نهاية الولاية الدستورية لبن صالح: عبء جديد بالمرحلة الانتقالية

نهاية الولاية الدستورية لبن صالح: عبء جديد بالمرحلة الانتقالية

09 يوليو 2019
منحت المحكمة حقاً لبن صالح للاستمرار بمهامّه(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -



تنتهي اليوم الثلاثاء الولاية الدستورية لرئيس الدولة في الجزائر عبد القادر بن صالح، بعد 90 يوماً من توليه المنصب وفقاً لما ينصّ عليه الدستور، في ظل استمرار حالة انسداد سياسي، بدا أنها تتجه صوب الانفراج بعد بروز توافقات مبدئية بين السلطة والمعارضة، بشأن إقامة حوار عبر فريق من الشخصيات المستقلة، عقب إصدار المعارضة لأرضية تضمنت موافقة مشروطة. لن تكون أعباء تعيين واختبار فريق الشخصيات الوطنية المكلفة بالحوار والنظر في الشروط التي طرحتها قوى المعارضة السياسية، أبرزها استبعاد حكومة نور الدين بدوي، وحدها ما سيثقل كاهل بن صالح بدءاً من اليوم، لكنه سيكون معنياً أيضاً بمواجهة كتلة ثانية من المعارضة والحراك الشعبي تصرّ على رحيله، وستعتبره بدءاً من اليوم رئيساً غير شرعي، رغم حصوله على فتوى من المحكمة الدستورية تتيح له البقاء في منصبه إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية وتسليم العهدة الرئاسية.

وتصرّ كتلة "البديل الديمقراطي" التي تضم سبعة أحزاب تقدمية، أبرزها حزبا جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على رفض الاعتراف ببن صالح رئيساً للدولة بعد 9 يوليو، وتؤكد ضرورة استبعاده وبدء مرحلة انتقالية بقيادة رئيس انتقالي أو مجلس رئاسي من الشخصيات المستقلة. وهي مطالب باتت في حكم المستحيل السياسي، بالنظر إلى عاملين، هما موقف الجيش كفاعل مركزي في المشهد والسلطة، والمخاوف من حالة الفراغ الدستوري التي قد تؤدي إلى الفوضى.

لكن السلطة في الجزائر؛ الجيش والمؤسسة الدستورية ممثلة في بن صالح، لا تبدو قلقة من موقف الكتلة الديمقراطية، وتعتبر أنها كتلة تحاول الاعتماد على ضغط الشارع، وعبر الإصرار على مطالبها الانتقالية، عزلت نفسها عن المسار السياسي الوطني الذي بدأت معالم التوافقات بشأنه تظهر أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً بعد إعلان الكتلة الغالبة من قوى المعارضة المجتمعة السبت الماضي موافقتها على خطة بن صالح، لحوار غير مباشر تديره هيئة من الشخصيات المستقلة. لكن هذه التوافقات المبدئية، دونها أيضاً شروط تعتبر المعارضة أنها "ضرورية" قبل بدء أي حوار سياسي، وتعتقد أنها تمثل إبداء حسن نية السلطة في إنجاح الحوار.

من جهته، رأى الناشط محمد أرزقي فراد، الذي تولى قراءة الأرضية السياسية في مؤتمر الحوار السبت الماضي، أن "المعارضة بمختلف فصائلها السياسية والمدنية قدمت ردها بوضوح إلى السلطة، ووضعت شروطها اللازمة قبل المشاركة في أي حوار". وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "مؤتمر السبت الماضي هو استمرار لمؤتمر مزفران 2014 ومؤتمر مزفران 2016، وهو استمرار لجهد مشترك وجماعي بين قوى المعارضة، لكن لا يمكن إدارة الحوار في ظل بقاء معتقلي رأي سياسيين وناشطين في السجن، وفي ظل استمرار القبضة الأمنية على الشارع والإعلام، وفي ظل بقاء حكومة نور الدين بدوي". ورأى أن "الشروط التي طرحتها المعارضة مستمدة من مطالب الحراك الشعبي، والحكم على نيات السلطة مرتبط بمدى استجابتها لهذه الشروط".



ويرتكز تصور المعارضة السياسية لحل الأزمة على مبادرة السلطة إلى إعلان إجراءات تهدئة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، واستبعاد رموز النظام السياسي السابق التي يصرّ الحراك الشعبي على رحيلها، وفتح الحقلين السياسي والإعلامي، والكفّ عن كل أنواع التضييق أو التقييد، واحترام مبادئ القضاء العادل وحرية التعبير، ورفض كل أشكال التضييق عليها أو الاعتقال على أساسها، وكل أشكال التعسف والتجاوزات، واستمرار الحراك الشعبي، والمشاركة في اختيار هيئة الشخصيات الوطنية التي تدير الحوار في فترة زمنية لا تتجاوز الشهر، مع استبعاد رموز النظام السياسي الفاسد. وترفض المعارضة مشاركة الأطراف التي كانت "داعمة وموالية للنظام السياسي الفاسد والمؤيدة للولاية الخامسة" للرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة، وكل من "كانت له مواقف وسلوك مضادّ للثورة السلمية والهبّة الشعبية، أو تورط مباشر في التزوير الانتخابي". وتبدي المعارضة اعتقادها بأن التوافق على هذه الشروط والتدابير يمكن أن يفضي إلى تنظيم مؤتمر وطني جامع لترسيم مخرجات الحوار، وتنظيم انتخابات رئاسية في فترة قصيرة مدتها ستة أشهر.

وبقدر ما كانت السلطة تترقب مخرجات مؤتمر السبت الماضي، تترقب المعارضة من جانبها تفاعل السلطة مع مطالب ومخرجات المؤتمر، سواء في العلاقة بمطلب المشاركة في اختيار واقتراح شخصيات فريق الحوار، أو تدابير التهدئة والإفراج عن المعتقلين والناشطين السياسيين.

في السياق، قال رئيس "منتدى الحراك الشعبي الأصيل" يحيى جعفري، الذي كان عضواً في لجنة تحضير مؤتمر المعارضة إنه "من الصعب التكهن بطريقة استجابة السلطة لمخرجات وشروط المعارضة، في ظل نظام مغلق لا يبدي مرونة كافية لحد الآن". وتوقع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، "استجابة على نحو ما، فيكون رحيل الحكومة من مخرجات الحوار، لا من شروطه، وأتوقع إطلاق سراح بعض السجناء، وأقصد غير المحسوبين على العصابة، ممن تورّطوا في أفعال هي اليوم بين يدي المحكمة العسكرية". وأشار إلى أن "السلطة أمام امتحان النيات بشأن المخرجات التي توصل إليها لقاء المعارضة، ويكون عليها حسن قراءة المخرجات كموقف للكتلة الوطنية، على اعتبار أنها الحد الأدنى من القناعات المشتركة بين أطراف الحراك، من أحزاب وجمعيات ونقابات وفضاءات للخروج من الأزمة. ومن الطبيعي أن يبقى كل فصيل حر في تقدير سقف المطالب خارج هذه الأرضية السياسية".

ولفت جعفري إلى أن "الحراك الآن بدأ يشكل أقطابه ويفرز عناصره على نحو يقرّبنا من الحسم، فمؤتمر السبت شكّل القاعدة الاجتماعية للرئيس العتيد. كما وضع الخطوط العامّة للبرنامج الذي يمكن أن يستقطب الساحة في الأيام المقبلة. أما البديل الديمقراطي فبرز أيضاً كقاعدة اجتماعية للمعارضة في المستقبل، وطبيعي أن التيار الذي يرى نفسه أقوى على كسب الانتخابات حال توفرت شروطها، هو الأكثر حماسة للمشاركة فيها، إذ تصبح الانتخابات بالنسبة للبعض خياراً استراتيجياً وبالنسبة للبعض الآخر مخاطرة كبرى".



المساهمون