الورقة الكردية في خدمة سياسات إسرائيل الإقليمية

الورقة الكردية في خدمة سياسات إسرائيل الإقليمية

14 سبتمبر 2017
من فعالية لأكراد في فرانكفورت الألمانية في 2014(Getty)
+ الخط -
لم يكن تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأول، بشأن دعم الكيان الإسرائيلي للدولة الكردية وإقامتها، هو الأول من نوعه، وإن كان التعاون شبه المعلن بين إسرائيل والقوى والمنظمات الكردية معروفاً منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي. وخلافاً لما قد يعتقد البعض، فقد سبق لنتنياهو نفسه أن صرح قبل ثلاثة أعوام، في 29 يونيو/ حزيران 2014، خلال المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، بأن "الأكراد هم شعب مقاتل وعصري ولهم الحق في الاستقلال السياسي". لكن تصريح نتنياهو الجديد لم يخل من إشارة واضحة إلى أبعاد التصريح وأهدافه على المدى القصير والمباشر، عندما أضاف أن حكومة الاحتلال تعتبر حزب العمال الكردستاني PKK منظمة إرهابية وتعارضها على عكس حكومة تركيا التي تدعم حركة حماس.

وإذا كان السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون دريمر، قد صرح هو الآخر في العام الماضي بأن إسرائيل تدعم إقامة دولة كردية، مسوغاً ذلك على غرار نتنياهو، بالعلاقة الجيدة مع الشعب الكردي وحقه بتقرير المصير، فقد جاء تصريح وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، العام الماضي، بشأن دعم إقامة دولة كردية، أشمل من حيث إضافتها للدوافع الحقيقية من وراء هذا الموقف عندما قالت هي الأخرى في مؤتمر آخر لقضايا الأمن القومي في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي: "علينا أن ندعو صراحة لإقامة دولة كردية، وسوف تفصل هذه الدولة بين إيران وتركيا وتساعد إسرائيل".

ويمكن القول بالنظر إلى تصريحات شاكيد، إن المسألة الكردية باتت سلاحاً وورقة تلعب بها إسرائيل علناً، بعد أن انتفت الحاجة إلى السرية مع احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين. مع ذلك ينبغي أيضاً ملاحظة أن التصريحين اللذين صدرا عن نتنياهو في تلميح أو سعي إسرائيل بشكل واضح لابتزاز تركيا، جاءا في وقت اتسمت فيه العلاقة بين البلدين بالتوتر. ففي العام 2014، كانت القطيعة مستمرة بين إسرائيل وتركيا، على خلفية اعتراض البحرية الإسرائيلية لأسطول الحرية وعملية الإنزال على السفينة التركية مافي مرمرة، وقتل 11 ناشطاً تركياً في عام 2010. أما التصريح الذي أطلقه نتنياهو أمس الأول، فهو يأتي هو الآخر في مرحلة من التوتر بين الدولتين تجلت بالإنذار الذي أصدرته ما يسمى بـ"هيئة مكافحة الإرهاب" في ديوان نتنياهو للمواطنين الإسرائيليين بعدم السفر خلال فترة الأعياد اليهودية القريبة إلى تركيا بزعم وجود إنذارات استخباراتية تفيد باحتمال استهداف السياح الإسرائيليين، من جهة، وبفعل المواقف التركية المؤيدة لحركة حماس في قطاع غزة.

وتوضح تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذا التوقيت بالذات، مع رفض البرلمان العراقي لمشروع الاستفتاء الشعبي في كردستان، أن نتنياهو يسعى إلى توظيف الورقة الكردية لصالح تعزيز مواقف إسرائيل ليس فقط في مواجهة تركيا، وسورية وإيران، بل لأن هذا الموقف ينطلق أيضاً من موقف استراتيجي تبنته الحكومات الإسرائيلية منذ سنوات الخمسينيات، وتمثل بدعم وتأييد كل حركة انفصال أو عدم استقرار يساعد نشاطها في هز الاستقرار العربي عموماً، ويمكن له أن يكون عاملاً مساعداً في تشكيل محور من دول أقليات (بمعنى غير عربية أو حتى غير مسلمة) في الوطن العربي، بما يرسخ تجزئة الوطن العربي.

ومن هذا المنطلق عززت إسرائيل على مدار سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي علاقاتها مع إيران الشاه في وجه الدول العربية، في أوج المد القومي في سورية ومصر والعراق، كما سعت في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات إلى تشجيع فكرة "إقامة دولة مارونية" في لبنان، وتشجيع حركة جون قرنق الانفصالية في السودان لإقامة كيان جنوب السودان، وهو ما تحقق في السنوات الأخيرة، ولم يكن صدفة أن تكون إسرائيل من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الجديدة جنوب السودان.

وإذا كانت هذه العقيدة الإسرائيلية شجعت وحكمت عمليات البحث عن قوى محلية يمكن إبرام تحالفات معها على أسس حلف أقليات، سواء كانت قومية، كحالة الأكراد في العراق وسورية، أم دينية مذهبية في حالة دولة الموارنة في لبنان، أو مسيحية غير عربية كما في حالة جنوب السودان، فإن ملف الأكراد في العراق، والواقع عملياً في العراق وتركيا وسورية، يصبح اليوم من الأدوات التي تشهرها إسرائيل ليس في وجه الدولة العراقية في بغداد فحسب، وإنما أيضاً ضد تركيا وسورية.

وتهدف هذه المناورة والتصريحات في هذا التوقيت أيضاً إلى تأمين منفذ جديد إضافي لإسرائيل يمكّنها من تحقيق مكاسب أو ضمان ورقة "مضمونة" لانتزاع دور لها في عملية رسم مستقبل سورية، من خلال مقايضة مواقف بشأن الموضوع الكردي مقابل التزامات وتعهدات باحترام وتلبية مطالبها في سورية وعلى رأسها حالياً إبعاد الوجود العسكري الإيراني من جنوب سورية، على مقربة من حدودها. وبهذا المعنى قد تكون الورقة الكردية رابحة في وجه روسيا أيضا كما في وجه تركيا. ولعل إشارة نتنياهو إلى حزب العمال الكردستاني وأن إسرائيل تعتبره إرهابياً، يهدف إلى محاولة انتزاع مطالب إضافية من تركيا تحديداً على مستوى علاقة الأخيرة مع حماس. 

المساهمون