تركيا تبعد الوحدات الكردية عن حدودها والقتال يستعر بإدلب

تركيا تبعد الوحدات الكردية عن حدودها والاقتتال يستعر بريف إدلب

28 فبراير 2018
عناصر الجيش الحرّ على مشارف عفرين (بكير قاسم/الأناضول)
+ الخط -


بعد أكثر من شهرٍ تقريباً، انتقلت تركيا والجيش السوري الحرّ، إلى ما سمياه معاً "المرحلة الثانية من عملية غصن الزيتون في عفرين"، شمال غربي سورية، وهي مرحلة تهدف لعزل عفرين عن الحدود السورية ـ التركية، وبالتالي إبعاد مقاتلي "الوحدات الكردية" إلى شرقي نهر الفرات. وهو أمر صعب ما لم يعلنوا استسلامهم وقبولهم بالصفقة الجديدة أو التعرّض لمذبحة كبيرة، على وقع وجود قوات حليفة للنظام السوري في المدينة. وهو ما طرح أكثر من سيناريو ممكن اعتماده من قبل تركيا والجيش السوري الحرّ، من دون توريط الولايات المتحدة لناحية الأكراد وروسيا لناحية المليشيات الحليفة للنظام في المرحلة الثانية. فتركيا رفعت شعاراً واحداً "إبعاد المقاتلين الأكراد إلى شرقي الفرات"، وبدا واضحاً عدم استساغتها خوض معركة طويلة، فضلاً عن فرض حصارٍ طويل الأمد. أما سيناريو "استمرار الاشتباكات" فأمر محسوم لتركيا، وهو ما لا طاقة للوحدات الكردية ولا لحلفاء النظام على الصمود فيه أو خوضه حتى. ومع ترجيح الخيار الأول، فإن الجيش التركي والجيش السوري الحر أنجزا المرحلة الأولى من عملية "غصن الزيتون" وفق اعتبارهما، فيما استعر قتال بين فصائل تابعة للمعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام"، التي تراجعت عن مناطق واسعة في ريفي حلب وإدلب، وسط مطالبات أهلية للهيئة بمغادرة مناطقهم.

في سياق عملية "غصن الزيتون"، أعلنت رئاسة الأركان التركية، أمس الثلاثاء، عن "تحييد 2083 إرهابياً، منذ انطلاق عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين، شمال غربي سورية"، مشيرة في بيان نقلته وكالة "الأناضول"، إلى أن "العمليات البرية والجوية مستمرة ضمن غصن الزيتون لتحييد مقاتلي الوحدات الكردية في عفرين". وقد سيطر الجيش التركي والجيش السوري الحرّ على كامل الشريط الحدودي السوري مع تركيا في شمال عفرين وغربها، وقطعا بذلك اتصال الوحدات الكردية بمنطقة عفرين مع الحدود التركية بالكامل. وهو ما عنى تحقيق المرحلة الأولى من العملية التي بدأت في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي.

بالتالي بات بإمكان الجيش التركي التوغل أكثر في ريف عفرين، لتضييق الخناق أكثر على الوحدات الكردية للانسحاب إلى شرقي الفرات. ولن يتوقف الجيش التركي عن العملية قبل تحقيق الهدف الأكبر، وهو خروج الوحدات الكردية التي حاولت الاستثمار في الخلاف التركي مع النظام من خلال رفع راية الأخير في عفرين وتسليم مناطق سيطرتها داخل مدينة حلب لقواته. ومن المستبعد في الوقت الراهن لجوء الجيش التركي إلى خيار محاصرة مدينة عفرين وريفها من كل اتجاه لتفادي حدوث أزمة إنسانية تؤلب المجتمع الدولي عليه.



في هذا الوقت، بدت المعارضة السورية حتى اللحظة بلا مكاسب حقيقية جراء مشاركتها في عملية "غصن الزيتون"، فلم تستعد السيطرة بعد على مدينة عفرين وبلدة منغ وقرى خسرتها مطلع عام 2016، أبرزها دير جمال والشيخ عيسى وعين دقنة. مع العلم أن فصائل تابعة للمعارضة السورية مرابطة في مكان غير بعيد عن هذه المناطق، تحديداً في مدينة مارع، وفي مدينة أعزاز، شمالي حلب، راغبة في إعادة عشرات آلاف النازحين إلى مناطق سيطرت عليها الوحدات الكردية بدعم روسي.

ومن المتوقع بدء مرحلة ثانية من العملية هدفها السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية شمال مدينة حلب، وأهمها مدينة تل رفعت وقرى في محيطها، وغالبية سكانها عرب نزحوا عنها في مطلع عام 2016، مع تقدم الوحدات الكردية باتجاهها. ومع سيطرة الجيش التركي على الحدود السورية التركية في منطقة بعمق كيلومترات عدة، فُتح طريق بري بين مناطق "درع الفرات"، شمال شرقي حلب، وبين محافظة إدلب، شمال غربي سورية. ومن المتوقع إتاحة هذا الطريق للمدنيين خلال الأيام القليلة المقبلة.

وبقي للوحدات الكردية منفذ عبر مناطق سيطرة النظام، تحديداً بلدتي نبل والزهراء، ومنه إلى مدينة منبج الخاضعة لسيطرة الوحدات، في ظل أنباء غير مؤكدة عن نية المقاتلين الأكراد تسليمها للنظام في مرحلة لاحقة، لقطع الطريق أمام الجيش التركي والجيش السوري الحرّ باتجاهها.

وفي إطار الفصل بين عفرين والغوطة الشرقية، شدّد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، على أن "ثمة من يخلطون بين عملية غصن الزيتون التركية، وما يحدث في غوطة دمشق الشرقية"، مبيناً أن "قرار مجلس الأمن الدولي الأخير المتعلق بأزمة الغوطة واضح بهذا الصدد". وأضاف في كلمة أمام الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية"، أمس، أن "تركيا تنفذ غصن الزيتون في منطقة عفرين السورية ضد المنظمات الإرهابية الدموية وليس المدنيين".


في سياق آخر، تواصلت الاشتباكات بين "جبهة تحرير سورية" و"هيئة تحرير الشام" بريفي إدلب وحلب، مع تمكن الجبهة، مساء الاثنين الماضي، من السيطرة على الفوج 46 بريف حلب الغربي، وبلدات خان العسل، وريف المهندسين، وكفركرمين، وأورم الصغرى وأورم الكبرى بريف حلب. وامتدت الاشتباكات لمدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، حيث قُتل مدني حسب ما أفاد به "مركز إدلب الإعلامي". وأشارت مصادر إلى أن "عناصر هيئة تحرير الشام انتشروا في بلدة ترمانين، شمال إدلب، وأقاموا حواجز عدة، وذلك عقب دعوة من قبل ناشطين للتظاهر في البلدة ضد تواجد مقرات التنظيم".

وذكرت مصادر محلية أن "هيئة تحرير الشام"، و"جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، عزّزت حواجزها على أطراف مدينة إدلب، التي باتت معقلها الأهم، في وقت شهدت المدينة تظاهرات شعبية مطالبة بخروج الهيئة من المدينة. وأكدت المصادر أن "اشتباكات عنيفة اندلعت، يوم الاثنين، بين الطرفين في بلدات وقرى أطمة، وصلوة، وعقربات ومعبر أطمة، وقاح، ونقطة معبر كفرلوسين، انتهت بانسحاب هيئة تحرير الشام، وسيطرة جبهة تحرير سورية على هذه المناطق، وسط استمرار الاشتباكات بين الطرفين في النقطة 106 المطلة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا".

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، انسحاب "هيئة تحرير الشام" بمقاتليها وعتادها من القطاع الغربي لريف حلب، واتجاهها نحو إدلب، مشيراً إلى أن "الهيئة انسحبت من الفوج 46، وريف المهندسين الأول، وريف المهندسين الثاني، وتديل، والشيخ علي، وكفرحلب، وأورم الصغرى، وكفركرمين، والتوامة، والسحارة، وكفرناها، وخان العسل، وريف المحامين". وأشار المرصد إلى "انتهاء وجود هيئة تحرير الشام بشكل كامل في ريف حلب الغربي، وبشكل شبه كامل في محافظة حلب، مع اقتصار وجود تحرير الشام على مقاتلين محليين في ريف حلب الجنوبي من أبناء المنطقة".

وارتفعت أصوات محلية منادية بإيقاف الاقتتال الذي أثار استياء الشارع السوري المعارض، خصوصاً بعد توارد أنباء عن مقتل وإصابة مئات المقاتلين في طرفي القتال. ووثّق المرصد السوري منذ اندلاع الاقتتال، مقتل 156 مقاتلاً على الأقل من الأطراف المتنازعة في إدلب وحلب، 94 عنصراً من "هيئة تحرير الشام"، و62 من فصائل "حركة أحرار الشام" و"حركة نور الدين الزنكي" و"صقور الشام".

في هذا الصدد، نظّم أهالي وناشطون في مدينة إدلب، أمس، وقفة طالبوا خلالها تنظيم "هيئة تحرير الشام" بـ"مغادرة المدينة، حرصاً على سلامة المدنيين". وكشفت مصادر من المدينة لـ"العربي الجديد"، أن "مجموعة من الأهالي والناشطين تجمّعوا في ساحة الساعة وسط مدينة إدلب، ورفعوا لافتات مطالبة لمقاتلي هيئة تحرير الشام وعناصرها بمغادرة المدينة". ورفع الأهالي شعارات: "لن نسمح بتدمير المدينة، أخرجوا المقرات العسكرية من المدينة، توجهوا بأسلحتكم لنصرة أهل الغوطة، وجهوا أسلحتكم نحو الجبهات". وخرجت تظاهرات أيضاً في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، طالبت "هيئة تحرير الشام" بإخراج مقرّاتها من المدينة ووقف الاقتتال مع "جبهة تحرير سورية"، وتحييد المدن والبلدات في إدلب عن القتال.


المساهمون