الإخفاق في تلبية الوعود يمهد لعودة احتجاجات البصرة

الإخفاق في تلبية الوعود يمهد لعودة احتجاجات البصرة

24 فبراير 2019
لم تنقطع التظاهرات في البصرة (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -


يُجمع مراقبون وسياسيون عراقيون على إمكانية تجدد الاحتجاجات في المدن الجنوبية، مع التلميح باحتمال عودتها بأشكال مختلفة، كأن تكون "غاضبة" أكثر، فيما ترافق هذه التوقعات إمكانية التوجه نحو عصيان مدني يشلّ حركة الدوام الرسمي للمؤسسات الحكومية، وأبرزها الجامعات ومجالس الحكومات المحلية (المحافظات والأقضية والنواحي)، بسبب عدم ظهور أي علاجات واقعية لمطالب المحتجين على مدى الشهور الماضية. وتتعلق مطالب المحتجين بتوفير فرص العمل في مناطق الوسط والجنوب، ورفع سلطة الأحزاب عن التعيينات في الدوائر الرسمية، بالإضافة إلى توفير المياه الصالحة للشرب في البصرة، وتحسين واقع الخدمات، خصوصاً الكهرباء، وحصر السلاح بيد الدولة، وغيرها من الحقوق التي من المفترض توفرها لدى الإنسان.

وكشف مسؤول عراقي بارز في بغداد، عن تلقي الحكومة إشارات سلبية حول احتمال تجدد التظاهرات جنوب العراق، مشيراً إلى أن هذا الأمر هو السبب الرئيس وراء رفض المراجع الدينية في النجف وكربلاء استقبال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، "فالزيارة ستكون بمثابة تأييد له". وأوضح المسؤول أن تقرير وزارة التخطيط يشير إلى ارتفاع مؤشر الفقر والبطالة في جنوب العراق، خصوصاً في محافظات البصرة وبابل وذي قار والقادسية والنجف، بالإضافة إلى استمرار سوء الخدمات، خصوصاً الماء والكهرباء والقطاع الصحي، مشيراً إلى "وجود تململ لدى العشائر أيضاً، وليس فقط التيار المدني أو شريحة الشباب في تلك المحافظات". وأكد أن الحكومة تدرس حالياً خياراً قُدم لها، وهو أن تشرف بنفسها على مشاريع تنموية في تلك المحافظات وسحبها من مجالس المحافظات، كونها الحلقة الأكثر فساداً وإضاعة للأموال، وقد تتولى وزارات الصناعة والإعمار والإسكان والبلديات وشركات عراقية حكومية الملف".

وكانت أعداد المتظاهرين في محافظات الجنوب، وتحديداً بالبصرة، قد تراجعت، إلا أنها لم تنقطع، إذ ما تزال الاحتجاجات متواصلة في أحياء مثل الحكيمية والهارثة والقرنة وأبو الخصيب ومركز مدينة البصرة، منذ انطلاقها في يوليو/ تموز 2018، فيما توقفت في مدن أخرى، مثل كربلاء والنجف وبابل وميسان والناصرية، بعد تدخل الأحزاب واحتواء بعض وجهاء العشائر ودفعهم لمنع أبنائهم من النزول إلى الشوارع، مع إغداقهم بوعود إصلاح النواقص، وتوفير ما طلبه الشارع، من دون أن يتحقق أي إصلاح. وقال مسؤولون، لـ"العربي الجديد"، إن "الاحتجاجات توقفت بعد تدخل العشائر، بالإضافة إلى تهديد المليشيات والعصابات لنشطاء وقادة التظاهرات، وقد حدث هذا الأمر تحديداً في النجف، إذ ما يزال أربعة ناشطين مختفين منذ الصيف الماضي".

وأكد الناشط وعضو تنسيقية احتجاجات مركز مدينة البصرة، علي واثق، لـ"العربي الجديد"، أن "التراجع النسبي في أعداد المحتجين في البصرة يعود إلى تخوف المتظاهرين من تكرار سيناريو العنف الذي مارسته القوات الحكومية من جهة، وانتظار تحقق ما وعدت الحكومة أهالي البصرة به". وأشار إلى أن "قلة الخدمات ما تزال على حالها، بل إنها قلّت أكثر من السابق، وتتزايد يوماً بعد يوم حالات تسمم المواطنين بسبب تمدد اللسان الملحي على شواطئ شط العرب. إلا أن الأمطار الأخيرة والسيول أنعشت بنسبة قليلة بعض الأراضي الزراعية شمال البصرة". وأضاف "لا يمكن لأحد أن يعرف ما سيأتي في المستقبل، لكن أهالي البصرة عازمون على تغيير واقعهم، وقد يكون فصل الصيف المقبل كئيباً على الطبقة السياسية الفاسدة، لأن الغضب الشعبي يتصاعد، وحتى الآن الحكومة لم تُقدم على تنفيذ أي وعد من وعودها، وهناك من يتحدث عن مطالبته بالإقليم والحكم الذاتي من أجل منع حكومة بغداد من الاستيلاء على أموال البصرة". وأعلن واثق أن "العشائر متأهبة ومحتقنة أيضاً، وتنتظر أي إشارة من أعضاء تنسيقيات التظاهرات من أجل الانطلاق. وإذا كانت التظاهرات الأخيرة في المحافظات الجنوبية، قد شهدت أعمال حرق لمقرات حزبية ومؤسسات ودوائر حكومية وشركات نفطية، فقد يكون القادم أسوأ، وقد تقوم العشائر بإخراج القوات الحكومية وجعل البصرة خارج سيطرة الحكومة إلى حين المباشرة الحقيقية بتنفيذ مشاريع المياه الصالحة للشرب، وإخراج العمالة الأجنبية والعربية من الشركات النفطية، والاستعانة بالعاطلين عن العمل من شبان البصرة، وهذا الأمر قد نراه قريباً، مع أنه يمثل خطراً يهدد سلامة المتظاهرين والأمن الوطني".



من جانبه، قال النائب عدي عوّاد إن "شباب البصرة، الذين يمثلون عمود التظاهرات، منشغلون حالياً بالدوام في الجامعات والمدارس، لذلك حتى لو أراد المواطنون الدعوة إلى احتجاج فإنه سيقتصر على يوم واحد من الأسبوع كما يحصل في العاصمة بغداد منذ عام 2015، والتي اقتصرت تظاهراتها الرئيسية على يوم الجمعة فقط وفي ساحة محاطة بعناصر الأمن. ومع بقاء الحال على ما هو عليه الآن، فإن بداية الصيف تعني بداية عودة الاحتجاج، الذي سيكون حتماً أكثر إرباكاً للحكومة من الاحتجاجات السابقة". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتجاجات المقبلة لن تكون فقط في الشوارع، لأن النواب سيتدخلون وسيُعطلون الجلسات، بالإضافة إلى باقي الدوائر الحكومية، لأننا جميعاً نمر بأوضاع بائسة، ولا فرق بين نائب ومواطن عادي في البصرة".

ولا يجد العضو في المجلس المحلي في البصرة غانم حميد غير "الإقليم" حلاً لمشكلات المحافظة. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، لم يتمكن طيلة الشهور الماضية من حل أزمة واحدة من أزمات البصرة، بل إنه لم يتمكن من استكمال حكومته، وهذا يدُل على عدم وجود الإرادة الوطنية الحقيقية لدى الحكومة، من أجل إبعاد مئات آلاف البصريين عن خطر التسمم"، مشيراً إلى أن "أزمة المياه والكهرباء ستتفاقم خلال فصل الصيف، إذ لن تتمكن وحدات معالجة المياه الحالية من تلبية الحاجة المحلية، إضافة إلى أن ساعات قطع التيار الكهرباء ستزداد. ومن المعروف أن أهالي الجنوب تثور أعصابهم على أي أمر خلال فصل الصيف، بسبب الرطوبة العالية وارتفاع درجات الحرارة التي تصل أحياناً إلى 50 درجة مئوية". واعتبر حميد أن "الحكومات المركزية التي توالت على حكم البلاد، منذ عام 2003، لم تكن مناسبة لأهالي البصرة. وبسبب تداخل الصلاحيات بين الحكومتين المركزية والمحلية، يظن المواطن العادي أن التقصير في إدارة المحافظة وإصلاح الخدمات فيها من مسؤولية مجلس المحافظة، مع العلم أن الأموال التي خصصتها الحكومات السابقة، كانت غالبيتها تذهب لتسديد ديون المحافظة". واعتبر أن "الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لمحافظة البصرة، وإخراجها من جلباب الأحزاب التي عاثت في أرض البصرة فساداً، وقد يكون الإقليم مطلباً رئيساً في تظاهرات الصيف".

المساهمون