أكراد تركيا وصراع الجناحين السياسي والعسكري: هل يحسم أوجلان؟

أكراد تركيا وصراع الجناحين السياسي والعسكري: هل يحسم أوجلان؟

16 اغسطس 2015
دعا أوجلان إلى التزام النضال الديمقراطي وترك السلاح(فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن الحرب الأخيرة التي أعلنتها الحكومة التركية على حزب "العمال الكردستاني"، لصالح تعزيز سلطة التيار المتشدد والعسكري من "الحركة القومية" الكردية، كما جرت العادة. بل عزّزت الحرب من قوة التيار السلمي السياسي في الحركة ممثلاً بحزب "الشعوب الديمقراطي" الذي التزم بمراجعات زعيم "العمال الكردستاني"، عبدالله أوجلان الداعية إلى "النضال الديمقراطي" وترك "النضال المسلح". في الوقت عينه، بدا مخاض التحول من حركة عسكرية إلى سلمية واضحاً من خلال الخلافات والتوتر سواء بين "الشعوب الديمقراطي" وجبال قنديل، وداخل "الشعوب الديمقراطي" نفسه، بين أفراد "العمال الكردستاني" الذي يعد التيار الأقوى والأكثر نفوذاً من باقي التيارات.

ظهرت إشارات هذه الخلافات والتوترات، قبل أيام، بعد نشر المقابلة التي أجرتها صحيفة الـ"فايننشال تايمز" البريطانية مع زعيم "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرتاش.
وعلى الرغم من الضغط الشديد الذي تعرض له "الشعوب الديمقراطي"، من مختلف الأحزاب التركية، لدفعه إلى إدانة هجمات "الكردستاني"، إلا أنّه لم يستجب إلّا بإدانة جميع أعمال العنف، داعياً إلى السلام ووقف إطلاق النار، متعاطفاً مع الضحايا الذين سقطوا في البلاد. لكن هذا الضغط تعاظم بعد مواقف الاتحاد الأوروبي وواشنطن الداعمة لحق تركيا في الدفاع عن نفسها، والمستنكرة لأفعال "الكردستاني" "الإرهابية" والداعية للعودة إلى المفاوضات.

وصف دميرتاش، في المقابلة، بعض ممارسات "الكردستاني" بـ"الأفعال القذرة"، مشيراً إلى حادثة اغتيال الشرطيين في مدينة جيلان بينار التي تبناها "الكردستاني"، "انتقاماً لضحايا التفجير الانتحاري الذي قامت به داعش في سروج، متهماً الحكومة بالتعاون مع داعش". وأشار دميرتاش أيضاً إلى التفجير الانتحاري الذي تبناه "الكردستاني"، وضرب إحدى الثكنات العسكرية التركية في ولاية أغري شرق البلاد، باستخدام جرار محمّل بـ2 طن من المتفجرات".

لم تمرّ ساعات على نشر الصحيفة للمقابلة، حتى غرد حزب "الشعوب الديمقراطي" على حسابه عبر موقع "تويتر"، يطالب الصحيفة بتصحيح تصريحات دميرتاش، لتؤكد أن الأخير كان يقصد حادثة اغتيال الشرطيين في جيلان بينار فقط، واصفاً إياها بـ"القذرة الاستفزازية التي ساعدت في إعلان الحرب على الكردستاني". كما طالب "الشعوب الديمقراطي"  الصحيفة بالتأكيد على أنّ دميرتاش لم يقصد حادثة أغري التي حدثت بعد إجراء المقابلة بأيام عدة، على الرغم من أن اتحاد المجتمعات الكردستانية، هو من بادر إلى إعلان وقف إطلاق النار قبل إعلان أنقرة الحرب عليه بأكثر من أسبوع. كما صدرت مقابلة، يوم الأربعاء، أيضاً لدميرتاش في صحيفة "إلباييس" الإسبانية، التي أكد من خلالها بأنه لا يرى أفعال "الكردستاني" صحيحة.

بعد حصوله على 13 في المائة من الأصوات في الانتخابات النيابية، لم يعد "الشعوب الديمقراطي" جناحاً سياسياً لـ"العمال الكردستاني"، كما كان عليه الحال مع سلفه حزب "السلام والديمقراطية". ذلك أن نسبة الأصوات التي حصل عليها "الشعوب الديمقراطي" من القاعدة الكردية اليسارية لـ"الكردستاني" لا تتجاوز الـ6.5 في المائة. أمّا 6.5 في المائة الأخرى، فهي تعود لليمين الكردي المتدين الذي كان يصوت عادة لـ"العدالة والتنمية"، وأيضا اليسار التركي غير الكردي.

كل ذلك ولّد ارتباكاً في العلاقة بين جبال قنديل و"الشعوب الديمقراطي". وبدا الارتباك واضحاً في بداية عودة الاشتباكات بين أنقرة و"الكردستاني"، عندما شدّد دميرتاش على دعوته للأخير إلى إلقاء السلاح في تركيا، مشيراً إلى أن صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في هذا الأمر هو أوجلان، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في جزيرة إمرلي التركية، ليأتي الرد شديداً من رئيسة اتحاد المجتمعات الكردستانية (ينضوي تحته جميع التنظيمات التابعة للكردستاني)، بِسة هوزات، بالتأكيد على أن جبال قنديل هي صاحبة رأي أساسي في موضوع إلقاء السلاح، قائلة إنّ "بعض الأشخاص في حزب الشعوب الديمقراطي ينساقون وراء دعاية العدالة والتنمية"، بالإشارة إلى أن أوجلان هو صاحب كلمة الفصل في أمر إلقاء السلاح، وهذا أمر خاطئ، ويعني التوافق مع العدالة والتنمية لزيادة الضغط على الزعيم أوجلان.

أثبتت الأيام الأخيرة، أنّ "الحركة القومية" الكردية في تركيا تعيش مخاض ولادة جديدة بعد التحول الكبير الذي قاده دميرتاش من خلال "الشعوب الديمقراطي". هو مخاض التحول من "تمرد مسلح إرهابي" إلى "حركة سياسية مدنية شرعية قانونية"، الأمر الذي يؤكده النائب الإسلامي عن "الشعوب الديمقراطي" عن مدينة دياربكر، ألتان تان، داعياً "الكردستاني" إلى فتح المجال لـ"الشعوب الديمقراطي" للعمل، قائلاً إنّ "الشعوب الديمقراطي يعيش مشكلة مفادها تشابُه السياسة الكردية مع السياسة التركية".

اقرأ أيضاً: أردوغان وأوغلو يوبخان دميرتاش.. و"الشعوب" موصوف بالإرهاب

يضيف تان: "لقد كان العسكر هو النخبة القائدة في مخاض تأسيس الجمهورية التركية بين عامي 1920 و1923، ولا نستطيع حتى الآن القول بأن وصاية العسكر في تركيا قد انتهت تماما"ً. ويتابع: "في تاريخ تركيا، كان هناك أكثر من 6 رؤساء من العسكر، والسياسة الكردية تعاني من المشكلة ذاتها. فلقد بدأت الحركة القومية الكردية في تركيا بكونها تمردا مسلحا، والآن بدأت بالتوجه نحو العمل السياسي والشرعنة، ولهذا آلامه، والشعوب الديمقراطي يعيش هذه الآلام الآن، وعلى العمال الكردستاني منح الشعوب الديمقراطي مجالاً أوسع في السياسة الكردية، وينبغي لعملية التحول السياسي أن تستكمل بسرعة، فإن استمرت لفترة أطول، فهذه المشاكل لن تُحلّ".

لم يكن تان الوحيد الذي طالب "الكردستاني" بفتح الساحة لـ"الشعوب الديمقراطي" ليعمل، بل جاءت دعوات أخرى من قياديي "الشعوب الديمقراطي"، كان أبرزها دعوة رئيس بلدية أغري، شرق تركيا، سري سكيك. وأكد الأخير على ذلك في تشييع جنازة أحد أبناء الولاية الذين قتلوا في صفوف "الاتحاد الديمقراطي" خلال الاشتباكات مع "داعش" في الحسكة، قائلاً إنّ "قلوبنا تتمزق على شبابنا الذين يقتلون، سواء في صفوف الكردستاني أو الجيش أو الشرطة. لا نفرق بين هذه الآلام. أدعو الحكومة التركية إلى سحب إصبعها عن الزناد، وأقول للكردستاني، افتحوا لنا مساحات جديدة".

ويواجه تحول "الشعوب الديمقراطي"، نحو العمل السياسي عقبات كبيرة، أهمها، تورط "الكردستاني" في المعارك في كل من سورية والعراق، الأمر الذي يؤكده تان، قائلاً: "يواجه هذا التحول نحو السياسة سوء حظ كبيرا، وهي المرحلة التي دخلتها السياسة الكردية خارج تركيا، كما في العراق وسورية. وبينما لا تزال المعارك جارية هناك، لا يمكن لأحد أن يقول للعمال الكردستاني، ألقِ السلاح من طرف واحد". وبدا تان ملتزماً بخط حزبه المسالم عندما قال إنّ "حادثة جيلان بينار، وقتل شرطي المرور في دياربكر، واغتيال العسكريين في باقي الأماكن، هي تحركات خاطئة تماماً"، مضيفاً أنّ "قطع الطرقات وحرق السيارات والعربات، لا يمكن اعتبارها تصرفات مشروعة أو معقولة".

يمكن اعتبار أن مخاض التحول من حركة عسكرية إلى حركة مدنية لن يكون أمراً سهلاً. فعلى الرغم من نجاح "الشعوب الديمقراطي" في إيصال صوته بدعم من أوجلان، معززاً ذلك بانتصاره في الانتخابات البرلمانية الماضية، تبقى هذه الإنجازات هشة وقابلة للتحطيم، إن أصرّ "الحرس القديم" في "الكردستاني"، كعادته، على مواجهة أي إصلاح يحد من سلطاته، وخصوصاً أنّ نجاح هذا التحول سيعني تقاعداً نهائياً له، على الأقل في تركيا.

اقرأ أيضاً: جهود لتشكيل الحكومة على وقع المواجهة مع "الكردستاني"