المعارضة السورية.. خيارات محدودة بعد فقدان أوراق القوة

المعارضة السورية تسعى لإحياء جنيف: خيارات محدودة بعد فقدان أوراق القوة

17 ابريل 2018
لا جديد على مستوى "جنيف السوري" (محمد حانون/Getty)
+ الخط -

تتحرك المعارضةُ السورية من أجل "إعادة الروح" للمسار التفاوضي في جنيف، المتوقف منذ أشهر عدة، في محاولةٍ منها للاستفادة من تبعات الضربات الغربية لقواعد عسكرية تابعة لنظام بشار الأسد، رغم إقرارها أن الضربات كانت محدودة، بل ومُخيبة للآمال، حيث دفعت النظام وحلفاءه إلى المزيد من الإصرار على الحسم العسكري، بعدما أوضح الغرب أن "خطوطه الحمراء" مقتصرة على استخدام الأسلحة الكيميائية، وأنه ليس بصدد إسقاط النظام عسكرياً.

لقاء الفاتيكان واجتماعات الرياض

وبدأت، اليوم الثلاثاء، في العاصمة السعودية الرياض، اجتماعات لـ"هيئة التفاوض" التابعة للمعارضة السورية، وصفتها مصادر في "الهيئة" بأنها "دورية"، مشيرة إلى أن الوضع السياسي "المعقد" على رأس أولويات هذه الاجتماعات، التي تأتي بعد أيام من الضربات الغربية لنظام الأسد.

وكان وفد من الهيئة قام بزيارة إلى الفاتيكان، أمس الإثنين، في سياق حشد موقف أوروبي ضاغط، من أجل العودة إلى المسار السياسي، الذي يحاول النظام وحلفاؤه تحييده والقفز فوق مرجعية الأمم المتحدة للتوصل إلى حلٍّ للقضية السورية.

وحول هذه الزيارة، أشار نائب رئيس هيئة التفاوض، جمال سليمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الوفد التقى مسؤول العلاقات الخارجية في الفاتيكان، قائلاً "شرحنا له تصوّرنا، وحصيلة تجربتنا في العملية التفاوضية، بعد توحيد المنصات المعارضة الثلاث وقادة الفصائل المؤمنين بالحل السياسي، كذلك التمثيل الوازن للمستقلين في هيئة التفاوض".

وأضاف سليمان أنه بيّن للفاتيكان أن الهيئة "اتخذت قرار إبداء أقصى حدٍّ من الالتزام والمرونة، في سبيل مساعدة المبعوث الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، كي يقنع النظام بالحضور إلى طاولة التفاوض، ولكن النظام بقي متعنتاً، ورفض إبداء أي إيجابية تجاه العملية التفاوضية". كما أشار إلى أن الوفد "أوضح التزام المعارضة بسورية الديمقراطية، وتطلعنا إلى دستور وحكم غير طائفي يمثل كامل مكونات الشعب السوري، وتشعر فيه هذه المكونات بأنها شريكة في صنع المستقبل، وفقاً لمبادئ المواطنة المتساوية".

وطالب الوفد، بحسب سليمان، بأن يمارس الفاتيكان "تأثيره في رفع المعاناة عن الشعب السوري، خاصة أولئك الذين يعيشون ظروف اللجوء القاسية".

ورأى سليمان أن "خيارات المعارضة السورية كانت ولا تزال الحل السياسي وفق المرجعيات الدولية".

من جهته، رأى عضو الهيئة السياسية في "الإئتلاف الوطني السوري"، عقاب يحيى، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الضربات الغربية "كانت مخيبة للآمال"، معتبراً أنها "لم تكن على مستوى التهديدات والتصريحات للمسؤولين الغربيين".

وعلى الصعيد السياسي، أشار يحيى إلى أنه "لا جديد على مستوى عودة مسار المفاوضات في جنيف"، حيث لا تلوح في الأفق بوادر تحريك جديد لها من قبل دي ميستورا.

ورقة السياسة وعقدة الأسد

وبعد سبع سنوات من الصراع، باتت المعارضة السورية في موقف ضعيف، حيث إن الخيارات محدودة، وهي فقدت أهم معاقلها، وتكاد تُحشر في منطقة جغرافية ضيقة في الشمال السوري، الذي لا تملك فيه حرية اتخاذ القرار مع النفوذ التركي المباشر على كامل محافظة إدلب وشمال وشمال شرقي حلب.

وتأتي تحركات واجتماعات المعارضة بعدما فقدت الكثير من أوراق قوتها، حيث خسرت الغوطة الشرقية، معقلها الأبرز قرب دمشق، وهي في طريقها لخسارة معقل لا يقل أهمية، وهو القلمون الشرقي، حيث بدأت "الباصات الخضر"، الثلاثاء، بنقل مقاتلي المعارضة ومدنيين من مدينة الضمير إلى الشمال السوري.

وكانت خسارة غوطة دمشق الشرقية والخروج بشكل شبه كامل من العاصمة السورية دمشق ومحيطها، من أكبر "الضربات" التي تلقتها المعارضة السورية منذ خروجها من مدينة حلب أواخر 2016، حيث لم تعد تملك أوراق ضغط عسكري مباشر على النظام وحلفائه. وتقلص وجود المعارضة في جزء من محافظة درعا جنوب البلاد، ولكنه خاضع للنفوذ الأردني المباشر، حيث لا تملك المعارضة حرية التحرك واتخاذ القرار المستقل.

وفي ريف حمص الشمالي، بات وجود المعارضة السورية في خطر حقيقي، مع بدء النظام عملية عسكرية واسعة، من المتوقع أن تنهي وجود فصائل المعارضة السورية فيها، أو على الأقل تحييدها عن أي فعل من الممكن أن يؤثر على النظام، الذي بات يتصرف وكأنه "المنتصر" في الصراع.

وكانت المعارضة السورية تعوّل على الضربات الغربية لقواعد ومنشآت النظام العسكرية، من أجل دفع الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين إلى الانخراط مجدداً في مفاوضات "جادة"، مرجعيتها قرارات دولية بقيت من دون تنفيذ، تدعو إلى حلٍّ سياسي "ذي مصداقية" يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، تشرف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد، وهو ما يرفضه النظام الذي يطرح فكرة تعديل دستورٍ وضعه في عام 2012، وتشكيل حكومة "وحدة وطنية" تشارك فيها المعارضة، على أن يبقى الأسد في السلطة.

ويؤكد مصدر مطلع في المعارضة السورية أن الضربات الغربية كانت رسالة واضحة للروس أنهم ليسوا مخولين تماماً في الملف السوري، متوقعاً وجود مباحثات بين موسكو وواشنطن "من تحت الطاولة" يكون مصير بشار الأسد محورها الرئيسي، معتبراً أن الأسد "تحوّل إلى عبء كبير على المسؤولين الروس، وبات من الممكن أن يوضع على طاولة التفاوض مع الغرب الذي بات على يقين أنه من الصعب تأهيل هذا النظام، ويجب تغييره بالوسائل السياسية".

ولطالما كان مصير بشار الأسد العقدة التي تحول دون التوصل إلى حل سياسي في سورية، في ظلّ تمسك مُعلن به من قبل الروس، فهو الضامن لوجودهم في هذا البلد، الذي يكاد يرقى إلى مستوى الاحتلال المباشر، كما أنه تحول إلى ورقة مساومة مجدية مع الغرب، الساعي إلى تقليم أظافر "الدب الروسي" في أكثر من منطقة في العالم، خاصة في أوروبا وشرقي المتوسط.

كما أن الأسد هو خيار إيران الوحيد في هذه المرحلة، فهو الذي مكّنها من ترسيخ وجودها في سورية، بحيث باتت لاعباً إقليمياً في صراع معقد يتجه إلى مزيد من التأزيم في المرحلة المقبلة.




ولكن المعارضة السورية تملك قرارات دولية تؤكد على أن الحل في سورية سياسي بامتياز، وأن التطورات العسكرية الأخيرة لا تملك قوة تغيير مضامين هذه القرارات، خاصة بيان جنيف1، والقرار 2254 الذي يدعو إلى تغيير عميق في بنية النظام، تصر المعارضة على أن يصل إلى رأسه، الذي يعتبر نفسه "فوق التفاوض"، ما يجعل العملية السياسية برمتها بلا جدوى.