الجزائر: هاجس النظام السابق يؤرق السلطة

الجزائر: هاجس النظام السابق يؤرق السلطة

20 ابريل 2020
استراحة للحراك الجزائري بسبب كورونا (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -
لا يزال الهاجس من رموز النظام السابق في الجزائر، ومجموعاته المالية المتحالفة مع شبكات سياسية وإدارية تخترق الدولة في مستويات متعددة، وسط مخاوف من تحالفاتها الأجنبية أيضاً، يُلقي بظلاله على تفكير عدد من كبار المسؤولين السياسيين في البلاد. وكشفت سلسلةٌ من التصريحات هذا الهاجس، لتطرح أسئلة عما إذا كانت مخاوف السلطة السياسية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس عبد المجيد تبون، من تأثيرات "الفلول"، مبنيةً على معطيات، خصوصاً أن هذا الهاجس يتزامن مع سلسلة تغييرات مسّت قادة في الأجهزة الأمنية، يُعتقد أنهم جزء من تحالفات النظام السابق، أم أنها مجرد خطابٍ سياسي يبحث عن إرضاء الرأي العام. آخر تصريح في هذا السياق أطلقه المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بلعيد أمحند أوسعيد، الذي قال في حوار للتلفزيون الجزائري الرسمي، إن قوى محسوبة على النظام السابق لا تزال تطمح إلى استعادة السلطة باستخدام المال، مضيفاً أن "رجال المال الفاسد لا يزالون يبثون سمومهم، ولديهم أمل في استعادة السلطة". ولفت أوسعيد إلى أن هذه الأطراف "تحاول استغلال أزمة الثقة العتيقة بين السلطة والمواطن"، مضيفاً أنها "موروثة من تصرفات من النظام السابق، وهناك من يريد أن يستثمر فيها، من خلال افتعال مشاكل واحتجاجات وأخبار كاذبة، من أجل استدراج الدولة إلى أمورٍ هامشية، وتضييعها للوقت على حساب تنفيذ برامج". وأشار المتحدث الرئاسي إلى أن "قطار الجزائر الجديدة انطلق، وبقوة، ولن يتوقف إلا في المحطة التي يختارها قائده"، معتبراً أن "من يريد أن ينصهر في الجهد، فهذه فرصة الجميع لخدمة الوطن، ومن يريد تفويتها ويمنع الشعب منها، فليتحمّل مسؤوليته أمام التاريخ".

وقبل تصريحات المتحدث باسم الرئاسة، كان الناطق باسم الحكومة الجزائرية، وزير الاتصال عمار بلحمير، أكثر وضوحاً، حين اتهم في حوار نشرته وكالة الأنباء الرسمية، من وصفهم بـ"فلول النظام السابق"، بمن فيهم الموجودون في السجن من المسؤولين في نظام عبد العزيز بوتفليقة، ومجموعات مرتبطة به، بالسعي إلى تنفيذ خطة انقلاب على الحكم، بالاعتماد على الأموال التي نهبت من المقدرات العامة. وقال بلحمير إن "جمع الأموال غير المشروعة وبلا حدود من طرف العصابة وأذنابها داخل حتى مؤسسات وأجهزة الدولة، وعلى جميع مستويات القرار، يعطي لهذه القوى قدرة على الإيذاء، وهي القدرة التي لم يتم إلى حد الآن احتواؤها". واعتبر بلحمير أن "هذه القوى، ومن وراء القضبان، وتلك الفلول، تعتزم استرجاع الحكم من خلال تمديد المسيرات إلى الأيام المتبقية من الأسبوع (يشير إلى حراك السبت) حيثما أمكن تنظيمها، مرتكزة في ذلك على شعارات معادية للمؤسسة العسكرية ولمصالح الأمن، واستهداف النظام العمومي والمؤسسات والاستقرار والسيادة الوطنية".

في هذا التصريح، أشار الوزير بلحيمر بوضوح إلى إمكانية تورط رموز من نظام بوتفليقة، أمنيين وسياسيين ورجال أعمال يوجدون في السجون، سواء في دعم حركات أو تمويل فعاليات احتجاجية. وفيما يُعتقد أنه حديث مبني على معلومات وتقارير أمنية، أكد بلحيمر أن "شراذم مافيوية للنظام البالي، متحالفة مع تنظيمات غير حكومية معروفة في جنيف أو في لندن، وفلول الفيس المحل (الجبهة الإسلامية للإنقاذ، المحظورة منذ مارس/ آذار 1992)، تعمل دون هوادة في مواقع مختلفة، بما في ذلك من وراء القضبان للتحريض على العصيان المدني والفوضى واللجوء إلى العنف".


اتهامات السلطة السياسية الجديدة لرموز النظام السابق بالسعي لإحداث البلبلة في البلاد، وعرقلة مساعي الإصلاح السياسي للرئيس عبد المجيد تبون، كانت بدأت بتصريح في العاشر من مارس/ آذار الماضي لرئيس الحكومة عبد العزيز جراد، في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الجزائرية، وتحدث فيه عما وصفها بـ"تلاعبات سياسية مفضوحة لقوى تنتمي إلى العهد السابق، تحاول تقسيم أبناء البلد والمساس باللحمة الوطنية للشعب الجزائري"، مشيراً إلى أن هذه الأطراف تعمل على تأجيج ما يعتبرها مظاهر "الاحتلال المبالغ فيه للفضاءات العامة"، في إشارة إلى استمرار تظاهرات الحراك الشعبي قبل تعليقها في 20 من الشهر الماضي بسبب أزمة وباء كورونا.

أكثر المحطات السياسية والإعلامية التي برزت فيها أيادي النظام السابق، ظهرت بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي؛ فخلال الحملة الانتخابية، تعرض تبون، كمرشحٍ، لحملة سياسية وإعلامية من قنوات تلفزيونية (مثل "النهار") وصحف موالية كانت تمثل الذراع الإعلامية لنظام بوتفليقة، وأمنيين نافذين وبتمويل من أموال الكارتل المالي، اتهمته بتمويل حملته الانتخابية من أموال بارون خمور، وتم خلال الفترة نفسها السعي لتوريط نجله خالد في قضايا تخص بارون المخدرات الموقوف كمال شيخي الذي قضى فترة في السجن (خالد تمّت تبرئته قبل شهرين). وكان لافتاً، بحكم الترابط القائم سابقاً بين الأذرع الإعلامية والأمنيين النافذين وممولين آخرين، أن حملة رموز النظام تستهدف التأثير على الناخبين. وخلال الأيام الأخيرة التي سبقت التصويت، سعى رئيس الحكومة السابق نور الدين بدوي (عيّنه بوتفليقة قبل استقالته بيومين)، ومدير الأمن الداخلي المقال واسيني بوعزة، ومجموعات سياسية موالية كحزب "جبهة التحرير الوطني" لدعم مرشح "التجمع الديمقراطي" وزير ثقافة بوتفليقة لسنوات، عز الدين ميهوبي، والضغط على المسؤولين المحليين لتوجيه الانتخابات لصالح الأخير وقطع الطريق على تبون، باستخدام أموال "الكارتل" أيضاً، ما دفع رئيس اللجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات محمد شرفي إلى الإعلان أنه يتعرض لضغوط.

بالنسبة لتبون، فإن هذه المحطات مؤشر على استمرار قدرة النظام السابق على التأثير، على الرغم من أن أكثر من 28 وزيراً من وزراء بوتفليقة ومجموعة كبيرة من الأمنيين والعسكريين من رموز النظام يوجدون في السجن، إضافة إلى أن قادة الأحزاب السياسية الأربعة الموالية لبوتفليقة في السجن أيضاً، وهم جمال ولد عباس ومحمد جميعي، الأمينان العامان لحزب "جبهة التحرير الوطني"، وأحمد أويحيى الأمين العام لـ"التجمع الديمقراطي"، وعمار غول رئيس حزب "تجمع أمل الجزائر"، وعمارة بن يونس رئيس "الحركة الشعبية". غير أن السلطة السياسية الجديدة تعتبر أن شبكات النظام السابق لا تزال تخترق مستويات متعددة في الدولة، بسبب ارتباط المصالح في ما بينها، وهو ما يدفع تبون والمسؤولين في السلطة الحالية إلى إثارة وتبني خطاب التحذير من عودة النظام السابق، على طريقة ما حدث في مصر عام 2013.

يعتقد المحلل السياسي محمد ملال أنّ تبون بنى خطابه السياسي على القطيعة، ولديه تراكم في علاقته بالمجموعات النافذة من خلال أزمته مع الكارتل المالي الذي أطاحه من رئاسة الحكومة بعد شهرين فقط من تعيينه، وهو ما دفعه أخيراً إلى بدء تنفيذ خطة إعادة هندسة الأجهزة الأمنية الأكثر تأثيراً في المشهد السياسي والإعلامي، واستبعاد مسؤولين في بعض المؤسسات والإدارات محسوبة على النظام السابق.

ويؤكد ملال، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تبون والسلطة الحاكمة تشعر الآن بوجود مخاطر، ولا تريد فتح مجالاتٍ للتساهل مع رموز النظام السابق، لأنها تدرك أن لها قدرة على الفعل بسبب استمرار الترابط بين الشبكات النافذة وتوفر عنصر المال، لكن من المبكر الحكم ما إذا كانت السلطة تستخدم هذا الخطاب أيضاً لصناعة خصم وهمي وإقناع الرأي العام بمشاريعها السياسية لسدّ كل منافذ عودة النظام السابق وتحصين الجزائر الجديدة".

هذا الخطاب السياسي الذي يدفع به رجالات الحكم، يتبنّاه الرأي العام أيضاً، إذ تخوض كل القوى السياسية والمدنية الملتزمة بالمشروع الديمقراطي وبمطالب الحراك الشعبي منذ فبراير/شباط 2019، معركة ضد النظام السابق والسعي لإحداث قطيعة معه ومع ممارساته ورموزه. ويؤمن كثير من المحللين بوجودٍ فعلي لرموز النظام السابق وسعيها للعودة إلى المشهد. لكن آراء أخرى تعتبر أن هناك صراع مجموعات حُكم أكثر منه صراع نظامٍ سابق وحالي. وبحسب الناشط في الحراك الشعبي، نور الدين خدير، فإن "مجموعات النظام السابق ما زالت قوية ونافذة، ولذلك فإن كثيراً من الجزائريين يعتبرون أن النظام الحالي هو استمرار للسابق، وأن التغيير لم يحدث، وهذا يقود إلى الحديث عن صراع مجموعات الحكم أكثر من صراع بين نظامين، لأن السلطة الحالية لم تعلن عن إشارات جدية تميّزها من حيث الممارسة عن مجموعة الحكم السابقة".