تداعيات إخراج العميل الفاخوري في لبنان: استدعاء السفيرة الأميركية

تداعيات إخراج العميل الفاخوري بلبنان: استدعاء السفيرة الأميركية واستقالة رئيس المحكمة العسكرية

20 مارس 2020
أصابع الاتهام توجّه لأكثر من جهة (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
استدعى وزير الخارجية اللبناني، ناصيف حتي، قبل ظهر اليوم الجمعة، السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيه، واستمع منها إلى شرح حول حيثيّات وظروف إخراج العميل اللبناني الأميركي، عامر الفاخوري، من سفارتها في بيروت إلى خارج الأراضي اللبنانية، فيما أعلن رئيس المحكمة العسكرية، العميد الركن حسين عبد الله، تنحيه عن المنصب على خلفية ذلك.

وجاء في نص الاستقالة: "احتراماً لقسمي وشرفي العسكري، أتنحى عن رئاسة المحكمة العسكرية التي يساوي فيها تطبيق القانون: إفلات عميل، ألم أسير، تخوين قاضٍ".

من جهته قال رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، عبر "تويتر": "لا يمكن أن تُنسى جريمة العمالة للعدو الإسرائيلي. حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بـ"مرور الزمن".

مصدر مطلعٌ على مسار القضية رجّح في حديثه لـ"العربي الجديد" ألا يكون العميد الركن عبد الله "الضحية الوحيدة"، وقال إن سقوط رئيس المحكمة العسكرية الذي خسر كلّ شيء حتى ثقة أهالي بلدته الخيام سيعني حتماً إصابة رؤوس متورطة في هذا الملف أو حتى متّهمة به، ولو كانت "بريئة"، من بينها سياسيون وقضاة وعسكريون رفيعو المستوى.


وتوقّف المصدر عند شكر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس الخميس، للحكومة اللبنانية على تعاونها في إطلاق سراح الفاخوري، متسائلاً من كان ليتوقّع أن يصدرَ تصريح كهذا عن رئيس الولايات المتحدة فيه الامتنان لحكومة محسوبة على "حزب الله" الذي تضعه واشنطن على قائمة الإرهاب. كيف لا، وفي هذا الشكر "فخّ" أو "فضيحة" أشعل في الحالتين معركة كلامية على المواقع الإلكترونية بين حلفاء المحور الواحد ("حزب الله" وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل)، قبل أن يزجّ قائد الجيش، العماد جوزاف عون أيضاً في دائرة المشاركين في عملية "تحرير الرهينة الأميركية".


من جانبه، رفض وزير الصناعة، عماد حب الله، المحسوب على "حزب الله" في الحكومة، التعليق على الموضوع، تاركاً الردّ لرئيس الحكومة، حسان دياب، وعازلاً نفسه أيضاً عن التعليق على اتهام الحزب بالصفقة التي أجراها. حب الله اكتفى فقط بالقول لـ"العربي الجديد": "لا علم لي بتفاصيل القضية، ولا أعرف ماذا قصد الرئيس الأميركي، فكيف للحكومة أن تتعاون معه في ظلّ وجود قضاء مستقلّ؟".

وتعددت الروايات في هذه القضية، ووجهت أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة، يوم أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة عبد الله قراراً بكفّ التعقبات عن الفاخوري المتهم بارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل أسرى داخل سجن الخيام، وخطف وتعذيب آخرين خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قبل الانسحاب عام 2000.

وسبق ذلك طلب تمييز القرار ومن ثم إصدار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية، أحمد مزهر، قرار منع السفر بحق العميل، بناء على استدعاء مقدّم من محامي الأسرى المحررين، حسن بزي، وصولاً الى الفضيحة الكبرى بمغادرة الفاخوري، الملقب بجزار الخيام، السفارة الأميركية في بيروت، التي نقل إليها فور صدور قرار إطلاق السراح، متوجهاً إلى عائلته في الولايات المتحدة الأميركية.

الرواية الأولى، تحدّثت عن صفقة تبادل "أسرى" بين "حزب الله" وواشنطن تبدأ مع إطلاق سراح الفاخوري وتستكمل بعد فترة قصيرة بإخلاء الولايات المتحدة سبيل رجل الأعمال اللبناني، قاسم تاج الدين، الممول الأكبر لـ"حزب الله"، بحسب وزارة الخزانة الأميركية التي أدرجته على اللائحة السوداء عام 2009 مع شقيقيه حسين وعلي، واتهمته بتبييض الأموال واستخدامها لدعم نشاطات إرهابية، قبل أن تعلن وزارة العدل الأميركية العام الماضي الحكم على تاج الدين بالسجن خمس سنوات ودفع غرامة مالية تصل إلى 50 مليون دولار. وهو من الاحتمالات المطروحة جدياً مقارنة مع صفقة شبيهة قام بها "حزب الله" عام 2017 بإخراج 113 حافلة تضمّ عناصر "جبهة النصرة" الإرهابية من جرود عرسال إلى داخل الأراضي السورية، من بينهم المطلوب الأبرز عند الحزب أبو مالك التلة.

وتستند الرواية هذه إلى كون الثنائي "حركة أمل" و"حزب الله" من المقربين إلى رئيس المحكمة العسكرية، ولا يمكن لأي قرار، خصوصاً مثل هذا الحكم، أن يمرّ من دون موافقتهما، ولا سيما الضوء الأخضر من "حزب الله"، على الرغم من الردّ غير المقنع الذي أصدره وسيحاول التعمق فيه مساء الليلة في كلمة لأمينه العام حسن نصر الله.

الرواية الثانية، ترتبط بوزير الخارجية السابق، جبران باسيل، الذي شارك في المفاوضات مع الأميركيين لإتمام عملية إطلاق سراح الفاخوري مقابل تعهدات بعدم شمله بالعقوبات وتفادي وضعه على لائحة واشنطن السوداء. وهذا ما نفاه "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه باسيل بأن "لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالفاخوري، وقد تقدّم بدعوى قضائية بحق الصحيفة التي زجت اسمه في الموضوع".


أما الرواية الثالثة، فطاولت قائد الجيش العماد جوزاف عون، من خلال إعادة نشر صور له مع العميل الفاخوري من واشنطن كان قد تمّ التداول بها في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي بعدما وصل الفاخوري إلى لبنان وألقي القبض عليه، انطلاقاً من فكرة تعبيد الطريق أمامه ليصبح رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون، نظراً إلى علاقاته الجيدة مع الأميركيين. الأمر الذي ينفيه مسؤول عسكري بارز لـ"العربي الجديد"، ويوضح أنّ الجيش اللبناني يبلَّغ فقط من باب "العلم" بإقلاع طائرة أو طوافة من السفارة الأميركية من دون أن يصرَّح له عن هوية الأشخاص الموجودين فيها، وليس له أن يعطي الإذن أو يمنع حصول السفر، باعتبار أن السفر تمّ من أرض أميركية هي السفارة وليس من قاعدة جوية لبنانية أو ثكنة عسكرية كقاعدة حامات على سبيل المثال، إذ عندها تعطي قيادة الجيش الأذونات.

وتقدم الأسيران المحرران سهى بشارة ونبيه عواضة، بواسطة وكيلهما القانوني المحامي حسن عادل بزي، بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية ضد كل من يظهره التحقيق من السياسيين وقضاة المحكمة العسكرية والقادة الأمنيين بجرائم "المس بهيبة وكرامة الدولة اللبنانية والتآمر مع دولة أجنبية وخرق سرية المذاكرة ومخالفة قرار قضائي بمنع السفر ومخالفة قرار مجلس الوزراء بإقفال المجال الجوي اللبناني"، وذلك على خلفية قضية الفاخوري.


وكان الفاخوري قد اعتُقل بعد عودته إلى لبنان من الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو قائد عسكري لسجن الخيام في جنوب لبنان، الذي كانت تديره مليشيات "جيش لبنان الجنوبي" التي كانت تتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وتحظى بدعمه.