"احترام" المعارضة للدور التركي لا يلغي رفضها لبقاء الأسد

"احترام" المعارضة للدور التركي لا يلغي رفضها لبقاء الأسد

22 اغسطس 2016
قطب النظام السوري آلاف الأطفال (مصطفى سلطان/الأناضول)
+ الخط -
تحاول تركيا القيام بدور فاعل في الملف السوري إثر تقاربها مع روسيا، وتوصلها إلى تفاهمات مع إيران الحليف الأبرز لرئيس النظام السوري بشار الأسد، خصوصاً لجهة اتفاق الدولتين الأكبر في الإقليم على عدم السماح بإقليم كردي شمالي سورية، من شأنه زعزعة الاستقرار في كل من تركيا وإيران.

ويتوقف مراقبون عند تصريحات رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم الذي توالت تصريحاته في اليومين الأخيرين عن الملف السوري، وكانت آخرها التي أشار فيها إلى أنه يمكن القبول بدور مرحلي لبشار الأسد في سورية، معتبرين أنّ هذا الكلام لا يعني "تحولاً كبيراً" في الموقف التركي، في حين تؤكد مصادر في المعارضة السورية أنها "تحترم" الموقف التركي لكنها لا تتوافق معه.

وأكد رئيس الوزراء التركي أنّ أنقرة ستضطلع بدور "أكثر فاعلية" في التعامل مع القضية السورية في الأشهر الستة المقبلة، مشدداً على أنّ بلاده ترفض تقسيم سورية على أسس عرقية. وأشار في حديث مع مجموعة من الصحافيين، في إسطنبول، أول من أمس السبت، إلى أنّه لا يمكن أن يكون لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، دور في مستقبل البلاد، بل دوره يمكن أن يكون فقط في القيادة الانتقالية. كما اعتبر أنّ "النظام السوري بدأ ينظر إلى الأكراد كتهديد"، لافتاً إلى أنّ تركيا تستطيع العمل مع إيران، ودول الخليج، والولايات المتحدة، وروسيا بشأن حل في سورية، وأنّ الولايات المتحدة "شريك استراتيجي، وليست عدونا". وأضاف إلى أن "أزمة سورية تحوّلت إلى جرح عالمي"، داعياً إلى "الإسراع في اتخاذ خطوات لإنهاء هذه الأزمة، من دون إضاعة الوقت".

ويرى مراقبون أن تصريحات يلدريم لا تعني على الإطلاق حدوث تغييرات "جوهرية" في الموقف التركي الرسمي حيال الملف السوري، ولا تعني تخلي أنقرة عن دعم المعارضة، وإنما تأتي في محاولات تركية حثيثة لجسر الهوّة بين أطراف الصراع السوري للتوصل إلى حلول قابلة للاستمرار، تدفع باتجاه تحقيق الاستقرار في البلاد، ودرء أخطار من الممكن أن تؤثر على الأمن القومي التركي.

في هذا السياق، يرى الكاتب السوري عمر كوش أن "حديث بن علي يلدريم عن بقاء الأسد في مرحلة انتقالية يترجم التغييرات التي حدثت في السياسة التركية منذ نحو شهرين، ونتيجة التقارب مع روسيا، والتفاهمات الأخيرة مع إيران". ويعرب كوش، وهو متخصص في الشأن التركي، عن قناعته أن أنقرة "تسعى للقيام بدور نشط في الملف السوري"، مشيراً إلى قبول دور للأسد في مرحلة انتقالية يأتي من باب الأمر الواقع، "كونه طرفاً فاعلاً في الحرب ضد السوريين مع الجانبين الروسي والإيراني". ويوضح أن المواقف التركية الأخيرة بما فيها تصريحات يلدريم "لا تعني تخلي أنقرة عن دعم المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ولا تعني تغييراً في المسار الذي اتخذته تركيا حيال الملف السوري منذ بدء الثورة السورية".

ويشير كوش إلى أن أنقرة بدأت تتلمس خطراً على أمنها القومي من خلال بدء إنشاء كانتونات كردية على حدودها الجنوبية، لافتاً إلى أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا أثمرت عن تأكيدات موسكو بعدم دعمها قيام كيان كردي شمالي سورية.





من جهته، وفي ظلّ إصرار المعارضة السورية على موقفها الرافض لأي وجود للأسد في مرحلة انتقالية في حال التوصل لاتفاق سياسي، يؤكد الأمين العام السابق للائتلاف السوري المعارض، يحيى مكتبي، أن "تركيا دولة هامة ومركزية تعرضت لضغوط وتحديات كبيرة وبمستويات عدة، في الآونة الأخيرة، كانت ذروتها محاولة الانقلاب". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "تركيا تبحث عن مصالحها، ونحن نحترم المواقف التركية بما يخص الملف السوري، لكن هذا لا يعني أننا نتوافق معها". ويلفت مكتبي إلى أن مواقف المعارضة "تنبع من الواقع السوري المؤلم. لبشار الأسد سجل إجرامي أسود، وبقاؤه في مرحلة انتقالية يعد مشكلة قانونية وأخلاقية، ولا يمكن لأي مواطن سوري قبول بقائه في مرحلة انتقالية حتى لو كان بصلاحيات محدودة".

ويعتبر المسؤول المعارض أن الموافقة على بقاء الأسد "هي بمثابة استيلاد النظام، وإعطاء بشار الأسد صك براءة عن الجرائم التي ارتكبها طيلة سنوات بحق ملايين السوريين قتلاً وتهجيراً، فضلاً عن تدمير البلاد". ويلفت إلى أن بقاء الأسد في مرحلة انتقالية "يعني استمرار حالة الإرهاب التي يمثلها تنظيم داعش، ومليشيات طائفية ومرتزقة جاء بها الأسد إلى سورية بمحض إرادته لحماية سلطته. وارتكب هؤلاء المجازر بحق السوريين".

ويؤكد أنه لا يمكن التوصل إلى حل حقيقي قابل للتطبيق في ظل بقاء الأسد، متسائلاً: كيف يمكن الجمع بين حالة استبدادية يمثلها بشار الأسد مع ما ينشده السوريون من بدء صفحة جديدة في تاريخ بلادهم تقوم على الديمقراطية، والعدالة؟". ويبيّن أن "الأسد، طيلة سنوات الحرب، لم يقدم سوى المزيد من القتل، والحصار، وقتل السوريين، وتدمير بلادهم"، مشدداً على أن "أي حلول تقوم على بقاء الأسد في السلطة لا يمكن أن تنجح، وتعني طريقاً مسدوداً لا أمل منه".

ويعطي مكتبي مثلاً على عدم نجاح أنصاف الحلول ما حدث في اليمن، مشيراً إلى أن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي لم يقتل ويشرّد ويدمر مثلما فعل الأسد، وفق مكتبي، "عاد إلى المشهد اليمني من خلال التحالف مع الحوثيين عملاء إيران، فأغرق اليمن كله في حرب جلبت الدمار، والقتل"، مكرراً أنّ "المعارضة لن تقبل بأي حلول لا تستبعد الأسد عن السلطة".

وحافظت تركيا على مسار متوازن في دعمها للثورة السورية منذ أيامها الأولى، إذ فتحت حدودها للسوريين الذين فروا من بلادهم نتيجة الهجمة الشرسة من قبل قوات النظام، ومليشيات مدعومة من إيران، وصولاً إلى التدخل العسكري الروسي في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي. وتشير بعض التقديرات إلى وجود نحو ثلاثة ملايين سوري داخل الأراضي التركية. وحاولت الحكومة التركية على مدى سنوات التخفيف من فواجع الشعب السوري، لكن مبادراتها جوبهت برفض أميركي، خصوصاً لجهة إنشاء "منطقة آمنة" شمالي سورية، يمكن أن تستوعب عشرات آلاف المدنيين السوريين.

وبدأت أنقرة تستشعر خطراً كبيراً منذ بدء قوات كردية تتبع لحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)، في قضم المزيد من الجغرافيا شمالي سورية من المعارضة السورية، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبدعم مباشر من طيران التحالف الدولي. ولم يعد يخفي هذا الحزب نيته تشكيل إقليم مستقل على طول الشريط الحدودي مع تركيا يمتد من ساحل المتوسط حتى الحدود السورية العراقية. وعبرت القوات الكردية نهر الفرات غرباً، وتمكّنت من انتزاع السيطرة على مدينة منبج من التنظيم، وأعلنت نيتها التوغل غرباً في مسعى منها إلى ربط شطري الإقليم الكردي اللذين يفصل بينهما نهر الفرات، وهو ما يشكّل مصدر قلق بالغ لأنقرة التي تواجه تحديات داخلية وخارجية منبعها ما يجري داخل سورية.



المساهمون