وزير الخارجية الألماني في طهران: ما الذي يحمله بجعبته؟

وزير الخارجية الألماني يصل إلى طهران: ما الذي يحمله في جعبته؟

10 يونيو 2019
إيران غير مستعدة لتقديم تنازلات (أود أندرسون/ فرانس برس)
+ الخط -

وصل وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في وقت متأخر من مساء الأحد، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة معلنة من قبل، على أن يلتقي اليوم الإثنين بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، والرئيس الإيراني حسن روحاني.


وتأتي الزيارة مع تراجع حدة الاحتقان بين طهران وواشنطن قليلاً خلال الأيام الأخيرة، لينتعش بازار الوساطات في سياق تحركات دبلوماسية إقليمية ودولية، ولدت في ذروة التوترات بين الطرفين خلال الأسابيع الماضية.

وتدخل هذا الأسبوع التحركات الدبلوماسية مرحلة جديدة بعد زيارة ماس، وتليها أخرى لرئيس الوزراء الياباني، شينزوا آبي، الأربعاء المقبل، بالإضافة إلى دخول دولة قطر على خط الوساطة بشكل معلن، بعدما كشف وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأحد، أن الدوحة تجري مباحثات مع طهران وواشنطن لاحتواء التصعيد بينهما.

معطيات وعناوين

ثمة معطيات تميّز زيارة وزير الخارجية الألماني إلى طهران عن غيرها وبقية التحركات الدبلوماسية، أولا أن عناوين الزيارة والملفات التي سيناقشها ماس متعددة ومتنوعة، تتعدى ملف الوساطة بين إيران والولايات المتحدة إلى مناقشة مصير الاتفاق النووي، باعتبار ألمانيا جزء من الترويكا الأوروبية الشريكة للاتفاق بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا.

وكذلك مناقشة ملفات تحظى باهتمام أوروبي وأميركي في آن واحد، مثل برنامج طهران الصاروخي الباليستي ودورها الإقليمي، إذ أعلن ماس الأحد من الإمارات، أنه سيطلع الإيرانيين على معارضة الاتحاد الأوروبي لبرنامجهم الصاروخي.

كما أن زيارة ماس تأتي وسط توتر إيراني أوروبي على خلفية ما تعتبره طهران تقاعس أوروبا عن تنفيذ تعهداتها الواردة في الاتفاق النووي، والتصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، والتي دعا فيها طهران إلى توسيع مفاوضات الاتفاق النووي، لتشمل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي. وهو ما أثار غضب الجانب الإيراني، ليستبق، يوم الأحد، ظريف زيارة ماس بشن هجوم حاد على الأوروبيين، داعيا إياهم إلى "القيام بواجباتهم بموجب الاتفاق النووي، بدلا من طرح مواضيع خارج إطاره".

كذلك فالزيارة هي الأولى لأرفع مسؤول أوروبي إلى إيران بعد إعلان طهران في الثامن من مايو/ أيار الماضي عن قرارات مرحلية لتقليص تعهداتها النووية، خلال مرحلتين، دخلت الأولى حيز التنفيذ أخيرا، على أن تبدأ المرحلة الثانية بعد انتهاء مهلة الستين يوما، التي لم يبق منها سوى 29 يوما، في حال لم تنفذ مطالبها المتمثلة في تسهيل بيع إيران نفطها ومعاملاتها المالية مع العالم.
وفي إشارة غير مباشرة إلى التوتر بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية، استبعد ظريف أن يكون نظيره الألماني حاملا لـ"رسالة خاصة" خلال زيارته إلى طهران.
وقال ظريف، الأحد، خلال جلسة اليوم للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إن الهدف من زيارة ماس يعود إلى وجود رغبة ألمانية في "إبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة"، مضيفا أن بلاده التزمت بالاتفاق حتى الآن وأن قراراتها الأخيرة "كانت في إطاره".
واستطرد قائلا إن الدور الألماني يأتي في سياق دور الترويكا الأوروبية حول الاتفاق النووي، و"إننا سنتحدث معه (هايكو ماس) في هذا المجال".

مهمة صعبة

وعلى ضوء المعطيات الراهنة، لا يبدو أن مهمة وزير الخارجية الألماني سهلة خلال زيارته لطهران، سواء فيما يتعلق بالوساطة بينها وبين واشنطن، أو ما يرتبط بالاتفاق النووي، وبقية الملفات، حيث تعتريها كلها صعوبات كبيرة، ما يجعل نجاح الزيارة في تحقيق أهدافها أمرا صعبا للغاية، إن لم يكن ذلك مستحيلا.

واستبقت واشنطن هذه الزيارة بتشديد ضغوطها على طهران، من خلال فرض عقوبات جديدة استهدفت قطاع البتروكيماويات الإيراني، ثاني أكبر مصدر للبلاد من العملة الصعبة، يوم الجمعة الماضي. وهو ما بعث برسالة سلبية للجانب الإيراني، مفادها بأن الوساطات أو المفاوضات التي تنشدها الولايات المتحدة الأميركية، تندرج تحت سياسة "الضغط الأقصى"، التي أعلنت إيران مرارا خلال الأسابيع الأخيرة أنها "لن تخضع لهذه الخدعة الأميركية"، الأمر الذي يعرقل مساعي الوزير الألماني لفتح قناة للحوار بين الجانبين.

أما فيما يتعلق بإنقاذ الاتفاق النووي، الذي قال الوزير الألماني إنه من ضمن أهداف زيارته، لا توجد مؤشرات بأن زيارة ماس تحمل في جعبتها ما يمكن أن يرضي إيران ويدفعها إلى العمل بمقتضى تعهداتها المنصوصة عليها في الاتفاق النووي، كما في السابق. ويستشف من جملة المواقف والتصريحات الأوروبية خلال الآونة الأخيرة بعد إعلان طهران تخليها تدريجيا عن تعهداتها النووية بموجب الاتفاق، أن أوروبا عاجزة أو غير راغبة خلال الفترة المتبقية (29 يوما) من مهلة الستين يوما لتلبية مطالب طهران، لدفعها للعودة إلى الالتزام بهذه التعهدات.
في السياق، ثمة تقارير تقول إن وزير الخارجية الألماني سينقل خلال زيارته اليوم الإثنين إلى طهران رسالة تحذيرية لها، مفادها أن أوروبا ستنضم إلى العقوبات الأميركية وتتخلى عن دعمها السياسي للاتفاق النووي، في حال واصلت هي سياسة تعليق تنفيذ التزاماتها النووية. لكنها في الوقت نفسه، ستكون رسالة ملفوفة بجملة وعود متكررة مثل السعي لتفعيل قناة "إينستكس" المالية، التي أسستها الترويكا الأوروبية خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم تعمل بعد، الأمر الذي أزعج السلطات الإيرانية، التي أصبحت تتهم أوروبا بمسايرة السياسات الأميركية.


بالتالي، يبدو أن طريق إنقاذ الاتفاق النووي أوروبيا، لا يمر عبر تلبية مطالب طهران وتمكينها من جني ثمار مكاسبها الاقتصادية التي صفّرها الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وإنما من خلال اتباع نوع من المقايضة، يستمر بموجبها الدعم السياسي الأوروبي للاتفاق في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، مقابل مواصلة طهران الالتزام بتعهداتها النووية. لكن ذلك تحت وطأة التهديد بالانضمام إلى العقوبات والضغوط الأميركية ضد إيران في حال واصلت هي تنفيذ قراراتها المرحلية القاضية بتقليص تعهدات نووية.

في المقابل، تؤكد طهران أنها لن ترضخ لهذه المعادلة الأوروبية، وأنها أمام مماطلة بقية شركاء الاتفاق النووي في تنفيذ تعهداتهم، ستواصل تعليق تعهداتها النووية، حيث قال ظريف إنّه في حال لم تقم أوروبا بـ"تنفيذ تعهداتها" في الاتفاق النووي، خلال مهلة الستين يوماً التي منحتها بلاده للأوروبيين، في 8 مايو/ أيار الماضي، فإنّ "إيران ستقدم على إجراءات نووية أخرى".

لكن طهران في الوقت نفسه، تقول إنها لا تنوي الانسحاب من الاتفاق النووي وإن قراراتها هذه تأتي تنفيذا لحقوقها المنصوصة عليها في الاتفاق. وفيما قد يبدو ذلك صحيحا من الناحية النظرية، إلا أنها عمليا لا تبقي من الاتفاق إلا اسما، في حال الانتقال إلى المرحلة الثانية من تقليص التعهدات، التي تشمل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتفعيل مفاعل "أراك".

وسيعد ذلك انسحابا من الاتفاق النووي، وإن لم تعلن ذلك طهران. لأن موضوع تخصيب اليورانيوم يأتي في صلب الاتفاق النووي، ورفعه من قبل إيران ينهي الاتفاق من جانبها، بعد أن تحول إلى اتفاق من جانب واحد، بعد الانسحاب الأميركي منه في أيار/ مايو 2018.

وكانت إيران تلتزم بكافة تعهداتها النووية بحذافيرها من دون أي مقابل، بعد إعادة واشنطن فرض العقوبات عليها، المرفوعة بموجب الاتفاق النووي، وهي كانت تمثل أحد العمودين اللذين وقفت عليهما الصفقة النووية، وكانت التعهدات النووية الإيرانية هي العمود الثاني الذي بدأ ينهار بفعل القرارات الإيرانية الأخيرة.

إلى ذلك، فإن اعتزام وزير الخارجية الألماني طرح قضايا مثل البرنامج الصاروخي الإيراني، التي تعتبرها طهران من ضمن خطوطها الحمراء، من شأنه أن يفشل الزيارة برمتها وبكل عناوينها، بحسب مراقبين إيرانيين.

وفي السياق، جاء تأكيد ظريف على رفض بلاده مناقشة أي موضوع خارج إطار الاتفاق النووي، ليمثل ردا مسبقا على محاولات نظيره الألماني لطرح برنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي، قبل قدومه إلى طهران.

واعتبر ظريف، في حديث لوسائل إعلام في العاصمة طهران، ردّاً على سؤال بشأن الانتقادات الأوروبية الأخيرة لهذه البرامج الإيرانية، أنّ "الأوروبیین لیسوا في موقع يخوّلهم انتقاد إيران، فيما يتعلق بمواضيع لا صلة لها بالاتفاق النووي".

وقال إنّه "من الواجب على الأوروبيين وبقية شركاء الاتفاق النووي، تطبيع العلاقات الاقتصادية مع إيران".

وعلى ضوء الصعوبات والتحديات الجسام التي تعتري زيارة ماس إلى طهران، في مقدمتها الضغوط الأميركية الكثيفة على الأوروبيين لثنيهم عن تقديم أي امتيازات لإيران في إطار الاتفاق النووي، يستبعد أن يكتب لهذه الزيارة النجاح في عناوينها المتداخلة والمرتبطة بعضها ببعض.