"الخراساني"، و"النجباء"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"أبو الفضل العباس"، و"الإمام علي"، وغيرها، إذ يمتلك كل فصيل من "الحشد" ما لا يقل عن ثلاثة مقرات، موزعة على جانبي الكرخ والرصافة في بغداد.

وأفقدت الأعلام الصفراء والحمراء والخضراء، والمسلحين بلحاهم الكثة وملابسهم السوداء المنتشرين في محيط تلك المقرات بأسلحتهم، سكان بغداد الشعور بالراحة والطمأنينة. فمن يحمل السلاح بإمكانه فعل أي شيء، من دون محاسبة. كما أن أصابع الاتهام توجه لعناصر المليشيات في كل عملية خطف أو سرقة تحدث. وفي هذا الإطار، كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، في حديث خاص بـ"العربي الجديد"، عن "وجود أكثر من 180 مكتباً في بغداد وحدها للفصائل والمليشيات المسلحة". وأضاف إن "وجود السلاح بهذه الطريقة في بغداد، وانتشار المسلحين وحركتهم باتت مرفوضة تماماً، ويجب أن يتم الحد منها". وأكد الزاملي، القيادي في التيار الصدري ويشغل منصب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي منذ نهاية عام 2014، أن "هذا الأمر بات غير مقبول، وهناك خوف على حياة المواطن من حالات الابتزاز والخطف والاعتداء". وتابع "هناك من يقوم باستخدام اسم الأحزاب والفصائل المسلحة للتهديد. يجب أن يحدد كل حزب مقره، ونحن نعلم أن كثيراً من هذه الجهات لا تقبل بالإساءة إلى أي عراقي". وأوضح أن "هناك مقرات وجهات قد تكون تابعة إلى عصابات، وقد تنتحل صفة وأسماء وعناوين لجهات محترمة، لذلك يجب أن يكون هناك دور لوزارة الداخلية لمتابعة هذه المقرات وتحديد لمن تعود، وأن تكون مرخصة. يجب أن تكون أسلحتها وآلياتها مرخصة، ليتم محاسبة كل من يتطاول على أمن المواطن العراقي".

وأكد مسؤول رفيع المستوى في جهاز الشرطة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "عدداً كبيراً من المقرات التابعة إلى المليشيات تحولت إلى أماكن للخطف والسرقة وابتزاز الناس وتهديدهم، لكن لا يمكننا مداهمتها. وحتى لو أردنا مداهمتها، فإنهم يملكون أسلحة أفضل مما تملكه الشرطة". ويضيف المسؤول، وهو عقيد في وزارة الداخلية العراقية، أن "70 في المائة من الجريمة المنظمة تنتهي عند تلك المقرات التي باتت مثل السفارات، ولا يمكن مداهمتها لاعتقال أي مطلوب".

من جانبه، قال عضو البرلمان العراقي، حامد المطلك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك جهات وفصائل مسلحة، تنتسب إلى جهات سياسية كأحزاب وحركات معينة، تتمركز في أماكن ومواقع معينة، وعادة ما تكون تصرفاتها خارج الأطر القانونية وتقوم بإرباك وتخويف الناس. وعندما يكون هناك عملية خطف، فإنها ترتبط بهؤلاء، مع الأسف". وأضاف "طلبنا من وزير الداخلية (قاسم الأعرجي) أن يتم الحد من مثل هذه التصرفات، وأن يتم منع وإلغاء مكاتب ومقرات المسلحين داخل العاصمة، كونها تتعارض مع القانون ومع عمل المؤسسات الرسمية، أي الجيش والشرطة وقوى الأمن الأخرى". وأشار إلى أن وزير الداخلية "اتفق مع رأينا، وقال إنه يجب منع هذه المكاتب غير المرخصة". وتابع "حتى لو كانت مرخصة في وقت من الأوقات، فإن خطرها أصبح كبيراً جداً، لذلك يجب إعادة النظر في تواجدها".


وفي هذا السياق، قال مواطن من سكان بغداد، عرّف عن نفسه باسم أحمد علي ويسكن حي العامل وسط العاصمة، إن "ظاهرة انتشار المكاتب المسلحة في المباني الحكومية والأحياء السكنية، أصبحت مثيرة للقلق والريبة". وأشار إلى أن "عناصر تلك المليشيات يقيمون حواجز تفتيش متى يريدون، كما يبتزون التجار ورجال الأعمال وأصحاب محال بيع المجوهرات والملابس وغيرها، ما يهدد بخروج الأمور عن السيطرة إذا بقيت الأوضاع سائبة كما هي عليه اليوم". وبين أن "الأحزاب والكتل السياسية والمليشيات المتنفذة تملك مراكز في عشرات الدوائر والمؤسسات والمباني الحكومية، وتمارس سياسة التضييق على المواطنين، وذلك عبر إغلاق الشوارع المؤدية إلى مقراتها، كما تتدخل في كل ما يخص حياتهم وشؤونهم اليومية، فضلاً عن سيطرتها على الثروات العامة والمشاريع والخطط التنموية والاستراتيجية في تلك المناطق". ولفت إلى "تذمر المواطنين من تلك المظاهر، ومن سيطرة المليشيات على المباني والمؤسسات الحكومية، التي من الممكن الاستفادة منها في خدمة الشعب العراقي بصورة عامة".

ولم يشفع تواجد 78 ألف عنصر أمن، يتبعون جهاز الشرطة، وأكثر من 40 ألف جندي، خاضعين لوزارة الدفاع، ينتشرون في عموم مناطق بغداد، من استمرار المليشيات في توسيع مراكزها ومقراتها في العاصمة العراقية. وقال مسؤول حكومي، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الحكومة (حيدر العبادي) يتجنب الاصطدام بهم حالياً، ويسعى لحل الموضوع بشكل سلمي وسريع مع زعماء المليشيات، فجميع ما يحدث من جرائم في العاصمة تكون تحت غطائهم بشكل أو بآخر". ولفت إلى أن "عنصر المليشيا الحقيقي هو من يتواجد حالياً في مناطق القتال ضد داعش، لا من يجلس في مقرات مكيفة ومريحة داخل العاصمة، ويقيم نقاط تفتيش ويروع أمن المواطنين ويتورط في جرائم خطف وسرقة وابتزاز، ووصل الأمر إلى اعتدائهم على رجال الأمن". وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، اتهم، في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، عناصر في مليشيات "الحشد الشعبي" بالتورط في عمليات خطف وجرائم أخرى. وأكد القبض على خلايا للخطف تدعي أنها تنتمي إلى فصائل في "الحشد الشعبي"، وأفرادها يملكون هويات تابعة إلى "الحشد". وأشار إلى وجود عناصر من القوات الأمنية العراقية ضمن بعض عصابات الخطف، مؤكداً أن السلطات تتابع عمليات الخطف والجريمة المنظمة للقضاء عليها بشكل تام، على حد قوله.