هجمات "داعش" الارتدادية تُعقد الصراع المُحتدم شرقي سورية

هجمات "داعش" الارتدادية تُعقد الصراع المُحتدم شرقي سورية

03 أكتوبر 2017
تواصل الاشتباكات بين قوات النظام و"داعش" بديرالزور(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
دخل الصراع على البادية السورية مساراً جديداً إثر مباغتة تنظيم "داعش" لقوات النظام و"حزب الله" في عدة مواقع هامة في منطقة مترامية الأطراف تساعد مسلحي التنظيم على تفادي القصف الجوي، فيما يحتدم الصراع على محافظة دير الزور بين النظام السوري، المدعوم من روسيا وإيران، و"قوات سورية الديمقراطية" التي يدعمها "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة. وبموازاة ذلك، تم تشكيل مجلس سياسي لتأكيد الهوية العربية للمنطقة الشرقية التي تضم محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، في خطوة تهدف لمواجهة محاولات فرض أمر واقع على الأرض من قبل القوات الكردية في شرق سورية.

وتتواصل الاشتباكات في البادية السورية بين تنظيم "داعش" الساعي إلى استعادة مواقعه فيها متبعاً استراتيجية الهجمات الارتدادية، وقوات النظام وحلفائها، والتي تحاول صد تلك الهجمات. وأكد ناشطون محليون أن التنظيم سيطر بالفعل، مساء الأحد، على بلدة القريتين، جنوبي شرقي مدينة حمص، بعد حصار لم يطل سوى ليومين. وأشاروا إلى انسحاب قوات النظام منها بعد ستة أشهر من استعادتها من التنظيم الذي يتابع تحركه في محيط مدينة تدمر التي باتت مهددة من قبله. وذكروا أن مسلحي التنظيم يتحركون في مساحة جغرافية مترامية الأطراف، ما يصعّب مهمة سلاح الطيران في استهدافهم.

وكان مسلحو "داعش" تسللوا إلى بلدة القريتين في غفلة من قوات النظام التي دفعت بمعظم قواها إلى جبهات أخرى، لا سيما في ريف حماة الشرقي وفي مدينة دير الزور، شرقي سورية. وذكرت "تنسيقية مدينة تدمر" أن التنظيم يشن هجوماً مماثلاً على بلدة السخنة، شمال مدينة تدمر بنحو 50 كيلومتراً، مؤكدةً سيطرته على مواقع في القسم الشرقي من البلدة، فجر أمس الاثنين، على الرغم من القصف الجوي الكثيف من الطيران الروسي. وذكرت التنسيقية التي تضم ناشطين يتابعون ما يجري في البادية عن كثب، أن التنظيم قطع طريق تدمر - دير الزور، وطريق السخنة - تدمر، إضافة إلى طريق السخنة - الرقة. ومن المرجح أن تشهد البادية المزيد من التطورات العسكرية، إذ تحاول قوات النظام والمليشيات المساندة لها تدارك ما يجري من الاختراق المفاجئ الذي حققه "داعش"، والذي يهدد بتغيير مسار الصراع على البادية التي تشكل نصف مساحة سورية. ومن الواضح أن التنظيم اختار أن تكون البادية ملاذه في ظل الهجمة الكبيرة عليه في عموم سورية.


في غضون ذلك، تتواصل الاشتباكات في مدينة دير الزور وريفها بين التنظيم وقوات النظام، وبين التنظيم و"قوات سورية الديمقراطية" التي تتقدم من شمال شرقي المدينة وتريد السيطرة على منابع البترول. ولا تزال قوات النظام تحاول التقدم في دير الزور وريفها الشرقي القريب منها، إلا أنها تواجه بصد من مسلحي تنظيم "داعش" الذي يدافع عن أهم معاقله في سورية.

وأكدت مصادر محلية أن طيران النظام والطيران الروسي يرتكبان مجازر بحق المدنيين من خلال قصف عشوائي، مشيرةً إلى مقتل العشرات، بينهم أكثر من 40 طفلاً، خلال أيام. وأكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن طيران "التحالف الدولي" قتل منذ يومين، مدنيين في محيط مشفى عائشة وحي الجمعيات ومحيط ساحة الفيحاء وشارع الانطلاق بمدينة البوكمال على الحدود السورية - العراقية.

وتواصل قوات "مجلس دير الزور العسكري" التابع لـ"سورية الديمقراطية"، تقدمها في ريف دير الزور الشمالي الشرقي إثر سيطرتها، يوم السبت، على حقل الجفرة النفطي تحت غطاء جوي من قبل طائرات "التحالف الدولي". وتهدف هذه القوات للوصول إلى حقل العمر النفطي، شمال شرقي دير الزور، والذي يعتبر من أكبر حقول ومحطات التجميع في سورية. والسيطرة عليه تدفع باتجاه حسم المعارك في منطقة "الجزيرة"، شمال نهر الفرات، والتي باتت منطقة نفوذ "سورية الديمقراطية"، وهي الذراع البري لـ"التحالف الدولي" في سورية.

بيد أن خلافات داخل "مجلس دير الزور العسكري" تفجرت أخيراً، وربما تعصف به، وهو ما قد يلقي بظلاله على المعارك الدائرة منذ التاسع من الشهر الماضي، حين بدأت حملة "عاصفة الجزيرة" للسيطرة على ريف دير الزور الواقع إلى الشمال من نهر الفرات. وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "قوات سورية الديمقراطية" اعتقلت منذ يومين، القيادي في "مجلس دير الزور العسكري"، ياسر الدحلة، تحت حجة "عدم إطاعة الأوامر". وكانت مجموعة من قوات "النخبة السورية" التابعة للرئيس الأسبق لـ"الائتلاف الوطني السوري"، أحمد الجربا، قد انشقت أخيراً عن "قوات سورية الديمقراطية"، وانضمت إلى "مجلس دير الزور".

وبدأت المخاوف على مستقبل المنطقة الشرقية ذات الأغلبية العربية المطلقة تتجسد على شكل هيئات سياسية تنشط لتأكيد هوية المنطقة العربية على ضوء تحرك قوات النظام ومليشيات إيرانية، و"قوات سورية الديمقراطية" باتجاه دير الزور، وهي العمق لهذه المنطقة التي باتت بالكامل منكوبة. وعقد منذ عدة أيام في العاصمة المصرية القاهرة، ملتقى تشاوري للقبائل والقوى السياسية العربية في المنطقة الشرقية من سورية في محاولة للدفاع عن مستقبل ثلاث محافظات سورية هي الرقة ودير الزور والحسكة.

وذكر القيادي في "تيار الغد" السوري الذي دعا إلى الملتقى، محمد خالد الشاكر، أنه تم تشكيل "المجلس العربي في الجزيرة والفرات، ليكون تعبيراً سياسياً عن مصالح سكان المنطقة الشرقية في سورية". وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن أعضاء المجلس التقوا مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وطالبوا الجامعة بالقيام بواجبها تجاه هذه المنطقة السورية، وتأكيد وجهها العربي "والتي ترزح حالياً تحت معاناة شديدة، وتغييب وتدمير كامل، ما يهدد وضعها الديموغرافي، إذ نزح الكثير من أهلها بسبب المعارك التي تجري ضد تنظيم داعش"، وفق تعبيره.

وأشار الشاكر، وهو أيضاً أستاذ للقانون الدولي، إلى أن أدنى مقومات حماية المدنيين التي تضمنها القانون المدني الإنساني غير متوفرة في المعارك ضد تنظيم "داعش"، في الرقة ودير الزور. وأضاف أن "الناس يموتون تحت الأنقاض في المحافظتين". واعتبر أن إبعاد قوات "النخبة السورية" التي تضم مقاتلين من المنطقة الشرقية عن معارك الرقة ودير الزور هو "أمر بالغ الخطورة على مستقبل المنطقة". وأكد أن هذه القوات كانت تشكل ضمانةً للمنطقة، وأن وجودها فيها كان سيوفر وقاية من "أي صراع على أسس عرقية من المحتمل أن يندلع بعد القضاء على تنظيم داعش"، بحسب قوله.

ولا تزال الاشتباكات دائرة داخل مدينة الرقة بين ما تبقّى من مسلحي "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" التي أعلنت، أمس الاثنين، أنها صدت هجوماً للتنظيم على الريف الشرقي لمدينة الرقة وحي المشلب، شرقي المدينة. وأشارت في بيان، إلى أن المعارك استمرت ثلاثة أيام، ذاكرةً أن 100 من مسلحي التنظيم تسللوا من المناطق التي يسيطر عليها جيش النظام السوري ومليشياته على الضفة الأخرى لنهر الفرات، وفق البيان. وأكدت أن مسلحي التنظيم "قد موهوا أنفسهم بلباس قوات سورية الديمقراطية"، مضيفةً أن "الهدف من هذا الهجوم هو فك الحصار عن مرتزقتهم المحاصرين داخل أحياء الرقة وفتح ثغرة في الطوق المحكم عليهم"، بحسب بيان "قوات سورية الديمقراطية".

المساهمون