إغلاق أكاديمية سعودية بألمانيا: خطوة لإبطال تهمة "دعم التشدد"

إغلاق أكاديمية سعودية بألمانيا: خطوة لإبطال تهمة "دعم التشدد"

02 سبتمبر 2016
لقاء الجبير نظيره الألماني في مايو الماضي(جون ماكدوغل/فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت المملكة العربية السعودية إغلاق أكاديمية الملك فهد في مدينة بون الألمانية، ووقف بناء فرع الأكاديمية في برلين، والذي شُرع في بنائه منذ فترة ليست بالقصيرة. ويأتي ذلك في الوقت الذي تعرضت فيه المملكة لانتقادات واسعة من السياسيين والإعلاميين الألمان في ما يتعلق بـ"نشر السلفية" في العالم، وتحديداً في ألمانيا. ولم توضح الرياض سبب إغلاق الأكاديمية، إلا أن سفير السعودية في برلين عواد العواد، أكد أن نظام التعليم الألماني متقدم ولا حاجة للأكاديمية، وأن الخطوة تتوافق مع "النهج الإصلاحي" في السعودية.

وأعلن متحدث باسم السفارة السعودية في برلين نبأ إغلاق الأكاديمية، في تصريح لصحيفة "تاغس شبيغل" المحلية. وأوضح السفير السعودي في برلين، خلال تصريح لصحيفة "فرانكفورتر ألغاماينه تساتونغ"، الألمانية، أنه من غير الضروري "أن تموّل السعودية مؤسسات تعليمية في ألمانيا"، معتبراً أن النظام التعليمي في ألمانيا من الأنظمة المتفوقة عالمياً. وأضاف أن هذه الخطوة تأتي في إطار "مشروع رؤية 2030 الإصلاحي والذي يتضمن إصلاح التعليم".

ومن غير الواضح ما إذا كانت الخطوة السعودية تأتي استجابة لضغوط ألمانية سرية لإغلاق الأكاديمية، ووقف دعم المساجد في ألمانيا بسبب تُهم تتعلق بنشر التطرف على الرغم من عدم ثبوت صلة بين المراكز الممولة خليجياً في الخارج والعمليات الإرهابية. لكن الخطوة، وفقاً لمراقبين، قد تأتي في إطار الانتقادات المتكررة التي تُوجّه إلى السعودية، باعتبارها تدعم نموذجاً متشدداً للإسلام. هذه الانتقادات التي ترددت كثيراً في أروقة السياسة الألمانية خلال العامَين الماضي والحالي.

انتقادات متكررة
وحذّر نائب المستشارة الألمانية، زيغمار غابرييل، العام الماضي، من "التمويل السعودي للتطرف الديني في ألمانيا"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن "التغاضي عن هذه الأعمال قد انتهى". واعتبر غابرييل أن السعودية تموّل "مساجد وهابية يأتي إليها إسلاميون، وتشكل خطراً على ألمانيا". وطالب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر في ألمانيا، أنطوان هوفرايتر، وهو من أبرز منتقدي السعودية، العام الماضي، بـ"فرض عقوبات اقتصادية" على المملكة، بسبب "دعمها الإيديولوجيا الإسلامية بأموالها في جميع أرجاء العالم".

هذا النقاش حول دعم السعودية للمراكز الإسلامية والمساجد في ألمانيا حظي بردود فعل أخرى في الداخل الألماني، ومن الحكومة ذاتها. وأشاد وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، بالدور الذي تقوم به الرياض في مواجهة الإرهاب، واصفاً دورها بـ"الأساسي". كما أكد، في وقت سابق، أن هناك حاجة إلى "دعم العالم الإسلامي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واستئصال إيديولوجيتها"، كما أشاد بالتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والذي أعلنت عنه السعودية نهاية 2015. ولا يتهم الألمان عادة السعودية وحدها بتمويل نموذج متشدد من الإسلام، بل وُجهت اتهامات مشابهة إلى تركيا، باعتبار أن الأموال التي تدعم نشاطات دعوية تؤثر بشكل واضح في ألمانيا بسبب الجالية التركية الكبيرة هناك.

دعم السلفية عالمياً

تدعم دول خليجية بصورة علنية، وفي مقدمتها السعودية، نشاطات إسلامية حول العالم لم ترتق لتصبح بمثابة "قوة ناعمة" لهذه الدول بالمعنى السياسي. وعادة ما يُعزى إلى السعودية نشر السلفية في العالم من خلال ثلاثة طرق: الأولى تتمثل في تمويل الحكومة السعودية والأفراد للمشاريع الدعوية من مراكز إسلامية ومساجد بشكل مباشر. والطريقة الثانية، من خلال المنح الأكاديمية التي تعطيها السعودية للمسلمين في كافة دول العالم للدراسة في الجامعة الإسلامية بمدينة مكة، والتي تعزى لها، منذ الستينيات، أدوار كبيرة في نشر السلفية في العالم. أما الطريقة الثالثة، والتي تؤثر بعدد قليل من الدول، فهي من خلال الوافدين للعمل في السعودية من العالم الإسلامي، والذي يعودون إلى بلدانهم في كثير من الأحيان وقد اكتسبوا ثقافة إسلامية مختلفة عن السائدة في بلدانهم.

بينما تستحيل السيطرة على النموذج الثالث، إلا أن الأول وهو دعم المراكز الإسلامية والمساجد في العالم شهد تراجعاً كبيراً منذ أحداث سبتمبر/ أيلول 2001. وتم إغلاق بعض الجمعيات الخيرية السعودية النشطة حول العالم، أشهرها جمعية الحرمين الخيرية، والتي اتهم مؤسسها ومديرها عقيل العقيل، بتمويل الإرهاب، تمت تبرئته منها لاحقاً، كما تم إسقاط التهم عن الجمعية في الولايات المتحدة.

ولم تكن الانتقادات الموجهة إلى السعودية، أخيراً، حكراً على ألمانيا أو المجالات الإعلامية والأكاديمية، لكن انتقلت الموجة إلى الولايات المتحدة التي لا يشكل فيها المسلمون إلا نسبة ضئيلة جداً من السكان. وانتقد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ما اعتبره "قضاء على التعددية داخل الإسلام"، مستشهداً بانتشار السلفية في المجتمع الإندونيسي حيث نشأ. الاتهامات ذاتها وجهها إلى السعودية الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، الذي عاد وتراجع عن وصف السعودية بدعم التشدد، وإنهاء التعددية داخل الإسلام، بعد زيارته إلى المملكة، العام الماضي، متحدثاً عن رؤيته لجيل جديد في السعودية، وصفه بـ"المختلف".

تحوُّل سعودي؟
من الصعب القول إن السعودية، والتي تعتبر نفسها قائدة للعالم الإسلامي، ستوقف دعمها للأنشطة الدعوية حول العالم، ولا سيما الدول الإسلامية استجابة للاتهامات بدعم التشدد، خصوصاً أن هذه الانتقادات لم تترجم إلى تهم جنائية بشكل محدد، لأشخاص تابعين للتجمعات الإسلامية في أوروبا على سبيل المثال القريبة من السعودية أو دول الخليج.

لكن منذ أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 تراجع الدعم السعودي للأنشطة الدعوية حول العالم، كرد فعل لمحاولة الحكومة السعودية ضبط التمويلات المالية التي تُدفع عن طريقها. فأصبح جمع التبرعات في الداخل والتحويلات المالية إلى خارج المملكة تخضع لضوابط صارمة، وتدقيق حكومي عالي المستوى، ما يعني أن تدفق الأموال لم يعد كما كان قبل أحداث سبتمبر.
وتحدث مسؤولون سعوديون مع نظرائهم الأميركيين حول هذه النقطة، كما نشرت بعض وثائق "ويكيلكس" المسربة، إذ اشتكى السعوديون من أن التضييق على الأنشطة الخيرية السعودية في العالم، أعطى المجال للإيرانيين لتعبئة هذا الفراغ الذي صنعه تراجع الرياض في المجال الخيري.

ويرى مراقبون أنه من المستبعد أن تقوم المملكة بإيقاف دعم كافة الأنشطة الخيرية في الخارج والتي تشمل دعم مساجد ومراكز إسلامية، لكن ما بدأته الرياض بخصوص الرقابة المالية والتدقيق على الأنشطة الدعوية والمالية المتعلقة بها ستزداد خلال الفترة القليلة المقبلة. وهناك مؤشرات عديدة على زيادة التدقيق الأمني على الأموال التي توجه إلى الأنشطة الدعوية الإسلامية. ففي يونيو/ حزيران الماضي، أُلغيت في مدينة ميونخ الألمانية خطط بناء مركز إسلامي بسبب عدم توفر أموال للمشروع. وكان هناك متبرع من السعودية قد وافق على دفع 3 ملايين يورو للمشروع (كلفته 4.5 ملايين يورو)، لكنه عاد لاحقاً وأعلن إلغاء تبرعه لأسباب مجهولة، لكن قطعاً إن ذلك له صلة بالنقاش الجاري حول دعم السعودية لما يُوصف بـ"التشدد الإسلامي".