انتخابات البرلمان الأوروبي (3): كتل متشددة تسعى لتعزيز نفوذها

انتخابات البرلمان الأوروبي (3): كتل قومية متشددة تسعى لتعزيز نفوذها

25 مايو 2019
يضم البرلمان الأوروبي 751 نائباً (Getty)
+ الخط -
انتخابات البرلمان الأوروبي في دورته الحالية، 2019-2024، التي بدأت الخميس على أن تنتهي الأحد، ليست كسابقاتها. فمنذ الانتخابات الأخيرة في 2014 بات واضحاً أن الكتل البرلمانية، المشكلة من أحزاب أوروبية مختلفة، تعيش تنافساً قوياً، لا على المقاعد الـ751 فحسب، أو اتجاهات الشارع، بل وعلى المشروع الأوروبي برمته والمناصب القيادية، لأهميتها في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، على وقع أزماته المتعددة والمتراكمة مع متغيرات تلت آخر انتخابات.

ففيما اليسار و"الخضر" يتخذان من قضايا البيئة والتغيرات المناخية والمساواة الاجتماعية، أهم عناصر جذب للناخبين، يذهب اليمين المتطرف في القارة إلى استخدام التعصب القومي، عبر التشدد بمفهوم الدولة الوطنية واستعادة السيادة من يد بروكسل، بما يتضمنه ذلك من رفض للسياسات المشتركة حيال قضايا المهاجرين وغيرها، كأحد أهم الركائز لجذب الناقمين والممتعضين من الاتحاد الأوروبي وساستهم المحليين. 

وبينما كانت مختلف الاستطلاعات في أوروبا، التي تسبق الانتخابات الأوروبية ترجح تحقيق اليمين نتائج متقدمة على حساب باقي التيارات السياسية المشاركة في الاستحقاق، فإن فضحية نائب المستشار النمساوي (بمثابة نائب رئيس الحكومة) المستقيل هاينز كريستيان شتراخه، بعد ظهوره في فيديو يعود لعام 2017، مع امرأة يُعتقد أنها مرتبطة بشخصية روسية نافذة، وهو يناقش  احتمال تقديم مساعدات مالية له مقابل منحها مدخلاً لعقود حكومية مع النمسا، ينتظر أن تكون لها تداعيات على اليمين القومي المتطرف في كل أوروبا، وسط توقعات بأن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي لن تكون بمنأى عنها. 

ويترقب الناخبون في الدول الأوروبية النتائج لحسم النسب التي سيحصل عليها كل طرف وما إذا كان اليمين بمختلف توجهاته سيتمكن من الهيمنة على البرلمان. ويضم البرلمان كتلاً من مختلف الاتجاهات. وإلى جانب 8 كتل، تراوح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، فإنه يوجد بداخله نحو 17 عضواً "مستقلين"، بعضهم من المتطرفين في اليمين أو مجرد ممثلين كوميديين انتخبوا في 2014.

أهم الكتل الأوروبية

من أهم الكتل في البرلمان الحزب الشعبي الأوروبي، وتعتبر إحدى المجموعات السياسية القديمة، وتضم في صفوفها 217 برلمانياً من يمين الوسط. وهي تهيمن، حتى قبيل الانتخابات الحالية، على البرلمان الأوروبي. وعادة ما تؤثر هذه الكتلة في أهم المناصب الرفيعة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. تليها كتلة مجموعة الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية بـ189 نائباً من أعضاء الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في أوروبا. ومنذ انتخابات يونيو/ حزيران 2009 تشكلت كتلة "المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين"، لتحتل المرتبة الثالثة بـ74 برلمانياً. أما التحالف الليبرالي الديمقراطي، المعروف اختصاراً بـ"ألدي"، فيحتل المرتبة الرابعة بـ68 برلمانياً من ليبراليي دول القارة. وبانتخاب 52 عضواً استطاع اتحاد اليسار الأوروبي - الشمال الأخضر، أن يحتل المرتبة الخامسة في البرلمان، ويضم في صفوفه نواباً ينتقدون بشكل عنيف سياسات الاتحاد الأوروبي، الداخلية والخارجية. وجرى في انتخابات 2009 تأسيس كتلة أوروبا للحرية والديمقراطية المباشرة، وهي ذات توجه يميني، وتملك 45 عضواً من النواب التابعين لأحزاب أوروبية معارضة للاتحاد الأوروبي.


صراع الأجنحة

وتشهد القارة في سياق الصراع الأوروبي - الأوروبي، أخيراً، مأسسة وشرعنة لتحالف يميني متطرف، "فوق وطني"، كما يصفه خبراء وصحافيون في أوروبا، وبعناوين براقة تتعلق بـ"إنقاذ أوروبا". ولإنشاء هذا التحالف، جمع رئيس حزب "الرابطة" الإيطالي ماتيو سالفيني، في ميلانو أخيراً، ممثلين عن أحزاب أوروبية متشددة، بينهم زعيمة "التجمع الوطني" الفرنسي مارين لوبان، ما يعزز فرصه في تشكيل تيار نافذ وقوي داخل البرلمان الجديد. وبنشوء هذه التحالفات المتشددة، من اسكندنافيا شمالاً إلى ألمانيا وإيطاليا، بات البعض يعتبر أن الكتلة التقليدية في البرلمان الأوروبي، كتلة الحزب الشعبي، ستواجه تحديات وصراع نفوذ، فيما آخرون يرون فيها فرصة كبيرة، عبر حدوث تقارب وتعاون بين الكتلتين، إذ إن لهما اتجاهاً يمينياً.

والتحدي للمعسكر السياسي والحزبي التقليدي توسع ليصل حتى بريطانيا، السائرة نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ يبدو أن موجة الشعبوية تكسب على حساب الأحزاب التاريخية. فآخر الاستطلاعات المنشورة، في 12 مايو/ أيار الحالي، تشير إلى أن متزعم استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، نايجل فاراج، ربما يحصد حزبه "بريكست" أكثر من 30 في المائة من أصوات ناخبي المملكة المتحدة. هذا إلى جانب تقدم اليمين الشعبوي في ألمانيا وإسبانيا، وغيرها من الدول التي نافس فيها هذا اليمين المتطرف سابقاً الطبقة السياسية التقليدية. وفي الاتجاه ذاته، فإن الصراع على النفوذ في البرلمان الأوروبي يمكن تلمسه، قبل الانتخابات، في تراجع حزب "فيديز" المتشدد بزعامة رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان، عن دعم الألماني مانفريد فيبر كرئيس مفضل للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لرئاسة المفوضية الأوروبية، وكأنه ضرب على مفصل رئيس لتيار يمين الوسط في القارة. فتصرف أوربان، دون الإعلان عن خروجه من كتلة الأحزاب المحافظة في البرلمان الأوروبي، التي يتزعمها فيبر، يشي بأن المرحلة التالية ستشهد المزيد من الصراع داخل هذا البرلمان.

كما أن أوربان ينظر إلى النموذجين الإيطالي والنمساوي، المتشددين في العلاقة مع الاتحاد، خصوصاً في قضايا الهجرة، على أنهما الأفضل للقارة الأوروبية. وعليه لا يتردد أوربان، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية مطلع مايو/ أيار الحالي، في التعبير عن مفهومه لليمينية القومية المتعصبة، حتى قبل الزيارة التي قام بها إلى البيت الأبيض في 13 مايو الحالي للقاء الرئيس دونالد ترامب، فالأخير بالنسبة له "الأقرب والأكثر انسجاماً روحياً معه". وإلى جانب ترامب، يرى أوربان أن وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني "بطل وأهم رجل في أوروبا لوقفه تدفق المهاجرين"، وأن كتلة الأحزاب الشعبية المحافظة في البرلمان الأوروبي تتجه إلى "الانتحار".

ماتيو سالفيني، الذي يشير إليه بهذه الأهمية رئيس وزراء بلد عضو في الاتحاد الأوروبي، استطاع أخيراً أن يجمع أحزاباً تعارض أصلاً فكرة تعميق التعاون الأوروبي. فهو إلى جانب بعض أطراف تكتل "التحالف الأوروبي للشعوب والأمم"، الناشئ حديثاً، لديه أيضاً ميول روسية، بمعنى أنه يجد نفسه أقرب إلى الرئيس فلاديمير بوتين من قادة أوروبيين غربيين، كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اللذين يمقتهما سالفيني وأوربان باعتبارهما "محور ودينامو أوروبا"، بل يسعى أوربان إلى منع ألمانيا من الحصول على منصب دائم في مجلس الأمن. ومن الواضح أيضاً، وفق قراءات بعض الأوروبيين، أن المشاحنات الإيطالية الفرنسية، خلال العام الماضي ومطلع 2019، والتعارض الألماني - المجري، وإلى حد ما البولندي، ينظر إليه اليوم على أنه "نشوء محور ضد محور". فالمحور المقصود هو "الألماني - الفرنسي"، الذي يعارضه بشدة قادة اليمين المتشدد في روما وبودابست بالإضافة إلى أحزاب شعبوية في الشمال، خصوصاً لشخصية ميركل، بل وحتى اليمين المتشدد في "البديل لأجل ألمانيا"، الذي يرى أن برلين لا يجب أن تتحمل أعباء الاتحاد الأوروبي كما تفعل، متخذاً من قضية اللجوء في العام 2015 أحد الأمثلة على الأعباء المالية على الموازنات الأوروبية.

صراع على المناصب 

نفوذ الأحزاب المتشددة داخل دول الاتحاد الأوروبي، وانعكاس هذا الأمر بتقدمها في استطلاعات الرأي، لن يخفف منه تعهد المحافظ مانفريد فيبر بعدم تعاون كتلة الحزب الشعبي الأوروبي المحافظة، مع أحزاب أقصى اليمين، حين قال أخيراً إن "الحلول الوسط (التسويات) هي جوهر أوروبا، لكن الشعبويين والمتعصبين لا يعملون وفق الحلول الوسط". وأضاف "أود التعاون مع كل من يريد تعزيز الاتحاد الأوروبي، لكن سالفيني في روما وياروسلاف كاتشينسكي (زعيم حزب القانون والعدالة الحاكم) في بولندا لا يريدان ذلك". وتجنب فيبر ذكر أوربان ربما بانتظار دعم "فيديز" المجري له. ومن الواضح أن التعارض يتوسع بين رفض فيبر التقاء كتلة المحافظين مع الكتلة المتشددة الجديدة تحت عباءة تكتل مشترك في البرلمان المقبل، ومطالب أوربان وغيره في النمسا والدنمارك والسويد، وهي أمور ستجعل المراقبين يركزون أنظارهم، حتى الخريف المقبل، على ما سيجري تحت سقف البرلمان الأوروبي الجديد.

وبينما يحاول آلاف المرشحين الأوروبيين تعزيز حظوظهم بالوصول إلى عضوية البرلمان الأوروبي، يدور في الكواليس السياسية، لدى النخب والقيادات في أوروبا، نوع آخر من التنافس على أهم المناصب، خصوصاً رئاسة المفوضية الأوروبية. ففي الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل يغادر الرئيس الحالي جان كلود يونكر منصبه. ومن هنا تأتي أهمية محاولات الكتل البرلمانية تعزيز مواقعها للتأثير على المناصب المهمة. ويبدو أن "التسويات" هي التي يجري البحث عنها الآن، جنباً إلى جنب مع الحملات الانتخابية، للاختيار بين العضو في "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" الألماني، مانفريد فيبر، و"الاشتراكي الديمقراطي" الهولندي فرانس تيمرمانس لرئاسة المفوضية. فمعسكر يمين الوسط سيكون عرضة للابتزاز من تحالف سالفيني - لوبان الأوروبي، والمعجب به أوربان المحسوب على ذلك المعسكر.

(غداً: ستيف بانون والدور المشبوه لتفكيك أوروبا)