وزيرات في حكومة الحريري: أبعد من ديكور جندري

وزيرات في حكومة الحريري: أبعد من ديكور جندري

02 فبراير 2019
من اليمين: البستاني، الصفدي، شدياق (حسين بيضون)
+ الخط -
خلال حفل تكريمي للنائبة اللبنانية بهية الحريري، تحدث رئيس الحكومة سعد الحريري أنه خلال تأليفه الحكومة كان يستشير عمته، وكانت دوماً تنصحه بضرورة اختيار سيدات، بوصفهن الأصلح لتدبير الشأن العام. لم تكن هذه نظرة بهية حصراً. الحريري بنفسه ونتيجة عوامل متعلقة بما تعرض له خلال السنوات الأخيرة بات يميل إلى ذلك، إضافة إلى تصور كان يعمل عليه منذ تكليفه بتأليف الحكومة، وهو ضرورة تقديم صورة "تقدمية" عن الحكومة عبر رفع التمثيل النسائي فيها، وتحقيق "صدمة إيجابية".

وعلى الرغم من أن طريقة تأليف الحكومة اللبنانية حديثة الولادة، استحوذت على شق كبير منها عملية المحاصصة الحزبية، إلا أن الحريري كان يعول على إمكانية تسمية كل طرف في الحكومة سيدةً من ضمن حصته الوزارية، وقد تلقى عندما عرض الأمر على الأحزاب والتيارات المشاركة موافقة مبدئية، وخصوصاً من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وحركة "أمل"، إضافة إلى حصة تيار "المستقبل" المحسوبة عليه.

كان الحريري يريد تمثيلا نسائياً يصل إلى 6 سيدات، بمعدل 2 من ضمن حصة "المستقبل"، و2 من ضمن حصة "التيار الوطني الحر"، وسيدة من حصة "حركة أمل"، وأخرى من حصة "القوات اللبنانية"، قبل أن يسحب الاسم الذي رشحته حركة "أمل" وهو مليحة الصدر، ابنة الإمام موسى الصدر، في الساعات الأخيرة، نتيجة رفضها، إضافة إلى اكتفاء "التيار الحر" بسيدة واحدة هي ندى البستاني بعد أن سحب اسم ميراي عون، ابنة رئيس الجمهورية ميشال عون، في وقت سابق، نتيجة خلافات سياسية عائلية داخل البيت الواحد، بحسب ما يُشاع.


رغم ذلك، مع أنه لا يزال بعيداً عن المعدل الدولي، وهو الثلث، إن لم يكن النصف على صعيد مشاركة النساء في دوائر صنع القرار. لكن الحريري نجح في سياق آخر في إسناد حقائب "دسمة" بالمعنى السياسي لسيدات، على الرغم من أن ريا الحسن (وزارة الداخلية) شغلت سابقاً وزارة المالية، وبهية الحريري وزارة التربية والتعليم، وليلى الصلح حمادة وزارة الصناعة.

ندى البستاني

لعل الأنظار ستلاحق ندى البستاني. الشابة التي ستكون الأصغر سناً في مجلس الوزراء (مواليد عام 1983) استلمت ما يمكن وصفه بأنه "أكثر الوزارات التي يشتمها عادة اللبنانيون"، وهي وزارة الطاقة والمياه، والتي شكلت منذ التسعينيات أكبر باب للفساد والهدر في لبنان، في أزمة لا تزال مستمرة فصولاً، بعد أن بات لبنان من أسوأ دول العالم في خدمة الكهرباء.

من مصلحة البستاني أنها ستدخل وزارة تعلم خفاياها، وتعلم ما تعانيه، وتعلم أيضاً جيداً ما هو مطلوب منها. فبعد أن عادت في عام 2010 إلى لبنان من الاغتراب عملت مع وزارة الطاقة والمياه على تنفيذ ورقة سياسية لقطاع الكهرباء في لبنان، إضافة إلى مشاريع تتعلّق بالهيكلة التنظيمية لوزارة الطاقة والمياه ومؤسساتها، وصولاً إلى عملها مستشارة لوزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل.

وعلى الرغم من إلمام خريجة المدرسة العليا للتجارة في باريس بالوزارة التي استلمتها، إلا أنها ستكون أمام تحد كبير، خصوصاً أن تجربة "التيار" الذي تمثله في هذه الحكومة لم تكن على قدر تطلعات اللبنانيين بعد سنوات من استلامه لهذه الوزارة عبر وجوه عدة مثل جبران باسيل وآلان طابوريان وآرثور ناظريان وسيزار أبي خليل، وتحديداً منذ عام 2008، وخلالها سمع اللبنانيون الكثير الكثير من الوعود التي لم ينفذ منها شيء.

وما يزيد من منسوب التشاؤم، ما كشفته البستاني بعد ساعات من إعلان الحكومة، عبر إشارتها إلى أنه خلال عملها في ​وزارة الطاقة​ واكبت وضع السياسات والاستراتيجيات للوزارة، مشيرة إلى أنه سيعاد تحديثها تمهيداً لإعلان خارطة طريق، وهو ما يعني عملياً عودة إلى السياسات السابقة التي عادة ما يأتي وزير طاقة ليضع خطة جديدة تكلف الدولة مبالغ ثم توضع في الأدراج لصالح سياسات تؤمن مزيداً من الهدر، مثل البواخر التي يتم استئجارها لتوليد الطاقة.

فيوليت الصفدي

ثالث الأسماء النسائية التي أثارت الكثير من الجدل هو فيوليت الصفدي. الشابة الحسناء (38 سنة) التي عملت لسنوات في حقل الإعلام (مذيعة ربط برامج) قبل أن تتزوج من الوزير السابق محمد الصفدي، أحد أقطاب السياسة والمال لمدينة طرابلس (شمال)، تاركة بذلك الإعلام لصالح العمل الإجتماعي بوصفها زوجة سياسي طرابلسي، ومتمول معروف. لا شك أن اختيار فيوليت الصفدي جاء لعدة اعتبارات أولها ابتعاد الصفدي عن الشأن السياسي مؤخراً لأسباب شخصية، وثانيها تعهد الحريري برد الجميل بعد أن دعم الصفدي لائحة الحريري في الانتخابات النيابية الأخيرة، وثالثها علاقة الصفدي ورئيس الجمهورية ميشال عون. عملياً لم يطرح اسم الصفدي اليوم فقط، بل طرح فعلياً خلال الانتخابات النيابية من قبل الحريري الذي أراد أن يرشحها للمنافسة على المقعد الأرثوذكسي، لكن ذلك اصطدم باعتراضات في المدينة على خلفية من تمثل: طائفة زوجها السني أو طائفتها الأرثوذكسية؟


وعلى عكس ريا الحسن، وندى البستاني لن تتولى فيوليت وزارة حساسة وقد يكون هذا لصالحها، بعد أن ترافق إعلان الحكومة بالكثير من الجدل حول اسم الوزارة التي أسندت اليها، لتصبح لاحقاً وزارة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب، بعد أن سحب تعبير "تأهيل" واستبدل بـ"تمكين".

وعلى الرغم من ضبابية المهام الموكلة إلى وزارة الصفدي على اعتبار أن الوزارة مستحدثة، ولم يفهم بعد لماذا تم استبدال وزارة الدولة لحقوق المرأة بهذه الوزارة، إلا أن الصفدي تبدو مصممة، وفق بعض المصادر في طرابلس على تحقيق شيء ما يمكن أن يسجل في خانة انطلاق مشوارها السياسي، وربما لهذا يبدو مفهوماً حديثها الأول عن ملف منح المرأة الجنسية لأطفالها، على الرغم من أنه ملف خلافي ويقف "التيار الوطني الحر" بقوة ضده، لحسابات ديموغرافية عنصرية ضد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين.

مي شدياق

رابع الأسماء النسائية قد تكون أكثرهن شهرة لبنانياً، خصوصاً في مرحلة ما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان (2005)، وتعرضها لمحاولة اغتيال أصابتها، ولاحقاً نتيجة الجدل الذي عادة ما تثيره بسبب بعض مواقفها التي يصفها البعض بالعنصرية ـ الطائفية.

تدخل مي شدياق الحكومة من ضمن حصة "القوات اللبنانية" بعد أن كانت وعدت لسنوات بمناصب نيابية ووزارية لم تخدم اللحظات السياسية لوصولها إليها، وآخرها الانتخابات النيابية الأخيرة، التي كانت ستخوضها لولا اللحظات الأخيرة، وحسابات "القوات" الانتخابية.

لا شك أن توزير شدياق جاء هدية سياسية بعد سنوات طويلة اعتبرت فيها أنها وقفت إلى جانب "القوات"، لكنها في المقابل تفتح مع هذا الدخول مرحلة جديدة في حسابات "القوات" السياسية، خصوصاً أن المرحلة السابقة كان عنوانها "المصالحة المسيحية" مع "التيار الوطني الحر"، ويومها كان يمثل "القوات" من يمكن تسميته بوزير المصالحة، وهو عرابها، أي وزير الإعلام السابق ملحم رياشي.

ومع انتهاء زمن المصالحة، كان لا بد من اختيار شخصية سياسية تعبر عن المرحلة بالنسبة لـ"القوات"، خصوصاً أن الوزراء الثلاثة الآخرين من حصة "القوات" أقرب في بروفايلهم إلى التكنوقراط، فيما مي شدياق ستكون مهمتها، وفق العارفين، التعبير عن الموقف السياسي لـ"القوات" اللبنانية.

ولاختيار شدياق أيضاً دلالة أخرى في مرحلة يُعاد فيها الحديث عن العودة السورية، وعن ضرورة إعادة فتح العلاقة بين لبنان والنظام السوري، وهي التي تعرضت لمحاولة اغتيال في مرحلة ما بعد خروج الوصاية السورية. عن هذا، تقول المصادر إن شدياق تصلح أن تسمى اليوم "وزيرة الصدم السياسي"، في إشارة إلى فرقة "الصدم" في "القوات اللبنانية" التي اشتهرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية.