الأردن والانسحاب الأميركي من سورية: صمت القلِق أو المطمئنّ؟

الأردن والانسحاب الأميركي من سورية: صمت القلِق أو المطمئنّ؟

24 ديسمبر 2018
الانسحاب الأميركي من سورية يخلق تحديات أمنية للأردن (Getty)
+ الخط -
يمكن تفسير الصمت الأردني الرسمي إزاء الآثار التي قد تترتب على انسحاب القوات الأميركية من سورية، بطريقتين متناقضتين: قد يكون صمت القلِق، أو على العكس، صمت المطمئن بالكامل، وهو ما ذهب إليه مصدر أردني رفيع المستوى في الحكومة بقوله لـ"لعربي الجديد" إن قرار الانسحاب الأميركي يعود للولايات المتحدة، والحكومة الأردنية لا يوجد لديها أي تعليق على القرار، فالأوضاع على الحدود لم تعد مصدر خطر كبير كما كان الحال عليه في السابق، والجيش الأردني قادر على حماية حدوده والتعامل مع جميع المستجدات". هذا في الموقف الرسمي. لكن معطيات أخرى قد تذهب باتجاه تأكيد وجود قلق لدى عمّان ربما يكون مثلث الأضلع: من خطر عودة "داعش" من جهة، أو من خطر المليشيات المحسوبة على إيران من جهة ثانية أو من فلتان الحدود وما يأتي به من تحديات ليس أقلها تحول منطقة الحدود إلى ساحة تجارة أسلحة ومخدرات مثلاً.

يملك الأردن حدوداً مع سورية تمتد على مسافة 188 كيلومتراً، وهي كانت عصية على اختراقها أمنياً نوعاً ما، إذ إنه تم اختراقها في حالات محدودة جداً خلال السنوات الماضية. ويكمن التخوف الأكبر لدى الأردن من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة التنف، القريبة من المثلث الحدودي بين الأردن وسورية والعراق، وأن يؤدي هذا الأمر إلى قيام بعض المسلحين بالاستفادة من الأمر لزعزعة أمن الأردن. ويقول الخبير في الشؤون العسكرية، اللواء المتقاعد فايز الدويري، لـ"العربي الجديد"، إن "الأردن سيعاني بسبب انتشار التنظيمات والمليشيات المسلحة في جنوب سورية، خصوصاً التابعة لإيران وحزب الله"، موضحاً أن "المخاطر تتمثل بإدخال الأسلحة إلى الأردن، أو دخول أشخاص مسلحين لتنفيذ عمليات إرهابية، وأقلها خطراً المخدرات". ويضيف أنه "بعد تشديد العقوبات على إيران، فإن المليشيات التابعة إلى إيران، خصوصاً حزب الله، ستبحث عن مصادر للتمويل، والانسحاب سيزيد من مخاطر تهريب المخدرات، وربما سيكون هناك محاولة لجعل الأردن مقراً أو مُصدراً لهذه الآفة". ويوضح أن "القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية هي التي ستدفع الثمن، وعليها أن تكون على جهوزية عالية على مدار الساعة لمنع تسلل المسلحين، أو تهريب السلاح، أو إدخال المخدرات"، مشيراً إلى أنه "في حال أي تجاوز للمنظومة الأمنية ودخول مسلحين أو أسلحة، وحدوث عمليات إرهابية، فإن الشعب هو من سيدفع الثمن". وحول التسريبات عن وجود تفاهمات أميركية أردنية، يقول الدويري "لا يمكن الثقة بالولايات المتحدة، فهي لا تهتم إلا بمصالحها، وقد تتخلى عن حلفائها في أي وقت، وعلى الأردن أن يثق فقط بجاهزيته وقدراته الأمنية والعسكرية لحماية الأمن من أي خطر". واعتبر أن "أكبر الخاسرين من الانسحاب الأميركي هم الأكراد، الذين كانوا عبارة عن وسيلة لتحقيق غاية، والآن الولايات المتحدة تخلت عنهم، فيما السعودية ستكون ثاني الخاسرين"، مشيراً إلى أن "السعودية تعتبر أن إيران هي التحدي الرئيسي لها، وبعد هذا القرار سيزداد التغول الإيراني في سورية".

ويقول الكاتب والمحلل السياسي، حسن البراري، لـ"العربي الجديد"، إن "الانسحاب الأميركي كان مفاجئاً للجميع ويخلق تحديات أمنية للأردن"، معتبراً أن "الخطر الأكبر يأتي من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة التنف، التي ساعدت في حماية الأمن في الأردن خلال الفترة الماضية". ويضيف "سيقل تأثير الانسحاب الأميركي إذا كان تم عبر تفاهم مع روسيا والأطراف الأخرى، لكن الأمر سيتطلب المزيد من الحذر واليقظة من قبل الجهات الأمنية إذا كان الانسحاب مزاجياً". ويتابع "إذا صحت التسريبات المنشورة في الصحافة الإسرائيلية عن وجود تفاهمات روسية سورية سعودية أردنية، فإن هذا سيخفف من حدة الخطر الأمني". ويقول "إذا سيطرت القوات السورية على الجنوب، فهذا يجعل المخاطر أقل، خصوصاً أن العلاقات بين الأردن والنظام السوري شهدت المزيد من التقارب خلال الفترة الماضية، فيما اعتبر الوجود الإيراني وحزب الله خطرا أكبر على إسرائيل". ويعتبر أنه "ليس من مصلحة أي طرف اللعب بالأمن الأردني، سواء كانت سورية أو إيران أو غيرها من الدول ذات النفوذ في المنطقة"، مشيراً إلى أن "الحفاظ على استقرار الأردن مصلحة أميركية". ويتفق البراري مع الدويري على أن الأكراد هم الخاسر الأكبر من الانسحاب الأميركي من سورية.

ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية، الجمعة الماضي، عن مصدر أمني أردني، وصفته بأنه رفيع المستوى، أنّه أقرّ بالتوصّل إلى تفاهمات بين واشنطن وتل أبيب وعمان والرياض، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليعمل الجيش الروسي بموجبها على كبح جماح إيران و"حزب الله" في سورية بعد الانسحاب الأميركي من سورية. ويضيف المصدر الأردني للصحيفة الإسرائيلية أنّ التفاهمات بين بوتين وترامب هي التي أدت للإعلان عن انسحاب القوات الأميركية من سورية. كما نقلت الصحيفة عن مصادر أردنية، أمنية وسياسية، إنّه تبذل من وراء الكواليس جهود مشتركة، أردنية وإسرائيلية وسعودية، لتقليل أضرار القرار الأميركي، وتخفيف حجم "التهديد الآتي من سورية بفعل الوجود الإيراني، وحزب الله، وذلك بعد الإعلان الأميركي عن سحب القوات الأميركية من سورية". وبحسب المصادر الأردنية، فقد أكدت واشنطن للدول ذات الصلة، أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية ستكثّف، بشكل ملموس، التعاون الأمني مع إسرائيل والأردن والسعودية، لا سيما على مستوى الاستخبارات، كجزء من مواجهة الجهد الإيراني "لخلق ممر" من طهران حتى بيروت.