الفشل يهدد اللقاء التشاوري الرئاسي بالجزائر: مقاطعة سياسية ومدنية

الفشل يهدد اللقاء التشاوري الرئاسي بالجزائر: مقاطعة سياسية ومدنية

22 ابريل 2019
يريد الحراك الشعبي تقرير مصيره (بلال بنسالم/Getty)
+ الخط -

يجد رئيس الدولة في الجزائر عبد القادر بن صالح نفسه محاصراً من كل الجهات، في ظلّ مواجهته عزلة شعبية بسبب مطالبة الحراك بتنحيه من منصبه ورحيله من المشهد السياسي، لكونه واحداً من رموز نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة. كما قوبلت دعوته لعقد لقاء تشاوري، اليوم الاثنين، مع القوى السياسية والمدنية والشعبية للتشاور حول الأزمة السياسية وإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/تموز المقبل، برفض سياسي ومدني واسع. مع العلم أن بن صالح وجّه دعوة إلى الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات المدنية ونحو 100 شخصية وطنية وخبراء وشخصيات مختصة في القانون الدستوري للمشاركة في هذه الندوة.

فقد أعلن 34 حزباً سياسياً من المعارضة والموالاة رفض المشاركة في الندوة السياسية المقررة اليوم. كما قرر قادة أبرز الأحزاب الجزائرية الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي مقاطعة الحوار مع بن صالح. في السياق، أعلن حزب العمال اليساري بقيادة المرشحة السابقة للرئاسة لويزة حنون، عدم المشاركة ورفض الحوار السياسي مع بن صالح، لكون حضوره السياسي "يمثل تصادماً مع الإرادة الشعبية"، وفق الحزب.

وأعلنت حنون في تسجيل مصور بثّته أمس أنها "لن تقبل المشاركة في أية خطوة سياسية يدعو إليها بن صالح"، مضيفة "نحن لا نعترف باللجنة التي سموها اللجنة الموسّعة. لا ندري من أين أتت بسيادتها في وقت لم يفوّضها فيه أي شخص. الشعب قال لهم (ارحلوا جميعاً) لذلك يجب أن يرحلوا". وسبق موقف حنون، إعلان رئيس الحكومة الأسبق، المرشح الرئاسي السابق، علي بن فليس، رفضه المشاركة في الندوة السياسية. ونشر بن فليس الذي يقود حزب طلائع الحريات، نص رسالة وجهها إلى بن صالح، وجاء فيها: "لن أشارك في المشاورات المقرر تنظيمها من طرف رئاسة الدولة"، معتبراً أن "هذه المشاورات تستبق الأحداث وهي خارج موضوع الساعة، كما أنها عكسية الجدوى، وهي محاولة يائسة أخرى لتجنب الاستجابة الفعلية لمطالب الشعب الحقيقية".

وجددت حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، رفضها المشاركة في الندوة. وقال القيادي في الحركة أحمد صادوق، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة لا يمكن أن تقبل بالحوار مع بن صالح، ومع من يمثل وجوده اعتداءً على الإرادة الشعبية. بن صالح يريد أن يمارس هواية تضييع الوقت، وأعتقد أن البلد في وضع ليس كذلك". ولفت إلى أن "لبن صالح تجربة سيئة في المشاورات السياسية. ففي عام 2012 قاد مشاورات لوضع خطة إصلاحات سياسية واتضح بعدها أنها كانت مجرد مسرحية".

بدوره، علّق التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أبرز القوى التيار الديمقراطي، بشكل ساخر على دعوة بن صالح، وقال رئيس الحزب محسن بلعباس: "وصلتني دعوة من رئاسة الجمهورية مؤرخة يوم 18 إبريل/نيسان الحالي وموقّعة من طرف أمينها العام العقبي حبة للحضور في لقاء تشاوري. هذه الرسالة المحمولة من طرف أحد عناصر الحرس الجمهوري على متن دراجة نارية، استغرقت أربعة أيام لتصل من مقر رئاسة الجمهورية الذي يبعد 4.8 كيلومترات". وأضاف "كيف لمؤسسة لا تستطيع أن توصل رسائلها المكتوبة في الوقت المحدد على مساحة 5 كيلومترات، أن تسيّر دولة كالجزائر؟ ارحلوا فنحن لا نعترف بأجنداتكم لأنكم في وادٍ والشعب في وادٍ".



من جهتها، وصفت جبهة العدالة والتنمية بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، الندوة، بـ"المشاورات الخادعة فدعوة رئيس الدولة المرفوض مرفوضة، ومناورة تستهدف القفز على مطلب الشعب في الرحيل الفوري لبقايا العصابة، وليس القفز على ذلك بفتح سلسلة مشاورات ومفاوضات غير مجدية". وأكدت حركة البناء الوطني على لسان رئيسها عبد القادر بن قرينة، رفض الحزب المشاركة في الندوة. وأضاف بن قرينة أن "الحوار بين الضحايا والجلادين الآتين من قاعدة الحكم التي سرقت أصوات الشعب طيلة 20 سنة، يصبح تعميقاً للأزمة".

وفي السياق، أعلنت أحزاب جبهة القوى الاشتراكية وحزب الاتحاد القوى الديمقراطية، بقيادة وزير الفلاحة السابق نور الين بحبوح، وجيل جديد، وحركة النهضة، والعدالة والحرية بقيادة وزير الاتصالات السابق محمد السعيد، مقاطعة ندوة بن صالح ورفض الحوار معه.

وبالإضافة إلى الأحزاب، أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية والمدنية المستقلة، مقاطعة ندوة بن صالح. ثلاثة منهم رؤساء حكومات سابقون، وهم مولود حمروش وأحمد بن بيتور ومقداد سيفي. وأفاد سيفي في بيان له أمس، أن "العمل الوحيد المنتظر من بن صالح، هو أن يستقيل من مهامه غير المبررة كرئيس للدولة، للسماح للشعب الجزائري باختيار يضمن انتقالاً حقيقياً إلى جمهورية ديمقراطية جديدة متخلصة من مستنقعات الأنظمة السابقة". كما قاطعت أبرز وجوه الحراك الشعبي كالناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي ومقران آيت العربي والناشط عبد الوكيل بلام، الندوة. وقال بلام لـ"العربي الجديد" إنه "من غير الممكن القبول بالمشاركة في ندوة ينظمها بن صالح فيما الشعب يطالب برحيله. لن نشارك أولاً لأننا لا نعترف ببن صالح، وثانياً لأننا لن نمنحه فرصة الحصول على تزكية سياسية لصالحه ولصفته السياسية".

لكن اللافت أن موجة الرفض والمقاطعة لمقترح السلطة، انتقلت على غير العادة أيضاً إلى مجموعة من الأحزاب السياسية الموالية، التي كانت داعمة بقوة ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات، التي كان مقررة في 18 إبريل الحالي. في هذا الإطار، التحقت الجبهة الوطنية الجزائرية بركب مقاطعي الندوة، معلنة رفضها الاستجابة لدعوة بن صالح. وأفاد بيان للجبهة، أن "انفراج الوضع القائم لا يمكن أن يكون بواسطة الرموز المرفوضة شعبياً".

وأعلن حزب التضامن والتنمية الذي كان يدعم بقوة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وحركة الحكم الراشد، رفضهما المشاركة في اللقاء التشاوري الذي دعا إليه بن صالح، فيما لم يكشف حزبا السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي موقفهما من الندوة.

برأي مراقبين فإن فشل ندوة اليوم، سيسحب الشرعية عن بن صالح وحكومته التي يقودها نور الدين بدوي، ويعزز موقف القوى السياسية والشعبية التي تطالب بالتنحي الفوري لبن صالح. وفشل كهذا سيوفّر للجيش الممسك بزمام المبادرة السياسية، كل المبررات لدفع بن صالح إلى مصيره السياسي المحتوم، وإجباره على التنحي من منصبه كرئيس للدولة، وحل حكومة بدوي، وتشكيل مجلس رئاسي وحكومة وطنية مستقلة تفتح الباب أمام حل سياسي للأزمة. مع العلم أن المؤسسة العسكرية أعلنت على لسان قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، مراجعة تمسكها بالحل الدستوري، مشيرة إلى أن "كل الآفاق مفتوحة أمام الحلول الممكنة".

في السياق، أكد المحلل السياسي مروان لوناس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "فشل بن صالح في مؤتمر اليوم يعنى أن الانتخابات التي دعا إليها في الرابع من يوليو المقبل لن تحصل. هناك عزلة سياسية عبر رفض تلبية الدعوة، وعزلة شعبية بدعوة بن صالح للتنحي ورفض الانتخابات. كما أن هناك بلديات ترفض أيضاً تنظيم الانتخابات، وهذا يسحب كل شرعية لبقاء بن صالح". وأضاف: "أتوقع أن تستخدم قيادة الجيش ذلك لدفعه للاستقالة مثله مثل بدوي، الذي لا يمكن لوزرائه القيام بزيارات ميدانية حتى".