العراق: أزمات "تحالف القوى" تكشف هشاشة "البيت السني"

العراق: أزمات "تحالف القوى" تكشف هشاشة "البيت السني"

09 اغسطس 2016
مستقبل زعامة الجبوري رهن تجاوزه لأزمة البرلمان العراقي(زياد محمد/الأناضول)
+ الخط -
تتغيّر خريطة تحالفات ما يسمى "البيت السني" في العراق بشكل دراماتيكي هذه الأيام، على وقع الأزمة المستفحلة بين كل من رئيس البرلمان سليم الجبوري ووزير الدفاع خالد العبيدي. وعلى وقع الأزمة الحالية، تتجذّر الخلافات الداخلية، والأزمات المتتالية التي تعصف بـ"تحالف القوى العراقيّة"، الذي يضم معظم الأحزاب والتيارات العربية السنية المشاركة في العملية السياسية. وتسبب المخاض العسير بين مختلف القوى التي يتكون منها هذا التحالف، بتقارب كتل كانت متباعدة في السابق، وبتباعد أطراف سبق أن كانت في خندق واحد. ولا يلوح في الأفق أي مؤشر على أن هذا التحالف سيتمكن من تجاوز انقساماته، ما يعني أن القوى التي يغلب عليها الطابع السنّي لن تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في أبريل/نيسان 2018، موحدةً.

ويشكل الصراع على الزعامة بين قادة "تحالف القوى"، العامل الأكثر خطورة في ما يتعلق بوحدة التحالف. هذا ما تظهره محاولات الدفع باتجاه إقالة أحد أبرز قادة التحالف، سليم الجبوري، من منصبه كرئيس للبرلمان العراقي. ويقف وراء تلك المحاولات رئيس البرلمان السابق، أسامة النجيفي، الذي يحاول إفشال الأول مستغلاً أزمة مجلس النواب الأخيرة.

وعلى الرغم من صعوبة الأزمة الداخلية التي يعانيها التحالف، إلا أن أخطرها يتمثل بالضربات الخارجية التي يتلقاها من الكتل الأخرى، التي انتهزت فرصة الانقسامات داخله، وتمكنت من استقطاب عدد من نوابه ووزرائه إلى صفوفها، لترسم بالتالي ملامح تكتل سنّي جديد يعمل وفق أجندات ملائمة للتحالف الوطني ذي الغالبية الشيعية المتحالف مع إيران. هكذا يتكرّر مشهد اختراق رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، للكتل السنيّة وكسب تأييد عدد من نوابها، كما حصل سابقاً مع "جبهة التوافق". وكان المالكي قد نجح بضم عدد من هؤلاء النواب إلى كتلته النيابية، ليكونوا أكبر المدافعين عنه. لكن هذه المرة، يعتمد خصوم "تحالف القوى العراقية" استراتيجية تهدف إلى تعزيز الانشقاق في صفوفه، إذ إنّ أنصار المالكي لم ينضموا إلى كتلته بشكل معلن، بل حافظوا على عضويتهم في "التحالف"؛ والغاية منْ ذلك تتمثل في تعميق الانقسام منَ الداخل، وتشكيل كتلة "سنية" جديدة تخوض الانتخابات بمواجهته. وبات المشهد العراقي إذاً أمام توجهين للتحالفات في "البيت السني". التوجه الأول من داخل "التحالف" ويدين له، والثاني هو من داخل التحالف ويدين بالولاء لجهات أخرى.


في هذا السياق، يقول نائب في ائتلاف "الوطنية"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من السابق لأوانه أن نحدّد خريطة متكاملة للأحزاب والكتل السنية التي ستخوض الانتخابات المقبلة بسبب الأزمات والمشاكل التي تعصف بها، والتي سيكون لها الدور الأبرز برسم ملامح التكتلات الجديدة". لكنه يضيف أن "من الواضح أن كتل تحالف القوى وهي: متحدون، وديالى هويتنا، والعربيّة، والحل والوفاء للأنبار، تبدو منقسمة على نفسها، ويبدو أن عقارب الانقسام تتجه نحو زعيمين هما الجبوري والنجيفي". وبحسب النائب نفسه فإن هذين القياديين "مختلفان على منصب رئيس البرلمان، فالأول يحاول البقاء به والثاني يحاول إزاحته عنه، مما عمّق من حدّة الخلاف بينهما وتسبب بانقسام كتلة متحدون إلى قسمين، فريق مع الجبوري، وفريق آخر مع النجيفي".

وفي ما يتعلق ببقية الكتل، يقول النائب إن "كتلة العربيّة التي يتزعمها صالح المطلك، لم تحدّد مسارها وتنتظر الاندماج مع أحدهما لما تراه يحقق مصالحها، فيما هناك تقارب كبير بين كتلة الحل والجبوري"، مشيراً إلى أن "كتلة الجبوري (ديالى هويتنا) تتلقى ضربات متتابعة من الداخل ومن الخارج وستنقسم إلى عدّة كتل بعضها مع الجبوري وبعضها ضدّه كما أشرنا". وتابع أن "بعض الأحزاب السنيّة تسعى اليوم إلى تشكيل تكتلات جديدة وبتسميات جديدة، لكي تحظى بقبول لدى الشارع السني، الذي سئم الوجوه المكرّرة"، على حد تعبيره.

في المقابل، يعتبر النائب عن تحالف القوى، خالد العلواني، أن "الحديث عن تكتلات جديدة داخل التحالف سابق لأوانه". وقال العلواني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تحالف القوى سيتجاوز الأزمة التي يمر بها، والتي أثارها وزير الدفاع خالد العبيدي"، مؤكداً أن "صورة التكتلات الجديدة وملامحها لم ترسم بعد".

من جانبه، رأى الخبير بشؤون الانتخابات، رحيم الغانمي، أن المصالح والأزمات والضعف هي أسباب رئيسية تؤدي إلى حدوث انقسامات في التكتلات السابقة وتشكيل تكتلات جديدة. ويوضح الغانمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تحالف الكتل السنيّة هو اليوم الجهة الضعيفة والتي لا تملك رأياً في صنع القرار، بسبب التهميش والإقصاء الذي تعرضت له من قبل الحكومة التي يهيمن عليها التحالف الشيعي"، مشيراً إلى أن "هذا الضعف بالإضافة إلى الأزمات الداخليّة والخارجيّة والخلافات، كلها عوامل مزّقت هذا التكتل لتنتج منه تكتلات عدّة خلال المرحلة الراهنة".

وأضاف الخبير في الشؤون الانتخابية أن "هناك توجهاً من الخط الثاني والثالث في تحالف القوى لضرب قادة الخط الأول وعلى رأسهم الجبوري"، الذي في حال تجاوز أزمة البرلمان الحالية، سينجح بتخطي الأزمات الداخلية التي تعصف بالتحالف، وسيبقى بالتالي "في صدارة الكتل السنيّة وسيتمكّن من لم شملها لتكون الممثل الأقوى للمكوّن (السياسي السني)"، كما يرى الغانمي قبل أن يضيف أنه في حال "لم يستطع تجاوز الأزمة فإنّنا بصدد انقسامات كبيرة ستحوّل التحالف إلى كتل صغيرة".

وأشار الغانمي إلى أنه "في كل الأحوال فإن الكتل الصغيرة قد تحظى بالفوز في الانتخابات المقبلة، لأنّ هناك توجهاً نحو تغيير قانون الانتخابات". وذكر في هذا الصدد، أن فرص نجاح الكتل الصغيرة، في ظل القانون الجديد المطروح، ستكون أكبر من فرص نجاح الكتل الكبيرة.

تجدر الإشارة إلى أن "تحالف القوى العراقية"، واجه أزمات سياسيّة مستمرة، ولم يستطع تحقيق وعوده للشارع السني، بسبب تمرّد رئيس الحكومة حيدر العبادي على وثيقة الاتفاق السياسي بين الكتل المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية العراقية، الأمر الذي أفقد التحالف تأييده الشعبي بشكل واضح.

المساهمون