اتصالات دولية مكثفة للاحتواء والتهدئة بعد مقتل سليماني

اتصالات دولية مكثفة للاحتواء والتهدئة بعد مقتل سليماني... وأردوغان إلى طهران قريباً

04 يناير 2020
إيران تبحث عن تنديد دولي (Getty)
+ الخط -
في وقت تلوح فيه طهران بالردّ على مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، في ضربة جوية أميركية بالعراق، تتوالى الاتصالات الدولية الداعية إلى التهدئة، وتفادي انزلاق المنطقة إلى ساحة للمواجهة العسكرية.

وفي اتصال هاتفي له مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم السبت، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "التدخلات الأجنبية والصراعات الإقليمية تمنع تحقيق الهدوء في المنطقة"، بحسب ما نقل موقع الرئاسة الإيرانية، الذي ذكر أن أردوغان عزّى إيران بمقتل سليماني و"عبّر عن أسفه العميق". وأعلن الرئيس التركي أنه سيزور طهران قريباً للتباحث بشأن المواضيع ذات الاهتمام المشترك والقضايا الإقليمية، فيما قال روحاني إن "أميركا ارتكبت جريمة كبيرة إذا سكتنا عنها ستكررها مع دول أخرى"، قبل أن يضيف: "إذا لم نكن متحدين في مواجهة أميركا فخطر كبير يهدد المنطقة برمتها".
واتهم روحاني واشنطن باتخاذ مسار جديد يهدد المنطقة برمتها، موضحاً أنها "اغتالت قائداً كبيراً في القوات المسلحة الإيرانية، ونأمل أن يندد الجميع بالحادث".

ورأى روحاني أن بلاده "لم تكن البادية في أي توتر بالمنطقة"، مشيراً إلى أن "الصمت إزاء التصرفات الحمقاء يزيد من جرأة المعتدي".
وشكر روحاني نظيره التركي على "التضامن" مع إيران في "هذه المصيبة الكبرى"، مؤكداً أن البلدين "دوماً يتبادلان الأفكار ووجهات النظر في القضايا المعقدة".
كذلك قال روحاني إن واشنطن بـ"عملها الخاطئ والأحمق جداً انتهكت السيادة الوطنية العراقية"، متهماً إياها بـ"تنفيذ أعمال إرهابية داخل الأراضي العراقية، تتعارض مع استقلالها".
واستكمل أن بلاده تنتظر "من جميع الأصدقاء والجيران إدانة هذه الجريمة بشكل صريح"، مشيراً إلى أن "الجهود ستستمر لحل المشكلة السورية في إطار اجتماعات قمة إيران وتركيا وروسيا".
وأكد روحاني رغبة إيران في تعزيز العلاقات مع تركيا، معرباً عن أمله أن يزور الرئيس التركي طهران قريباً. وهو ما رد عليه أردوغان إيجاباً من خلال القول إنه "خلال لقائي في المستقبل القريب بطهران سنتباحث المواضيع الثنائية والقضايا الإقليمية"، وفقاً لموقع الرئاسة الإيرانية.

وفي لقائه مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد روحاني أن واشنطن "ستدفع ثمناً باهظاً" لاغتيالها سليماني، محملاً إياها "مسؤولية عواقب ذلك"، ومعتبراً أن "التصرفات الأميركية الحمقاء تزيد من التوترات والتشنجات في المنطقة".
ودعا روحاني جيران إيران إلى "التنديد بإرهاب الدولة الذي تمارسه أميركا"، قائلاً إن "الأميركيين للأسف يسلكون مساراً جديداً وخطيراً للغاية للمنطقة"، مشدداً على أن ذلك "يستدعي ضرورة المشاورات والتنسيق الوثيق بين الدول الصديقة".
وأكد روحاني "أهمية تطوير العلاقات بين طهران والدوحة"، معتبراً أن بلاده "ترى أن التواصل والمشاورات الوطيدة مع قطر تنفع تعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية".
وأشار إلى أن بلاده وقفت إلى جانب قطر في ظروف الحصار "وسنبقى بجانبكم"، معرباً عن أمله أن يتم تنفيذ الاتفاقيات التي توصل إليها مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال اجتماع بينهما على هامش القمة الإسلامية المصغرة في ماليزيا الشهر الماضي.
كذلك أعرب روحاني عن أمله أن "يحقق مشروع السلام في هرمز تقارباً بين دول المنطقة"، وهو مشروع طرحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، لتأمين أمن الملاحة البحرية بالخليج.
من جهته، نقل موقع الرئاسة الإيرانية، عن وزير الخارجية القطري، قوله خلال اللقاء إن بلاده تولي "اهتماماً كبيراً" لتوسيع العلاقات مع إيران، مؤكداً أن "قطر لن تنسى الدعم الإيراني في الظروف الصعبة".
وقال إن قطر "تتفهم الغضب والحزن العميق" للشعب والحكومة في إيران بسبب اغتيال سليماني، مشيراً إلى أنه "لم نكن نتوقع أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار يوماً ما ويحدث هذا الحادث".
ودعا الوزير القطري إلى "تبني رؤية استراتيجية بدلاً من المواقع التكتيكية"، مشيراً إلى أن الدوحة "تدعم خطة السلام في هرمز".

وفي وقت لاحق، التقى وزير خارجية قطر مع رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، ليؤكد الأخير خلال اللقاء أن "بقية قادة الحرس الثوري سيواصلون نهج الفريق سليماني"، مضيفاً أنه "لم يكن شخصاً عادياً بل هو وأبو مهدي المهندس كانا شخصيتين رسميتين لدولتين".
وأضاف، وفقاً لما أوردته وكالة "خانه ملت" التابعة للبرلمان الإيراني، أنه لا يمكن اعتبار قيام الولايات المتحدة باغتيالهما إلا "إرهاب دولة".
من جهته، أعرب محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن أمله "أن تنتهي مشاكل المنطقة سريعاً"، قائلاً "نأمل أن تساهم العلاقات البناءة بين قطر وإيران وبقية الدول الجارة في تحسين مستقبل المنطقة".
من ناحيته، قال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، التابع للجيش الإيراني، العميد حميد رضا بوردستان، إن الولايات المتحدة الأميركية "وسطت 16 دولة لإقناع إيران بعدم الرد أو ألا يكون قوياً حال ردت".
وأضاف بوردستان أن اغتيال سليماني "كان صعباً على البلاد جداً"، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن "دماءه لن تذهب هدراً وسنرد على التصرف الأميركية بقوة كبيرة".


ألمانيا تسعى لإجراء محادثات
وفي سياق الاتصالات الإقليمية والدولية المكثفة لاحتواء الموقف، أجرى وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، مكالمة هاتفية بنظيره الإيراني، قالت الخارجية في بيان قصير إنها تناولت التطورات الإقليمية. وأشارت الخارجية إلى أن بن علوي قدم تعازيه لإيران بمقتل قائد "فيلق القدس".

في السياق، ذكرت صحيفة "فيلت ام زونتاغ" الألمانية أن وزير الخارجية هايكو ماس، سيسعى لإجراء محادثات مباشرة مع إيران في محاولة لمنع تصعيد التوتر بعد الغارة الجوية الأميركية.
وقال ماس للصحيفة "سنبذل كل ما في وسعنا خلال الأيام المقبلة لمنع حدوث تصعيد آخر في الموقف في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي حوار مع شركائنا بالمنطقة بما في ذلك إجراء محادثات مع إيران".



الحرس الثوري الإيراني: "انتقام استراتيجي"

ومن جهته، جدّد القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي التأكيد على أن بلاده تعتزم الرد على اغتيال سليماني، مشيراً إلى أن ذلك "سيعقبه انتقام استراتيجي ينهي الوجود الأميركي في المنطقة".

وأكد سلامي أن هذا الاغتيال "منح المقاومة دافعاً قوياً للانتقام"، لكنه قال في الوقت نفسه إن عملية الانتقام "ستكون على مدى زمني بتأثيرات حاسمة".

وشدد على أن "اغتيال الجنرال سليماني بداية نهاية الوجود الأميركي في المنطقة"، داعياً إلى "تسجيل هذا الكلام لأن الجميع سيشهد تحققه لاحقاً"، بحسب قوله. ​

كذلك أجرى وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي، مايك بومبيو، بحث فيه القضايا الثنائية والتطورات الأخيرة في إيران والعراق.

لافروف وظريف

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن وزير الخارجية سيرغي لافروف تحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عبر الهاتف وناقشا مقتل سليماني، وقال البيان "عبّر لافروف عن تعازيه في مقتل سليماني، وشدد الوزيران على أن مثل هذه الأفعال من جانب الولايات المتحدة تنتهك بشدة أعراف القانون الدولي".
وقال بيان صادر عن الخارجية الروسية إنّ لافروف قدّم تعازيه إلى ظريف خلال المحادثة التي تمت بمبادرة إيرانية. وأوضح البيان أنّ "الوزيرين أشارا إلى أنّ الأعمال الأميركية تشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي"، بالإضافة إلى أنّها "تقود إلى جولة جديدة من تصاعد حدة التوتر في الإقليم".

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اعتبر الجمعة أنّ مقتل سليماني من شأنه أن "يفاقم الوضع" في الشرق الأوسط.

نهاية الوجود الأميركي في الشرق الأوسط

من جهته، أكد ظريف في تغريدة على "تويتر" أن "نهاية الوجود الأميركي الخبيث في الشرق الأوسط قد بدأت"، منتقداً تصريحات نظيره الأميركي مايك بومبيو حول فرح العراقيين باغتيال سليماني، ليقول: "قبل 24 ساعة زعم المهرج المتكبر الذي يتلبس بزي الدبلوماسية أن المدن العراقية تحتفل وترقص... اليوم مئات الآلاف من الإخوة والأخوات العراقيات الشرفاء في أنحاء العراق ردوا عليه... نهاية الوجود الأميركي الشرير قد بدأت".

وحضّت الصين الولايات المتحدة على "عدم الإفراط في استخدام القوة"، وقال وانغ يي لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف في مكالمة هاتفية أشارت إليها وسائل الإعلام الصينية إن "العملية العسكرية الأميركية الخطيرة تنتهك المعايير الأساسية للعلاقات الدولية وستفاقم التوترات والاضطرابات الإقليمية". وأضاف أن "الصين تحضّ الولايات المتحدة على عدم الإفراط في استخدام القوة وعلى البحث عن الحلول عبر الحوار".
والصين إحدى الدول المشاركة في الاتفاق النووي الإيراني الذي أُبرم عام 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة بشكل أحادي عام 2018، وإحدى الدول الأساسية المستوردة للنفط الإيراني.

وقال وانغ في البيان إن الصين "تعارض اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية. إن الوسائل العسكرية على غرار الضغوط القصوى، محكوم عليها بالفشل". وكانت بكين قد أعربت الجمعة عن قلقها ودعت إلى "الهدوء" بعد العملية الأميركية التي تهدّد بعودة التوترات إلى الشرق الأوسط. وتوعّد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، الذي أعلن الجمعة الحداد ثلاثة أيام في البلاد، بـ"الانتقام" لسليماني.

إلى ذلك، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، إنه بحث الوضع في الشرق الأوسط اليوم السبت مع نظيريه الألماني والصيني، مضيفاً أنهم اتفقوا جميعاً على ضرورة تجنب أي تصعيد في التوتر.
وذكر لو دريان أنه أجرى اتصالاً هاتفياً اليوم السبت مع نظيريه الألماني هايكو ماس والصيني وانغ يي. وأضاف "أكدنا جميعاً على وجه الخصوص اتفاقنا بشأن أهمية الحفاظ على استقرار وسيادة العراق والمنطقة بأسرها وكذلك ضرورة ألا تقدم إيران على أي انتهاك جديد لاتفاق فيينا".
بدوره، شدد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، السبت خلال اتصال هاتفي مع ظريف على "الحاجة إلى احتواء التصعيد". وكتب بوريل على حسابه على موقع "تويتر" أنه بحث "مع ظريف التطورات الأخيرة" و"شدد على الحاجة إلى إظهار ضبط النفس وتجنب أي تصعيد جديد".

وقتل سليماني فجر الجمعة في غارة جوية نفذتها طائرة من دون طيار أميركية في محيط مطار بغداد الدولي.
ويأتي الاغتيال في سياق تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، وفي إطار أوسع يشمل النزاع المتنامي منذ الانسحاب الأميركي الأحادي في أيار/ مايو 2018 من الاتفاق النووي الموقع مع إيران في 2015.