استضعاف أوباما... من سورية إلى الفيليبين

استضعاف أوباما... من سورية إلى الفيليبين

10 سبتمبر 2016
بالغ أوباما في المشي إلى الوراء (سول لويب/فرانس برس)
+ الخط -

ما رافق زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الآسيوية الحالية والأخيرة له من ملابسات غير لائقة إن لم تكن مهينة، عزّز نظرة الاستضعاف السائدة عن رئاسته. إشارات الصدّ وتعبيرات الازدراء التي تعرض لها منذ هبوطه في الصين وخلال لقاءاته اللاحقة خلال القمة، أثارت الكثير من التساؤلات في واشنطن. حتى المحسوبين على خندقه شعروا بالضيق والإحراج. إصرار الصينيين على نزوله من الطائرة بصورة غير اعتيادية، من باب نصفي وعلى سلّم صيني، أثار الاستغراب. يضاف إلى ذلك، تعامل الجهات الأمنية الصينية بطريقة غير لائقة مع مستشارته لشؤون الأمن القومي سوزان رايس. وزادت الأمور تعقيداً بعدما شتمه نظيره الفيليبيني رودريغو دوتيرتي الذي شارك في قمة مجموعة العشرين. حتى رئيس البلد الحليف الذي يتمتع بحماية واشنطن تطاول على رئيسها على الرغم من اعتذاره في ما بعد.

في المناسبات الرئاسية المماثلة قد تحصل إساءات وهفوات من هذا النوع، لكن في حالة أوباما هذه، كان الأمر أكثر من سوء تصرف أو زلة لسان. التعامل معه بهذا الشكل جاء من ضمن سياق اتسم بالاستخفاف وعدم أخذ مواقفه وتحذيراته على محمل الجدّ. صحيح أن خصومه في واشنطن يعزفون على هذا الوتر باستمرار، خصوصاً من قبل المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، لكن هناك شعوراً سائداً لدى سائر الأوساط الأميركية ولو بدرجات مختلفة، بأن دبلوماسية الحوار التي اعتنقها كركيزة لسياسته الخارجية أدت بترددها وتراجعاتها إلى رخاوة أو ما رأى فيها آخرون أنها دبلوماسية ساهمت بتآكل موقع الرئاسة وهيبة أميركا.

مرة بعد مرة، من روسيا إلى سورية فالصين مروراً بكوريا الشمالية، تحولت التراجعات إلى نمط. والتهديد سرعان ما تبيّن أنه أجوف، والإنذار سرعان ما جرى سحبه، والتلويح بالعواقب اختفى أثره إلا غير الشكلي منه.

مأخذ الكثيرين من نخب السياسة الخارجية في واشنطن، أن ارتباك إدارة أوباما أو ما بدا بأنه ارتباك في مختلف الملفات الملتهبة والهامة أسّس قناعة لدى القوى الأخرى بأن الإسراع إلى ملء الفراغ الذي تركه غياب الحسم الأميركي أمر غير مكلف، خصوصاً في سورية، إذ تجاهل "الخط الأحمر" الشهير بالطريقة والسرعة التي جرى فيها تحوّل إلى عنوان ساهم في تآكل إرثه الخارجي. وصار كاللازمة في حديث المراقبين، إذ قال، أخيراً، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب كوركر: "على أي أساس تريد الإدارة مواصلة المشاورات مع موسكو وهي لا تملك أي ورقة بيدها بعدما ملأت روسيا الفراغ في سورية؟"، في إشارة إلى لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، أمس واليوم في جنيف.


لقاء ليس من المتوقع أن يثمر خطوات جدية باتجاه العودة إلى جنيف. صار مثل هذا اللقاء أداة للتخدير وشراء الوقت. وما يعزز هذه القراءة لدى سائر المتابعين لهذا الملف ليس فقط الاستشهاد بالسوابق العديدة الفاشلة، بل أيضاً لكون أن روسيا توظف هذه المباحثات في إطار خطة محددة تعمل بإصرار على ترجمتها لفرض المخرج الذي تنشده، فيما تكتفي واشنطن بعلك فكرة المرحلة الانتقالية عبر صيغة جنيف من دون خطوات تقود إلى بلوغها على الأرض. "لا يمكننا التكهن حول نتائج المباحثات بين كيري ولافروف"، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، جون كيربي، أمس. طبعاً لا يمكنه التكهن طالما أن هذه المباحثات تحوّلت إلى "عملية"، تماماً كما المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبلها إلى "عملية" مفتوحة بلا سقف زمني ولا مشروع يجري التفاوض عليه.

لا يختلف اثنان في واشنطن على أن المبادرة في الملف السوري بيد موسكو، والإدارة لا تنكر ذلك. وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، خلال كلمته في أكسفورد، أول من أمس الأربعاء، يقر بذلك صراحة: "أخبار سورية غير مشجعة والخيار بيد روسيا". بقية كلامه عن أن موسكو "تتحمل مسؤولية العواقب الناجمة عن استمرار الحرب" لا يتوقف عندها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حبر على ورق.

الخطأ يكمن في حسابات أوباما وليس في مقاربته الخارجية عموماً. مشكلته أنه تمادى في الحذر والحيطة والتوجس من التورط. لم يكن المطلوب العودة إلى حروب الاجتياح. ليس لمثل هذا التوجه أنصار في واشنطن بعد العراق. ولا حتى في أوساط الصقور ومجانين العظمة مثل ترامب. بالغ أوباما في المشي إلى الوراء. أسرف في السكوت أمام تحديات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإسرائيل. ذهب بعيداً في مداراة إيران من أجل الاتفاق النووي. وكأنه اختار "السلامة" على الاستضعاف من دون أن يدري.