بانون خارج البيت الأبيض: فصل من حرب ترامب والاستبلشمنت

بانون خارج البيت الأبيض: فصل جديد من حرب ترامب والاستبلشمنت

21 اغسطس 2017
لم تشهد تظاهرة بوسطن تكراراً للعنف في فرجينيا (Getty)
+ الخط -

يؤشر إعلان ستيف بانون، المستشار الاستراتيجي المطرود من البيت الأبيض، عن عزمه مواصلة الحرب ضد الاستبلشمنت الأميركي، وضد خصوم الرئيس دونالد ترامب في الكونغرس ووسائل الإعلام والبنوك والشركات الكبرى، إلى أن الأزمة السياسية التي تعيشها الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، دخلت مرحلة جديدة أكثر خطورة، عنوانها الرئيسي انتقال الصراع إلى شوارع المدن الأميركية، وتحولها إلى مواجهة عنصرية مفتوحة على غرار مواجهات مدينة تشارلوتسفيل في فرجينيا.

الواضح أن خصوم ترامب، في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، نجحوا في استثمار أعمال العنف العنصري في تشارلوتسفيل، خصوصاً الشعارات المعادية لليهود التي أطلقها النازيون الجدد، في معركة الصراع على النفوذ داخل البيت الأبيض. وأعطى موقف ترامب الملتبس من مواجهات فرجينيا، والمتعاطف ضمنياً مع قواعده الشعبية في اليمين، سبباً إضافياً لخصومه لتصعيد الحملة من أجل تضييق الخناق أكثر عليه، ودفعه للتخلي عن مهندس حملته الانتخابية وأحد أبرز ممثلي تيار اليمين المتطرف في البيت الأبيض. وبمعزل عن الأسباب الفعلية التي دفعت ترامب للتخلي عن بانون، فإن الواضح أن الرئيس اتخذ قرار إبعاد "مرشده الأيديولوجي" لاعتبارات تكتيكية، وربما بالتنسيق مع بانون نفسه، في محاولة لفتح جبهة جديدة ونقل الصراع إلى الشارع، لعل ذلك يساعد في فك الحصار عن البيت الأبيض ويخفف ضغوط التحقيقات الروسية. وما يعزز فرضية التنسيق المسبق بين ترامب وبانون مواقف الرئيس التصعيدية وإثارته مسألة إزالة تماثيل رموز الحرب الأهلية وحديثه عن حرب ثقافية ضد الرموز التاريخية لأميركا، وكذلك عودة بانون إلى منصبه القديم في موقع "بريتبارت" والحديث عن مشروع إعلامي كبير سيطلقه قريباً في إطار المعركة الإعلامية ضد الاستبلشمنت.

ولعل الورقة الرابحة التي لجأ إليها حراس الاستبلشمنت الأميركي في معركة إبعاد بانون عن البيت الأبيض تمثلت في الدور العلني الذي أداه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة في تأليب الرأي العام الأميركي، واليهودي خصوصاً، ضد ترامب، على خلفية مساواته بين طرفي المواجهة العنصرية في فرجينيا. ونجحت ضغوط اللوبي اليهودي المالي في دفع عدد كبير من الاقتصاديين وكبار رجال الأعمال ومديري الشركات الأميركية إلى شجب موقف ترامب. ووقعت منظمات يهودية أميركية عرائض وزعتها على أعضاء الكونغرس تطالبهم بالضغط على الرئيس من أجل إقالة بانون وبقية العناصر المتطرفة المعادية للسامية في البيت الأبيض. وسارع كثير من أعضاء الكونغرس إلى إدانة موقف الرئيس، واتهمه بعضهم بالعنصرية وبمحاباة النازيين الجدد، فيما شكك بعض في صحته العقلية وطالبوه بالاستقالة. وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى احتمال إقدام مزيد من المسؤولين والموظفين اليهود في إدارة ترامب على تقديم استقالاتهم احتجاجاً على موقف الرئيس. ونقلت عن مقربين من الوزراء اليهود في حكومة ترامب امتعاضهم من مساواته بين النازيين الجدد والمتظاهرين المناوئين لهم، إلا أنهم يفضلون حالياً التزام الصمت وعدم التعبير عن رأيهم، لأن توجيه أي انتقاد إلى ترامب سيكون بمثابة إعلان استقالة. ونقل مقربون من مدير المجلس الاقتصادي الوطني، غاري كوهين، وهو يهودي وأحد أبرز مستشاري ترامب للشؤون الاقتصادية، امتعاضه الشديد من مواقف الرئيس، إلا أنه لا يريد التعبير عن ذلك بشكل علني.


في هذا الوقت، دافع وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، عن ترامب بشأن تصريحه حول مواجهات مدينة تشارلوتسفيل، واستبعد الاستقالة من منصبه. وكتب منوتشين، في بيان نشره على حسابه في "تويتر" أمس الأحد، "رغم أنه يصعب علي التفكير بأنه يتوجب علي الدفاع عن نفسي حول هذه المسألة، سواء أنا أو الرئيس، أرى لزاماً علي أن أقول لكم إن الرئيس لا يعتقد بأي شكل من الأشكال بأن المجموعات النازية الجديدة، أو المجموعات الأخرى التي تنادي بالكراهية والعنف، متساوية مع المجموعات التي تنظم تظاهرات سلمية وتحترم القانون". وكان منوتشين يرد على رسالة وجهها أكثر من 350 من قدامى طلابه في جامعة "ييل"، طلبوا منه فيها أن يستقيل "على الفور"، معتبرين أن هذه الخطوة "واجب أخلاقي".

وكان قد نزل آلاف الأشخاص المناهضين للعنصرية إلى شوارع بوسطن، أول من أمس، في تظاهرة حاشدة، ألقت بظلالها على تجمع للبيض القوميين في المدينة، تخللتها مناوشات مع الشرطة، لكن من دون تسجيل أعمال عنف خطيرة كتلك التي وقعت قبل نحو أسبوع في تظاهرة مماثلة في فرجينيا. وكانت مجموعات يمينية متطرفة قد دعت إلى مسيرة أطلق عليها "حرية التعبير"، لكن الشرطة قامت بمواكبة المشاركين، والذين لم يتعدوا بضع عشرات، بسلام، على مقربة من حشود المتظاهرين المناهضين للعنصرية. وقدر المسؤولون عدد المتظاهرين المناهضين للعنصرية بنحو 40 ألفاً. وأعلنت السلطات أنها اعتقلت 27 شخصاً، معظمهم بتهمة التهجم والتعدي على الشرطة والسلوك غير المنضبط. وفيما لم تشهد بوسطن تكراراً للعنف الدامي الذي شهدته شارلوتسفيل، في 12 أغسطس/ آب الحالي، وقعت صدامات محدودة بين الشرطة ومتظاهرين، فيما سارع ترامب إلى التعليق على "تويتر"، منتقداً "كثيراً من المحرضين ضد الشرطة في بوسطن". لكن فيما بدأ المتظاهرون يغادرون وسط بوسطن من دون تسجيل حوادث تذكر، أعقب ترامب تغريدته بأخرى أكثر إيجابية، وكتب "أود أن أثني على المتظاهرين الكثر الذين رفضوا التحريض والكراهية". وأضاف "بلادنا ستتحد قريباً".

المساهمون