عمّان ومحاربة "داعش" في الجنوب السوري: "درع فرات" أردنية؟

عمّان ومحاربة "داعش" في الجنوب السوري: "درع فرات" أردنية؟

06 فبراير 2017
غرفة "الموك" ساعدت بتجميد الجبهة الجنوبية (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
مع الجمود النسبي الذي يسود الجبهة الجنوبية في سورية، بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، إلا أن التطورات على الجبهات الأخرى في البلاد، إضافة إلى التطورات الدولية، خصوصاً ما يتصل بتغير الإدارة الأميركية، قد تعيد هذه الجبهة إلى واجهة الاهتمام مجدداً، سواء من باب "مكافحة الإرهاب"، أم إعادة ترتيب الأوراق في الساحة السورية، ضمن إطار التسويات السياسية المطروحة. ويأتي إعلان الأردن، أول من أمس، عن قيام طائراته الحربية ليلة الجمعة - السبت بشن غارات على مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) جنوبي سورية، ليلقي بعض الضوء على بعض معالم المرحلة المقبلة في ما يخص الجنوب السوري، خصوصاً أن الغارات، جاءت بعد ساعات من لقاء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب مع العاهل الأردني الملك، عبدالله الثاني، الذي أكد بعد اللقاء التزام بلاده بمحاربة التنظيم، والتنسيق مع الجانب الأميركي في هذا الإطار، علماً أن الأردن عضو في التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد "داعش".

وأسفرت الغارات، التي جاءت في الذكرى الثانية لمقتل الطيار الأردني، معاذ الكساسبة حرقاً على يد "داعش" بعد إسقاط طائرته شرقي سورية، عن تدمير "مستودعات للذخيرة ومستودع لتعديل وتفخيخ الآليات، وثكنات لأفراد من عصابة داعش الإرهابية، باستخدام طائرات من دون طيار وقنابل موجهة ذكية"، بحسب بيان للجيش الأردني، الذي أوضح أنها أدت أيضاً إلى "قتل وجرح العديد من عناصر العصابة الإرهابية، إضافة إلى تدمير عدد من الآليات"، مشيراً إلى أن من بين الأهداف المستهدفة موقع عسكري سيطر عليه التنظيم من يد جيش النظام السوري. ورأى مراقبون أن توقيت الإعلان عن عمليات القصف هذه مرتبط بالدرجة الأولى بزيارة الملك الأردني إلى الولايات المتحدة، واجتماعه مع ترامب، وهي بمثابة "هدية" أو تقديم أوراق اعتماد للإدارة الأميركية الجديدة، ليكون الأردن في طليعة الأطراف المشاركة في محاربة "داعش" في المرحلة المقبلة، إذ كلف ترامب وزير الدفاع، جيمس ماتيس، إعداد خطة خلال 30 يوماً بشأن كيفية القضاء على التنظيم.

ومن جهته، فإن للأردن هواجس أمنية من الأوضاع في الجنوب السوري، وإمكانية انتقال مخاطرها إلى داخل حدوده، سواء عبر تفجيرات وعمليات تسلل كما حصل العام الماضي في الجهة المقابلة لمخيم الركبان، أم عبر امتداد الاشتباكات في منطقة حوض اليرموك الحدودية إلى داخل الأراضي الأردنية. يضاف إلى ذلك، خشية الأردن من تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى داخل أراضيه، إذ يقول إنه يستقبل اليوم نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري. وهذه الخشية هي ما دفعته إلى عقد تفاهمات مع روسيا، بضمان عدم حصول "معارك كبيرة" في الجنوب السوري تؤدي إلى موجات نزوح كبيرة، بحيث تضمن روسيا جانب النظام السوري، مقابل أن يضمن الأردن فصائل المعارضة السورية في الجنوب، والتي يتحكم بها إلى حد بعيد من خلال غرفة "الموك"، التي يقع مقرها في الأردن.

وإضافة إلى تحكم المملكة بتحركات معظم فصائل المعارضة في الجنوب، فإن عمان تدعم ما يسمى بـ"جيش العشائر" و"جيش سورية الجديد"، بهدف ضبط الحدود بين سورية والأردن، والتي تصل إلى 375 كيلومتراً، يوجد 85 كيلومتراً منها في محافظة درعا. ويسيطر "جيش خالد بن الوليد"، المحسوب على "داعش"، على 10 كيلومترات منها. وفي هذا السياق، يقارن البعض بين العلاقة الوثيقة التي تربط "جيش العشائر" و"جيش سورية الجديد" بالأردن، دعماً وتسليحاً وتدريباً، بتلك العلاقة بين عدد كبير من فصائل الشمال السوري بتركيا، وهو ما يترجم اليوم بعملية "درع الفرات". انطلاقاً من ذلك، تبقى فرضية رغبة الأردن بنقل تجربة "درع الفرات" إلى الجنوب السوري، برعاية عمّان ــ دمشق ــ موسكو، مطروحة على الأقل نظرياً، وخصوصاً في ظل الحديث الأميركي عن "أفكار جديدة" لحلّ سوري عسكري، قبل أن يكون سياسياً، من نوع إقامة مناطق آمنة داخل الأراضي السورية وخارجها في دول الجوار. وفي هذه النقطة أيضاً، تبدو المملكة مرشحة بقوة لتكون مشرفة على منطقة، أو مناطق آمنة على حدودها مع سورية، تريحها من عدد كبير من اللاجئين السوريين المقيمين داخل الأراضي الأردنية. وفي ظل صمت النظام السوري عن الغارات الأردنية الأخيرة، صار من شبه المحسوم أن تكون الضربات حصلت بعلم أو بتنسيق مع دمشق، في ظل مجاهرة قيادات عسكرية أردنية ببقاء خطوط التواصل مفتوحة بين عمان ودمشق. وقد لا تكون السلطات السورية منزعجة من تمدد الدور الأردني في سورية، كذلك إسرائيل المرتاحة فعلياً للوضع على الحدود السورية ــ الفلسطينية المحتلة، الهادئة نسبياً، أيضاً "بفضل" ما يراه كثيرون دوراً أردنياً فاعلاً في تمديد الهدنة التي أرستها عمّان، ممثلةً لغرف استخبارات "دول أصدقاء سورية" أو "الموك" منذ أكثر من عام، وهو ما خدم النظام السوري فعلياً بالكامل، وهو ما ظهر في عدم تقديم فصائل الجبهة الجنوبية أي مساعدة خلال معركة إبادة داريا وتهجير أهلها قبل أشهر.

وبينما تسيطر قوات النظام السوري على نحو 100 كيلومتر داخل الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، تعود السيطرة بعدها إلى فصائل "الجيش الحر"، التي تسيطر على ما تبقى من الشريط الحدودي البالغ طوله 190 كيلومتراً. ورأى الضابط المنشق في "الجيش الحر"، نبيل أبو عبدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن غرفة "الموك" ساعدت في إنجاح استراتيجية النظام الرامية إلى تجميد الجبهة الجنوبية، وخفض مستوى الدعم لمعظم فصائلها، وذلك ضمن تفاهمات مع روسيا كما يبدو، كان الأردن طرفاً رئيسياً فيها، مقابل تعهد روسيا بعدم قصف جنوب سورية. وهو تعهد أخلت به روسيا من خلال مساندتها الجوية الكثيفة لقوات النظام أثناء سيطرتها على مدينة الشيخ مسكين مطلع العام الماضي.

من جانبه، رأى العميد المنشق غازي العبود، الموجود في محافظة درعا، أن الأردن لا يقوم بدور يضر بمصلحة الشعب السوري والثورة السورية و"حقه الطبيعي أن يحافظ على حدوده وأمن شعبه، وهو العمق الاستراتيجي للثورة في الجنوب السوري". وعن دور غرفة "الموك" في درعا، قال العبود، لـ"العربي الجديد"، إن "الموك" هي الداعم الوحيد لفصائل "الجيش الحر" في المحافظة، لكن سياستها ترتبط بالتعليمات التي تتلقاها من قادة الدول المشكلة لها. ورأى أنه ليس هناك تعطيل متعمد للجبهة الجنوبية، لكن ذلك يرتبط بتعويل الدول الداعمة لـ"الموك" على الحل السياسي الذي يرضي الجميع، خصوصاً إسرائيل، على حساب الدم السوري، بحسب تعبيره. ورأى أن المعارك "الرخوة" التي تخوضها فصائل "الجيش الحر" مع أنصار تنظيم "داعش" في الجنوب السوري، لم تحقق نتائج حتى الآن، لأن المخططين لها يريدونها إعلامية واستعراضية، وذلك بهدف ابقاء أنصار "داعش" في الجنوب السوري كذريعة جاهزة لأية تدخلات خارجية ترتبط بترتيب الاوضاع في الجنوب السوري، وفي رسم مستقبل البلاد بشكل عام.