آخر جولة فنية لمفاوضات سدّ النهضة: ترقب مقترح السودان

آخر جولة فنية لمفاوضات سدّ النهضة: ترقب مقترح السودان

08 يناير 2020
عملية إنشاء السدّ تتقدم (فرانس برس)
+ الخط -
تأمل الأطراف المنخرطة في المفاوضات الفنية حول سد النهضة الإثيوبي في أن تكلّل الجولة الفنية الرابعة التي تعقد اليوم الأربعاء وغداً الخميس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بالنجاح في التوصّل إلى اتفاق نهائي بين مصر وإثيوبيا على كمية المياه الواجب تدفقها من السد في فترات الجفاف، من خلال "مصفوفة حسابية" لتحديد قواعد وإرشادات تقنية لملء وتشغيل السد، وتحديد معايير اعتبار حالة الجفاف، وتدابير تخفيف آثارها التي يتعين اتخاذها.

ولا يقتصر أمل التوصّل لحل على مصر وإثيوبيا وبدرجة أقل السودان فحسب، بل تأمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تسوية جميع المشاكل العالقة في اجتماع أديس أبابا، ليقتصر برنامج الاجتماع المقبل في واشنطن يوم 13 يناير/كانون الثاني الحالي على إعلان التوصل إلى اتفاق برعاية أميركية بمشاركة وزراء الخارجية والري للدول الثلاث، وبوساطة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، وحضور ممثلي البنك الدولي. كما تترقب دول أخرى كالصين وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، مستجدات التفاوض لحرصها على تأمين مصالحها في كلا البلدين المتنازعين، مصر وإثيوبيا، وهي الدول التي كانت القاهرة تطالبها بإلحاح بالضغط على شركاتها ومستثمريها العاملين بمشاريع إنشاء السد ومكوناته، وكذلك المتعاقدين مع الحكومة الإثيوبية لتدشين مشاريع تستفيد من إنتاج كهرباء السد في السنوات المقبلة.

وقالت مصادر في وزارة الري المصرية إنّ وزارة الري السودانية أبلغت القاهرة وأديس أبابا بأنّها ستقدّم في جولة التفاوض الرابعة والحاسمة مقترحاً وسطاً جديداً، في ظلّ الفشل في التوصل إلى اتفاق إلى الآن، وذلك على أمل النجاح في إيجاد حلّ نهائي يغلق الملف.

وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على مسار المفاوضات في الاجتماعات الفنية الثلاثة الأخيرة والاجتماع السياسي الفني في واشنطن الشهر الماضي، إلا أنّ الخلاف ما زال قائماً بين مصر وإثيوبيا حول نقطة أساسية واحدة، هي تحديد الرقم الذي إذا انخفضت عنه كمية المياه المتدفقة من السد، ينبغي إعلان حالة الجفاف واتخاذ التدابير الاستثنائية. إذ تطالب مصر بتمرير 40 مليار متر مكعب أثناء فترات الجفاف، وبالتالي اتخاذ التدابير الاستثنائية بوقف الملء إذا انخفض المنسوب عن هذا الحد، في حين تعرض إثيوبيا اتخاذ التدابير عند حدّ 35 مليار متر مكعب وتمرير هذه الكمية في فترات الجفاف.

وأسقطت مصر تماماً تمسكها السابق بوصول 49 مليار متر مكعب من المياه إلى بحيرة السد العالي، بصيغة واضحة غير ملتبسة، مما أعطى المفاوضات دفعة حقيقية، ودفعت وزير الري الإثيوبي سيلشي بيكيلي، الذي كان يعتبر من أصحاب المواقف المتشددة في الجولات الماضية، إلى إبداء مرونة غير مسبوقة، تتمثل في الإعلان عن الموعد الفعلي لبدء تخزين المياه في بحيرة السد الرئيسية.

وتعتبر مصادر حكومية مصرية أنّ هذا التنازل "كان ضرورياً لتحريك المفاوضات"، في الوقت الذي رأى فيه بعض المسؤولين والخبراء الفنيين المصريين "تنازلاً أكثر مما كان مفترضاً ومنتظراً، ويصبّ على المدى الطويل في مصلحة الإثيوبيين وحدهم".

لكن مصادر وزارة الري المصرية، رأت أنّ المقترح الجديد بالقياس على أساس فيضان النيل الأزرق، سيفتح الباب لاستفادة مصر ببواقي الفيضان، وذلك بعد استفادة إثيوبيا بالمياه المطلوبة لملء الخزان الرئيسي للسد، مع الابتعاد تماماً عن فكرة "المدة القطعية لزمن الملء الأول للخزان".

وسبق أن قالت مصادر "العربي الجديد"، إنّ الموقف المصري الجديد يطمح إلى الخروج من المفاوضات بأقل الخسائر الممكنة، وبأنّ إعادة النظر في بعض الثوابت السابقة، يرتبط بموضوعين أساسيين؛ الأول هو أن يتم الاتفاق على آلية ترشيد الحجز في فترات الجفاف فقط، وليس في فترات الفيضان والرخاء، إذ كانت تطالب مصر بأن يتم تحديد كميات المياه المحجوزة والكميات المسموح بمرورها من السد، عاماً بعام، من خلال آلية رقمية وكمية يتم تطبيقها استناداً إلى حجم الفيضان السنوي للنيل الأزرق، على أن يكون هناك خطة زمنية واضحة لملء السد يتم تطبيقها بصورة طبيعية في سنوات الفيضان، وأن تتفق الدول الثلاث على آلية معينة يتم اتباعها في سنوات الجفاف.

والأمر الثاني يتعلق بتحديد سلطة اتخاذ القرار وتطبيقه، إذ تمّ الاتفاق على أن تكون إثيوبيا هي الدولة المنوط بها تنفيذ هذه الآلية، مع استثناء يتمثّل بإعطاء الفرصة لكل من مصر والسودان للتدخل في سنوات الجفاف، لإدخال تعديلات على هذه الآلية بناء على اتفاق مشترك.

وأصدرت وزارة الري المصرية بياناً بعد جولة التفاوض الثالثة بالخرطوم أخيراً، قالت فيه إنّها تتمسك بتدفق 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق سنوياً، وهو متوسط إيراد النهر في أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد، استدلالاً بما حدث في الفترة بين عامي 1979 و1987.

في المقابل، قالت إثيوبيا إنها تتوقع التوصل إلى اتفاق بالنظر لحالة فيضان النيل في السنوات الحالية، مع تأكيدها على تمسكها بأنّ الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أنّ المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.

وسبق لمصدر إثيوبي تابع لـ"جبهة تحرير تغراي"، أحد مكونات التحالف الحاكم الحالي، والتي تجمعها علاقة متوترة سياسياً برئيس الوزراء آبي أحمد، أن قال في تصريحات لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، إنّ مسؤولين حكوميين في وزارة الطاقة ومشروع سدّ النهضة أبلغوا قيادات الجبهة بأنّ توليد الطاقة الكهربية من السد سيبدأ بصورة جزئية في يوليو/تموز أو أغسطس/آب 2021. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقبيل انطلاق الاجتماعات الفنية الحاسمة برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، صرح نائب مدير مشروع السد بيلاتشو كاسا، لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، بأنّ عملية الإنشاء تتقدم من دون أي تباطؤ "كما كان من قبل"، وأنه تمّ بالفعل الانتهاء من لوح الوجه الخاص بسد السرج، وهو سد الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار السد الرئيسي. وللحفاظ على سلامة تدفق المياه، تمّ إنجاز العمل في جانب المجرى ليصبح السد قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام، حيث سيضم السدّ ثلاثة مجار للمياه، بما في ذلك مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بتدفق أكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سد السرج.