مأزق السيسي: ترامب أفسد دوره الإقليمي والغضب الشعبي يتزايد

مأزق السيسي: ترامب أفسد حلم الدور الإقليمي والغضب الشعبي يتزايد

08 ديسمبر 2017
من تظاهرة في القاهرة ضد قرار ترامب(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

لم يعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رفضه أو استنكاره لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس في خطاب مباشر أو بيان صريح، إذ اكتفى بذكر ذلك في بيان أصدرته الرئاسة المصرية عن اتصال دار أول من أمس، بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم أوعز لوزارة خارجيته لإصدار بيان "استنكاري" للقرار الأميركي، ثم انضمت إلى 7 دول أخرى في مجلس الأمن بقيادة السويد وبوليفيا في دعوتها لعقد جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع المشتعلة في الأراضي الفلسطينية.

هذا التعاطي الرسمي المصري له ما يبرره في الأروقة الدبلوماسية؛ إذ يقول مصدر في ديوان الخارجية إن خطوات السيسي مرتبكة لأن ترامب أعلمه منذ عدة أسابيع بأنه يبحث اتخاذ هذا القرار في أسرع وقت، وأن أقصى ما طلبه السيسي آنذاك، وكذلك في الاتصال الأخير بينهما يوم الثلاثاء الماضي، هو أن "يرجئ اتخاذ هذه الخطوة إلى نهاية العام المقبل على الأقل"، بحجة أن هذه الخطوة ستوفر "ملاذاً فكرياً وإعلامياً للجماعات الإرهابية وتيارات الإسلام السياسي لممارسة مزيد من الضغوط على الأنظمة العربية الحاكمة، فضلاً عن انخفاض شعبية تلك الأنظمة في مجتمعاتها الرافضة للتطبيع مع إسرائيل".

ويضيف المصدر أن السيسي لم يتلق أي تجاوب من ترامب أو مساعديه بشأن هذا المطلب، بل إن ترامب أكد له أن واشنطن "ستدعم الأنظمة العربية الصديقة ضد التيارات المتشددة والجماعات الإرهابية"، زاعماً أنه لا بد من اتخاذ القرار لدعم الإدارة الإسرائيلية الحالية، ووصفها بـ"المنفتحة تجاه السلام" مما دفع السيسي لسؤاله عن "تصور واشنطن للدور الذي يمكن لمصر والأردن تحديداً أن تقوما به مستقبلاً في ظل مزيد من التعقيدات"، محذراً ترامب من مغبة هذا القرار على الجهود التي بذلتها مصر والإمارات لتطوير خطاب حركة "حماس" وتخفيف حدته.

ويوضح المصدر أن الاتصالات الأخيرة بين القاهرة وواشنطن يغلب عليها التوتر، ليس فقط بسبب تنامي الشعور بأن ترامب لم يفِ بما كان السيسي ينتظره من دعم لجهوده لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وقبلها بإدخاله السعودية طرفاً غير مباشر في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بتنازله عن جزيرتي تيران وصنافير، وهو ما كان السيسي يصفه إعلامياً بـ"صفقة القرن" والتي سبق أن أشار إلى ما فعله كمقدّمات لتحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية شاملة وإنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية المتمتعة بعلاقات دبلوماسية طبيعية مع أكبر عدد من الدول العربية الجارة وفي مقدمتها السعودية.

وبالتالي فإن حلم السيسي بـ"صفقة القرن" والضلوع في تصميمها وتنفيذها يبدو، بحسب المصدر الدبلوماسي، قريب من التحطم بسبب رغبة ترامب في تأمين مستقبل إدارته بتقديم أكبر دعم ممكن لإسرائيل، بما يرضي الدوائر اليهودية صاحبة النفوذ القوي في واشنطن، والتي يسعى السيسي هو أيضاً لإرضائها منذ توليه الحكم، في وقت تتعرض فيه السياسة الخارجية الأميركية لضربات وأزمات متتالية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، مقابل تنامي نفوذ روسيا وإيران.


ويتحدث المصدر عن أزمة أخرى تواجه السيسي، تكمن في قلقه من أن تتسبّب عودة القضية الفلسطينية إلى اهتمامات المصريين كما كانت في عهود سابقة قبل اشتعال المشهد السياسي الداخلي في 2011، في انفلات الأوضاع الداخلية، بتعدد الدعوات للتظاهر أو تعاطي الشباب المعارض للنظام بصورة إيجابية مع دعوات استهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية في مصر، وهو ما سيفاقم أزمات السيسي الداخلية والخارجية في آن واحد.

ويعتبر المصدر الدبلوماسي أن تخوّف السيسي من هذه الأزمة التي لم يشهدها حكمه من قبل، هو ما دفعه لإصدار تعليمات تنفيذية وإعلامية للمبادرة وإظهار الدولة المصرية بمظهر "الرافض والمتحفظ دون صخب" للقرار الأميركي بهدف امتصاص غضب الرأي العام، خصوصاً في ظل غياب الجماعات السياسية والتيارات الإسلامية المؤثرة القادرة على حشد التظاهرات والمسيرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، على عكس ما كان حاصلاً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وظهرت هذه السياسة جلية في تعامل الإعلام الرسمي والمقرب من النظام، وكذلك نواب البرلمان مع القرار، فضلاً عن إصدار بيانات من وزارة التعليم تتحدث عن "تعليمات للمدارس الحكومية والخاصة للتأكيد على عروبة القدس ورفض مصر لنقل السفارة الأميركية بإسرائيل إليها، جنباً إلى جنب تعزيز الثقة بالدور الذي يمكن لمصر أن تلعبه لحل القضية الفلسطينية"، ذلك الدور الذي قطع ترامب عملياً طريق السيسي للعبه أو المساهمة فيه.

وعلى الرغم من خطة النظام لامتصاص الغضب الشعبي، إلا أن مبادرات بدأت في الظهور منذ مساء أول من أمس لإعادة الجماهير المصرية للاحتشاد في الميادين اعتراضاً على تهويد القدس، بالتوازي مع الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت من نقابة الصحافيين التي نظمت وقفة احتجاجية عصر أمس، وبعض النقابات المهنية الأخرى، وصولاً إلى بعض المواطنين الذين حاولوا اتّباع إجراءات قانون التظاهر، ووجّهتهم وزارة الداخلية لإقامة التظاهرات في الساحات المخصصة لذلك في أماكن بعيدة عن العمران، كحديقة الفسطاط في القاهرة، مما يعكس عدم تلقي الأمن تعليمات حتى الآن بالسماح لمثل هذه المسيرات في قلب العاصمة.

ويرى مراقبون أن الغضب الشعبي الذي قد يواجهه السيسي في الملف الفلسطيني تحديداً قد يكون معبأ بتراكمات الغضب المكتوم من سياساته السابقة الداخلية والخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون مع واشنطن وإسرائيل والسعودية، وأبرزها قرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، الذي تم توثيقه في الأرشيف الرسمي المصري مصحوباً بمخاطبات بين السيسي ووزير خارجيته سامح شكري وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في سابقة لم يكن يتخيلها أكثر المصريين تأييداً للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

واستفز السيسي مشاعر المصريين لدى حديثه مع الإسرائيليين وعنهم مرات عديدة، كانت آخرها ظهوره ضاحكاً بود شديد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في لقائهما على هامش مشاركتهما في قمة الأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، وإلقاء السيسي خطاباً أبدى فيه حرصه على أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي قبل أمن وسلامة المواطن الفلسطيني، مما أثار عاصفة من التهكم والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقبل ذلك، شعر المصريون بالمعاملة التفضيلية التي يفردها السيسي للإسرائيليين بتعدد لقاءاته مع وفود المنظمات اليهودية الأميركية، فضلاً عن حديثه عن ضرورة تحقيق "سلام دافئ بين مصر وإسرائيل" بل وتحميله مسؤولية التحرك المبدئي لحل القضية الفلسطينية على تجاوب الفصائل الفلسطينية مع جهود المصالحة، وذلك أثناء خطاب ألقاه خلال افتتاح محطة كهرباء بمحافظة أسيوط في مايو/أيار 2016 بمناسبة ذكرى إنشاء دولة إسرائيل، وهي تقريباً الطريقة نفسها التي دارت حولها المشاركة المصرية في القمة العربية الماضية في البحر الميت في مارس/آذار 2017؛ التي كانت تدور في أروقتها معلومات مؤكدة عن قرب إقدام ترامب على خطوة نقل السفارة، ورغم ذلك لم تسفر عن أي قرار حاسم أو مؤثر.

وسبق أن أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن السيسي التقى نتنياهو في قمة مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في العقبة بحضور وزير الخارجية جون كيري في يناير/كانون الثاني 2016. ولم تكذّب الحكومات الثلاث المعلومات المسربة عن تلك القمة، بل إن الرئاسة المصرية أصدرت حين الكشف عنها بياناً يكاد يؤكدها ضمنياً "في إطار المساعي المصرية لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية".