المحاولة الأخيرة لماي: بريكست أمام البرلمان بلا أفق واضح

المحاولة الأخيرة لماي: بريكست أمام البرلمان بلا أفق واضح

17 مايو 2019
فشل ماي أدى لنمو القاعدة المؤيدة لموقف متشددي بريكست(Getty)
+ الخط -


في كل مرة تتقدّم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي باتفاقها للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، تستنفد فرصها في البقاء في منصبها، غير أنها تبقى مُصرة على رؤيتها للخروج، وهي تستعد مرة جديدة لطرح صفقتها أمام البرلمان البريطاني بداية شهر يونيو/حزيران المقبل.

وتعود ماي إلى البرلمان، على الرغم من تعثّر المفاوضات الثنائية مع حزب "العمال"، والضغوط الداخلية التي يحركها متشددو بريكست في حزبها "المحافظين"، والتي تطالبها بتحديد جدول زمني للاستقالة من منصبها. وعلى الرغم من تلقي الاتفاق ثلاث هزائم منذ بداية العام الحالي، وعدم وجود أي تعديل يُذكر على نصّه، تُصر ماي على طرح الاتفاق للتصويت أمام البرلمان، مجددة رهانها على أن البديلين المتاحين، عدم الاتفاق أو إلغاء بريكست، سيدفعان الأغلبية البرلمانية إلى دعم خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وتواجه ماي هذه المرة تحدياً حقيقياً من داخل حزبها "المحافظين"، في ظل النتائج المخيبة في الانتخابات المحلية التي جرت بداية الشهر الحالي، والتأجيل المتكرر لموعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي انعكس على مستوى تأييد الناخبين لـ"المحافظين". وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تخلي قواعد الحزب عنه، ونيّتهم التصويت لحزب بريكست، والذي تعهد بالخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو من دونه. وبالتالي سيكون التصويت المقبل حاسماً في مستقبل اتفاق بريكست، إذ قد يؤدي فشله إلى إزاحته عن الطاولة، وإبقاء الخيارات البريطانية بين خروج من دون اتفاق أو إلغاء الخروج.

بالتزامن مع ذلك، يضغط متشددو بريكست أيضاً على اللجنة المركزية لحزب "المحافظين" لتعديل قوانينه الداخلية، بما يسمح بالتصويت على الثقة في زعامة ماي للحزب. وكانت رئيسة الحكومة نجت من تصويت مماثل في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ووفقاً لقوانين "المحافظين"، فإنه لا يمكن طرح التصويت على زعامتها مجدداً لمدة عام كامل. لكن فشل ماي المتكرر أدى إلى نمو القاعدة المؤيدة لموقف متشددي بريكست، والذين يرغبون بالخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتحاد جمركي، وإن أدى ذلك إلى بريكست من دون اتفاق. وبينما كان الحزب قد رفض تعديل قوانينه في اجتماع سابق، كان الرفض مشروطاً بأن تحدد رئيسة الوزراء جدولاً زمنياً لتخليها عن منصبها. ولذلك فإن تحديد ماي موعد التصويت على اتفاق بريكست جاء استباقاً لمثولها أمام لجنة 1922 البرلمانية المحافظة، والتي تجمع نواب "المحافظين" في البرلمان، أمس الخميس، وبهدف أن تمنح نفسها المزيد من الوقت في منصبها.


لكن في ظل تدهور شعبية "المحافظين" إلى المرتبة الخامسة، وفقاً لاستطلاعات الرأي حول نيّة التصويت في الانتخابات الأوروبية، تواجه ماي مهمة صعبة في احتواء الغضب داخل حزبها. فعدد من قادة "المحافظين"، مثل مديره غراهام برادي، وسكرتيره المالي جيفري كليفتون براون، يصرون على أن تحدد ماي جدولاً زمنياً واضحاً لمغادرتها منصبها. بينما صرح عدد من نواب الحزب بنيّتهم مطالبتها بالاستقالة فوراً في حالة المماطلة. وكانت ماي قد قطعت وعوداً سابقة أمام نواب حزبها بالتنحي مقابل الحصول على دعمهم لصفقتها في البرلمان. وهو ما أكده متحدث باسمها هذا الأسبوع، عندما أعلن استعداد ماي لمغادرة داوننغ ستريت (مقر رئاسة الحكومة) فور إقرار اتفاق بريكست، والذي إن تم بداية يونيو، فقد يشهد تنحي ماي عن منصبها خلال عطلة البرلمان الصيفية المقررة منتصف يوليو/تموز المقبل. أما في حال فشل التصويت المنتظر، فقد تتنحى ماي من منصبها فوراً، خصوصاً أنها تنتظر تصويتاً رمزياً غير ملزم في 15 يونيو من قبل أعضاء الحزب بسحب الثقة منها.

وقال براون، في مقابلة تلفزيونية أمس الخميس، إنه كلما أسرعت ماي بالاستقالة من منصبها، تحسن وضع الحزب، مضيفاً "أعتقد أنه كلما طال الوضع الحالي، تضررت مصلحة البلاد أكثر، ولن يكون هذا في مصلحة المحافظين". وتابع "لا أعلم إذا كانت ستنجح (في التصويت المرتقب) أم لا، ولكني أعتقد أنه يتوجب عليها في الحالتين أن تحدد جدولاً زمنياً قصيراً لمغادرتها منصبها". وأكد أيضاً أنه في حال استقالة ماي في يونيو، فإن حزب "المحافظين" سينتخب بديلاً عنها قبل موعد مؤتمره السنوي العام المقرر الخريف المقبل، مشدداً على أن تعهد ماي بالاستقالة سيعزز بالتأكيد من حظوظ الحزب في الانتخابات الأوروبية المقبلة.

وكان اجتماع حكومي عُقد يوم الثلاثاء الماضي خرج باتفاق بين الوزراء على ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل موعد عطلة البرلمان الصيفية (التي تبدأ منتصف يوليو). لكن ماي اختارت طرح الاتفاق على التصويت في الأسبوع الذي تستضيف فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمناسبة الاحتفالات بذكرى الحرب العالمية الثانية. ولا تزال فرص نجاح التصويت ضعيفة، ما لم تدخل عليه تغييرات رئيسية. فقد أكد زعيم حزب "العمال" جيريمي كوربن، أنه لن يدفع حزبه لدعم اتفاق بريكست ما لم تخرج المباحثات الثنائية مع الحزب الحاكم باتفاق. كما أن الأحزاب البريطانية المعارضة الأخرى، مثل "الحزب القومي الإسكتلندي" و"الديمقراطيون الأحرار" وحزب "التغيير"، تدعم البقاء في الاتحاد الأوروبي، وتصر على وجود فقرة خاصة بإجراء استفتاء ثانٍ على بريكست، مقابل دعم اتفاق ماي. أما الحزب "الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي"، حليف المحافظين في ويستمنستر، فيرفض الاتفاق ما لم تتقدّم ماي بتعديلات حقيقية حول مشكلة خطة المساندة، والتي تُعدّ أيضاً محور رفض متشددي بريكست في حزب "المحافظين" لاتفاق زعيمتهم.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال المباحثات الثنائية بين "العمال" و"المحافظين"، والتي بدأت بعيد الهزيمة الثالثة لاتفاق ماي لبريكست في البرلمان، مستمرة هذا الأسبوع، مع وجود موعد التصويت المقبل في البرلمان كموعد نهائي لها. كما كانت ماي قد اجتمعت بكوربن يوم الثلاثاء بهدف ضخ المزيد من الحيوية في المفاوضات بين الحزبين للتوصل إلى تسوية تتمكن من خلالها من تحقيق الأغلبية العددية في البرلمان وبدعم من نواب المعارضة. إلا أن متحدثاً باسم كوربن لخّص مخاوف "العمال" في عدم قدرة ماي على الوفاء بأي من التعهدات التي قد تقطعها في المفاوضات الثنائية، خصوصاً في ظل احتمال مغادرتها منصبها ورفض المرشحين المحتملين لخلافتها الالتزام بأي تعهّدات تقطعها، وأهمها عضوية دائمة في الاتحاد الجمركي. كما كان وزير المالية في الحكومة العمالية المعارضة جون ماكدونيل أكد تصريحات المتحدث باسم كوربن، بالقول إنه تصعب رؤية كيف سيقدّم "العمال" التنازلات، بينما يستعد الوزيران السابقان بوريس جونسون ودومينيك راب للتخلي عن أي اتفاق ثنائي. وأضاف ماكدونيل أن "الاتحاد الجمركي أساسي جداً لنا، ولا نزال بعيدين جداً عما نريد". وكان 14 من الشخصيات الرئيسية في "المحافظين"، وعلى رأسهم المرشح الأقوى لخلافة ماي، بوريس جونسون، قد بعثوا برسالة إلى رئيسة الحكومة الإثنين الماضي حذروها فيها من أن الموافقة على الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى نفور "القاعدة الوسطية" من ناخبي الحزب.

وفي بروكسل، قدّم كبير المفاوضين البريطانيين أولي روبنسون، إلى نظرائه الأوروبيين، نسخة عن النقاط التي تم التوافق عليها في المحادثات الثنائية، والتي قد يتم التصويت عليها بداية الشهر المقبل. وتشمل هذه النقاط اتفاقاً أولياً على الدور الذي سيؤديه البرلمان البريطاني في المحادثات التجارية المستقبلة والتعهدات الخاصة بالنواحي الاجتماعية والبيئية التي يطالب بها "العمال". لكن الورقة البريطانية لا تزال تعكس انسداد أفق التوافق الداخلي على القضايا الخلافية الرئيسية مثل الاتحاد الجمركي أو الاستفتاء الثاني.

المساهمون