كابوس "السيطرات الوهمية" يؤرّق مدناً شماليّ العراق

كابوس "السيطرات الوهمية" يؤرّق مدناً شماليّ العراق

08 فبراير 2020
سجّلت ديالى ومناطق عدة جرائم قتل وخطف (فرانس برس)
+ الخط -
تعود في العراق مجدداً ظاهرة ما يُعرَف بـ"السيطرات الوهمية" إلى الواجهة، لكن هذه المرة تتركز في مناطق ديالى الحدودية مع إيران شرقي البلاد، والمناطق الحدودية بين نينوى وكركوك وصلاح الدين، مسجلة خلال الأسابيع القليلة الماضية عمليات خطف وقتل، ضحاياها بالعادة يجري انتقاؤهم، وسط عجز واضح من قبل قوات الأمن العراقية عن تطويق هذه الظاهرة.

وتوجَّه التهم عادة بالضلوع وراء هذه السيطرات إلى طرفي العنف الدموي في العراق، وهي المليشيات المرتبطة بإيران، مثل "كتائب حزب الله" و"العصائب"، و"النجباء" وتنظيم "داعش"، الذي عُرف بمثل هذا النوع من الجرائم في السنوات الماضية، حيث يترصد سيارات تُقلّ منتسبي الجيش والشرطة العائدين في إجازة إلى منازلهم، أو ممن يعتبرهم التنظيم "كفاراً"، مثل مقاتلي العشائر وأعضاء الأحزاب السياسية المختلفة.

و"السيطرات الوهمية" هي حواجز تفتيش يقيمها المسلحون وسط الطرق الخارجية والرئيسة بالعادة تكون بسيارات تحاكي سيارات الجيش أو الشرطة وبزيّ أمن رسمي، لإقناع السائق بالتوقف دون مقاومة أو محاولته الفرار منهم، على اعتبار أنهم قوات أمن نظامية، لكن بعد وقوفه عادةً ما يلاقي حتفه أو يختطف ليفك سراحه مقابل فدية.

ونشطت تلك الظاهرة بعد عام 2006 واستخدمتها مليشيات مسلحة مختلفة في بغداد ومحافظات عدة، لتنفيذ جرائم ذات دافع طائفي، والأمر ذاته لتنظيم "القاعدة" ومن بعده "داعش"، للإيقاع بضحاياه، حيث عادة ما يُقتَل ضحايا تلك "السيطرات"، أو يُفرَج عنهم مقابل أموال غير قليلة.

وسجّلت محافظة ديالى ومناطق عدة شمالي البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية، عدداً من جرائم القتل والخطف من خلال أسلوب "السيطرات الوهمية"، كان آخرها الأسبوع المنصرم، حيث اختُطف سبعة مدنيين، شمال شرقي المحافظة، عبر "السيطرات الوهمية"، نصبها مجهولون، على الطريق السريع في بلدة خانقين شمال شرقي ديالى، وعُثر على جثة أحدهم لاحقاً، بينما ما زال مصير الآخرين مجهولاً، في حادثة سبقها اختطاف موظف عامل في منظمة إنسانية، وعُثر على سيارته فارغة على جانب طريق عام، بينما اقتيد إلى جهة مجهولة.

وسبق هذه الحادثة أيضاً، اختطاف زعيم قبلي واثنين من أقاربه داخل سيطرة وهمية أيضاً في التاجي بمحافظة صلاح الدين، وهو ما تكرر بسيطرة وهمية أخرى شمال شرق ديالى، نتج منها خطف ناشط على صلة بالتظاهرات، قبل أن يطلق سراحه متعرضاً للتعذيب.

 

ويلقي مسؤول رفيع في وزارة الداخلية العراقية المسؤولية على من يصفهم بمليشيات مسنودة سياسياً، وكذلك بقايا تنظيم "داعش" المكسور في العراق، ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المليشيات "تنفّذ عمليات تصفية من خلال تلك السيطرات الوهمية، وداعش عادة ما ينصبها ليلاً في مناطق قرب كركوك، وعلى أطراف صلاح الدين أيضاً".

واعتبر المسؤول أن الطرفين "يستغلون تعدد القيادات الأمنية والعسكرية وتشعّب الجهات الحاملة للسلاح، في تنفيذ تلك الجرائم التي حولت طرقاً بعينها إلى أن تكون غير آمنة، وصارت العائلات والقوافل المتجهة إلى أربيل أو السليمانية تتجنبها، وكذلك الوافدة إلى بغداد".

وأقرّ في الوقت ذاته بأن "تسجيل عودة السيطرات الوهمية يمثل انتكاسة أمنية وتحتاج إلى معالجات جذرية، أولها إنهاء ظاهرة تعدد جهات القرار الأمني، وتكثيف الانتشار العسكري والأمني في مناطق تتكرر فيها مثل تلك الاعتداءات".

وعلى الرغم من أن المصادر الأمنية تتحدّث عن ضعف الإجراءات، وانفراد المليشيات بإدارة الملف الأمني في المحافظة، إلا أن قيادة العمليات المشتركة تتحدث عن إجراءات حازمة إزاء ذلك.

وقال العميد يحيى رسول، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق عبر حسابه الرسمي على موقع، "تويتر"، إن "قواتنا الأمنية في محافظة ديالى تجري عملية تفتيش بحثاً عن العناصر الإجرامية التي أقدمت على اختطاف سبعة مواطنين من داخل عجلاتهم على طريق كفري – جبارة، في بلدة قره تبه التابعة لقضاء خانقين".

وأعاد عدم الثقة بالإجراءات الأمنية، مجدداً المطالبات بتسليح العشائر، وخاصة في المناطق التي تتكرر فيها مثل تلك العمليات، وتساءل النائب عن المكون التركماني، أرشد الصالحي، في تصريحات له بعد الكشف عن جريمة جديدة لتنظيم داعش تتمثل باختطاف شبان وإعدامهم في ديالى في منطقة قره تبة، بسيطرات وهمية: "أين الحكومة وقواتها الأمنية في ترسيخ الأمن في هذه المنطقة التي تركت في فراغ أمني؟".

ودعا الصالحي الحكومة إلى أن "تراعي، ولو لمرة واحدة، الأمن في هذه المناطق ويسلح العشائر الساكنة فيها".

ورغم اقتناع شيوخ العشائر بأن تسليح أبنائها لا يصبّ في مصلحة الملف الأمني، لكنهم أكدوا أهمية هذا الإجراء، بسبب سوء الإدارة الأمنية واستمرار تحكم المليشيات بالملف.

وقال الشيخ فاضل الجبوري، وهو أحد شيوخ محافظة ديالى: "لسنا مع تسليح العشائر، لكن ضعف الدور الحكومي وتسليم الملف الأمني للمليشيات، دفعنا إلى المطالبة بالتسليح"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "عودة الخطف والسيطرات الوهمية أعادت الرعب إلى مناطقنا، وعلى الحكومة تحمّل المسؤولية وسحب الملف الأمني من يد المليشيات وإبعادها خارج المحافظة، أو أن تسلح العشائر للدفاع عن نفسها".

يشار إلى أن العشائر العراقية كانت قد طالبت الحكومة بتسليحها لحماية نفسها من خطر تنظيم "داعش" الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق صيف عام 2014، فيما رفضت قيادات "الحشد الشعبي" والجهات السياسية الموالية للحشد ذلك المقترح الذي لم يُنفَّذ، الأمر الذي ترتّب عنه اعتداءات إرهابية متزايدة من قبل التنظيم في عدد من القرى والمناطق في بعض المحافظات.

المساهمون