إقالة فوزي بعيون فلسطينية: المصالحة إلى مزيد من التعثر

إقالة فوزي بعيون فلسطينية: المصالحة إلى مزيد من التعثر

20 يناير 2018
من لقاءات المصالحة الأخيرة في غزة (مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -


ربط كثر بين إقالة وزير الاستخبارات المصري خالد فوزي وملف المصالحة الفلسطينية المتعثر، الذي كان مشرفاً عليه، منذ إعادة إطلاق المحادثات الثنائية بين حركتي "حماس" و"فتح" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي أنتجت اتفاقاً جديداً بوشر تطبيقه في 12 أكتوبر. لكن البعض في الأراضي الفلسطينية، حاول ربط إقالة فوزي بملف المصالحة، إلى جانب الملفات الأخرى الداخلية في مصر، مع فشل الرجل في تطويع مواقف السلطة الفلسطينية لحلول سريعة لأزمات قطاع غزة وأزمة الانقسام الفلسطيني. مرد هذا الربط، وفق بعض القراءات، أنّ فوزي رفع السقف عالياً للوفود الفلسطينية الزائرة للقاهرة في ذلك الوقت، وبشرّها بأكثر من توقعاتها، ووعد بإقامة منطقة تجارية حرة وتجارة مباشرة بين غزة ومصر، إلى جانب فتح معبر رفح، وحل القضايا العالقة بين "حماس" و"فتح"، وهي أمور لم تتحقق.

وبعيداً عن ربط المصالحة بفوزي وإقالته، فإنّ الواقع كشف أنّ المصالحة الفلسطينية تشهد مزيداً من التعثر والجمود بعد ما جرى في مصر، والتغيرات المتسارعة التي شهدها جهاز الاستخبارات العامة، المشرف منذ سنوات طويلة على الملف الفلسطيني وملف العلاقة مع قطاع غزة والفصائل الفلسطينية المختلفة. ومن غير المتوقع ترك الرئيس المصري، لمدير مكتبه القائم بأعمال رئاسة جهاز المخابرات عباس كامل، الاتصال مباشرة مع حركة "حماس"، وفق ما كشفت مصادر مطلعة في غزة لـ"العربي الجديد". وتوقعت المصادر أنّ "تكون العلاقات بين حماس ومصر في المرحلة المقبلة قريبة من تلك التي عاشتها عقب الانقلاب العسكري، وهي مرحلة الفتور والتضاد".

واعترفت حركة "حماس" بأنّ "المصالحة تمرّ في مأزق شديد منذ شهرين على الأقل، إذ إنّ مصر التي سحبت وفدها الأمني من قطاع غزة لم تتواصل مع قيادتها إلا على نحو قليل جداً، بعكس الفترة التي شهدت الزخم في ملف المصالحة والتي كانت فيها على اتصال دائم بقيادة الحركة".

وبات غياب الراعي المصري، المتمثل في جهاز الاستخبارات تحديداً، عن السجال والتراشق الإعلامي الأخير بين حركتي "فتح" و"حماس" بشأن ملفات المصالحة واضحاً أكثر من أي وقت مضى. وهو الذي قال عنه عضو المكتب السياسي لـ"حماس" صلاح البردويل، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية قبل أيام إنّ "الدور (المصري) يتراجع وينسحب بشكل واضح، لكنه لم ينقطع تماماً".

رسالة البردويل المتأخرة عن غياب الدور المصري، فُهمت امتعاضاً في "حماس" من موقف الاستخبارات المتراخي أخيراً تجاه ملفات عالقة كان عليها تفاهمات برعاية القاهرة، وهو ما عنى محاولة لتحريك الدور المصري من جديد، في ظل تريث مصر في العودة للملف. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ "مصر الآن، ليست في وارد العودة بقوة إلى ملف المصالحة الفلسطينية، فلديها أولويات مختلفة هذه الفترة، مع تجاوزها العلني من قبل الإدارة الأميركية الجديدة في قضية صفقة القرن، وإعطاء مهمة ترويض القيادة الفلسطينية للسعودية بدلاً من مصر التي كانت تقوم بهذا الدور دائماً".



فلسطينياً، لا تزال المصالحة متعثرة، مصطدمة بجدار كبير من الخلافات، مع بروز تراشق إعلامي لافت بعد غيابه لأشهر، ذلك أنّ كل طرف حمّل الآخر المسؤولية واسترسل في سرد مؤشرات دلّت على تهرّب الآخر من الاستحقاقات المتفق عليها. وفي غياب الوسيط المصري، ستكون مهمة الفصائل الفلسطينية الأخرى، غير "فتح" و"حماس"، لدفع المصالحة إلى الأمام وإنهاء حالة التعثر شبه مستحيلة، مع غياب أوراق الضغط الجماهيري والفصائلي على الطرفين، والأزمات الجديدة التي تعيشها القيادة الفلسطينية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

ومع اقتراب انتهاء مهلة دمج موظفي غزة المعينين في فترة الانقسام بالسجلات الرسمية للسلطة الفلسطينية المتفق على إنجازها في الأول من فبراير/شباط المقبل، تزداد المخاوف من انهيار المصالحة بشكل تام، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التطبيق الجديد للاتفاقيات. ولا يبدو أنّ السلطة مستعدة لعملية الدمج حالياً لظروف سياسية ومالية مستجدة، وهي التي تلكأت كثيراً في ذلك، وبضغط مصري وافقت على تشكيل لجنة يشارك فيها رئيس ديوان الموظفين في غزة التابع لحركة "حماس". وأفاد رئيس اللجنة في وقت سابق، نائب رئيس حكومة الوفاق الوطني، زياد أبو عمرو، بأنّ "اللجنة ستعلن قريبا الرقم الذي سيتم دمجه"، وهو الذي أغضب "حماس" ونقابة الموظفين في غزة معتقدين بأنّ السلطة ستنفذ عمليات إقصاء جديدة ضد الموظفين المعينين من قبلها.

وبعيداً عن كل ذلك، لا يزال ملف الأجهزة الأمنية والسيطرة على القطاع وتوحيد قوى الأمن، لم يقترب منه أحد، وكأنه جرى تأجيله لمرحلة متقدمة، والمخاوف تكمن في أنّ يشكل هذا الملف أكثر من أي وقت مضى عامل تفجير جديد للمصالحة. وكانت مصر قد تعهدت في وقت سابق بوضع ثقلها الكامل لحل معضلة الأمن في غزة، لكن مع انسحابها الواضح من الملف برمته، لا يمكن التنبؤ بمستقبل المصالحة كلها، وهي اليوم على المحك، والرهان بات على قدرة حركتي "حماس" و"فتح" في المضي بالمصالحة منفردين أو الذهاب إلى مزيد من التعثر وعودة الأمور لمربع الاشتباك الإعلامي والميداني.