عبدالمهدي ومهمة تشكيل الحكومة العراقية: الالتزام بشروطه أو الاستقالة

عبدالمهدي ومهمة تشكيل الحكومة العراقية: الالتزام بشروطه أو الاستقالة

10 أكتوبر 2018
يحاول عبد المهدي تقليص ضغوط القوى السياسية (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
يتبقى نحو ثلاثة أسابيع فقط على موعد تقديم رئيس الحكومة المكلف عادل عبد المهدي وزارته إلى البرلمان العراقي للمصادقة عليها، وهي الحكومة السادسة منذ الاحتلال الأميركي للعراق والثانية والستين منذ عام 1920 والذي يؤرخ فيه العراقيون لدولتهم الحديثة به.

وفيما يكثف عادل عبد المهدي لقاءاته مع القيادات السياسية، أكد مسؤولون عراقيون وسياسيون مقربون منه، في أحاديث منفصلة مع "العربي الجديد"، أن الأخير قدم شروطه للقوى السياسية المختلفة حيال حكومته ولوّح بالاستقالة وبيان أسبابها للشارع العراقي في حال تم فرض إملاءات عليه.


ووفقاً لتسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" من مسؤول داخل المنطقة الخضراء، فإن عبد المهدي حصل على دعم ومباركة من النجف حيال خطواته لتشكيل حكومته الجديدة، خصوصاً من محمد رضا السيستاني، نجل المرجع الديني علي السيستاني، ومن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومن زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم.

وبحسب مسؤول عراقي مقرب من عبد المهدي، فإن الأخير قدّم لزعماء كتل وقوى سياسية من مختلف المعسكرين الرئيسين في بغداد (معسكر هادي العامري ونوري المالكي) ومعسكر (مقتدى الصدر وحيدر العبادي وإياد علاوي) مسودة يوجد فيها نقاط عدة اعتبرها خطوطاً عريضة لمواصلة جهود تشكيل حكومته وتقديمها في موعدها المحدد. ومن بينها أن البرنامج الحكومي يحدد من قبله هو، كونه من سيتحمل مسؤولية فشله أو نجاحه. كما تتضمن المسودة احتمال تقليص عدد الوزارات إلى أقل من 22 وأن تدمج بعض الوزارات وتُلغى أخرى، وتستحدث مناصب أخرى مثل نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات ونائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن الوطني. ومن بين النقاط التي طرحها عبد المهدي ألا يتم التدخل في ملف إقالة الوزراء أو وكلائهم وكذلك ملف الأموال العراقية التي هدرت نتيجة الفساد. كما يصرّ رئيس الحكومة المكلف على أن ترشيح الكتل للوزراء لا يعني وجوب اختيار أحدهم، فضلاً عن إمكانية أن تسند بعض الوزارات إلى مستقلين مثل الكهرباء والبلديات والنفط والإعمار والإسكان. يضاف إلى ذلك منع أي تدخل في الملف الأمني أو المؤسسة العسكرية، خصوصاً في ما يتعلق بمناصب قيادات الأركان ورؤساء الفرق العسكرية وقادة ومدراء الشرطة.

ووفقاً للمصدر نفسه، فإن عبد المهدي اعتبر الموافقة من القوى السياسية على المسودة شرطاً أساسياً لمواصلة مشوار تشكيل الحكومة والبدء بأعمالها. وفي حال ممارسة أي ضغط عليه من خلال جهات داخلية أو خارجية فإنه سيقدم استقالته ويشرح للعراقيين سبب ذلك. وأكد المصدر أن عبد المهدي يحظى الآن بدعم كبير، "وقد تكون بعض القوى السياسية تحدّث نفسها عن خطأ تقديم عبد المهدي لرئاسة الوزراء منذ أول مرة"، على حد قوله.

من جهته، قال عضو التيار المدني العراقي، طلال نعمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن محاولة رئيس الوزراء المكلف إرضاء كل الكتل السياسية مستحيل وإصراره على ذلك يعني انتحاراً لحكومته وفشلاً كبيراً له شخصياً. وأعرب عن اعتقاده بأن "حكومة عادل عبد المهدي هي الفرصة الأخيرة للأحزاب الدينية التي تسيطر على حكم العراق منذ الاحتلال الأميركي، وفشلها يعني أن الكرة باتت في ملعب الشارع العراقي الذي تقع على عاتقه مهمة التغيير نحو دولة مدنية لا طائفية ولا عنصرية تؤمن بسيادة العراق وعدم تبعيته لأي جهة كانت".

وكان رئيس الوزراء المكلف قد أصدر بياناً في ساعة متأخرة من ليل الاثنين قال فيه إنه تم فتح باب الترشح لشغل منصب وزير في حكومته أمام المواطنين العراقيين من كلا الجنسين. ودعا البيان "من يجد في نفسه الكفاءة من أهل الخبرة والاختصاص والتجربة العملية للترشيح، على أن يتضمن ذلك تقديم السيرة الذاتية، وما يثبت استيفاءه للشروط الواردة في الدستور والقوانين النافذة". وخصص مكتبه موقعاً إلكترونياً للترشح باشر باستقبال الطلبات صباح أمس الثلاثاء على أن يغلق مساء غد الخميس.

كما قدم عادل عبد المهدي اعتذاره لرؤساء البعثات الدبلوماسية والشخصيات الرفيعة عن تنظيم لقاءات خلال هذه الفترة، باستثناء حالات خاصة جداً، كاللقاء مع ممثل الأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش. وأشار إلى أن هذه البعثات يمكن أن تنقل رسائلها عن طريق وزارة الخارجية، أو الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أو مكتبه الخاص.

ولفت البيان إلى أن رئيس الوزراء المكلف لم يخول أي شخص أو جهة التصريح باسمه مهما كانت صلة القرابة الشخصية أو السياسية، مؤكداً أن النشر سيقتصر على البيانات التي تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يتم إرساله مباشرة إلى وسائل الإعلام.

وحول ذلك، قال النائب عن تحالف الفتح، عدي عواد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الخلافات الأميركية الإيرانية لا تزال تلقي بظلالها على تشكيل الحكومة". ولفت إلى أن التحديات الكبيرة التي سيواجهها عبد المهدي خلال عملية تأليف الحكومة يجب أن تدفع القوى السياسية لمساعدته، مبيناً أن "الأهم هو حكومة تعرف كيف تجنب الشعب العراقي والبلاد عامة آثار أو تبعات أي مواجهة محتملة بين إيران والأميركيين". وأكد عواد أنّ "أزمة البصرة وأزمة الخدمات في عموم العراق تعدّ تحدياً كبيراً أيضاً أمام تشكيل الحكومة، ويجب على عبد المهدي أن يكون لديه برنامج لمواجهته".

من جهته، قال النائب عن تحالف سائرون برهان المعموري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قضية إدارة الدولة، وإدارة الوزارات، وإدارة الوكالات، والدرجات الخاصة، وتوظيف الأموال اللازمة، وأزمة الخدمات، كلها تحديات قائمة بوجه الحكومة المقبلة". ولفت إلى أنه "على الرغم من ذلك، فلا تعد الأزمة الاقتصادية أزمة خطيرة بوجه الحكومة، فالوضع الاقتصادي يسير نحو الأفضل، إذ توجد لدينا أموال ودول مانحة والمبالغ التي جمعت لإعادة أعمار العراق من مؤتمر الكويت". واعتبر أن "المشكلة تكمن في عدم وجود خطه استراتيجية من وزارة التخطيط لسحب هذه الأموال ووضعها في مشاريع استراتيجية لعموم المحافظات". وأشار إلى أنه "تبقى أزمة الخدمات والبطالة من أكبر تحديات الحكومة المقبلة، وإذا لم يوجد لها حل قريب فسيكون هناك إحراج كبير للحكومة".

ولم يستبعد مراقبون احتمال الفشل بتجاوز كل هذه التحديات، والخروج بحكومة تنتشل العراق من واقعه. وقال الخبير السياسي، محمد الحيّاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التحديات التي واجهت الحكومة السابقة كانت كبيره جداً" لجهة "الضغوط الإقليمية، والمليشيات المدعومة من قبل إيران والتي تحاول التحكم بالمشهد السياسي والأمني".

وأكد الحيّاني أنّ "هذا التحدي لا يزال قائماً اليوم، وسيقف عقبة بوجه عبد المهدي الذي يتحتم عليه عدم الخضوع لهذه المليشيات، ليستطيع مواجه ملفات مكافحة الفساد وإحالة كبار الفاسدين إلى القضاء، من الذين كانوا يحتمون بهذه المليشيات ويحتمون أيضا بمناصبهم السيادية". واعتبر أن "عبد المهدي، في حال أراد المضي في تشكيل حكومة مستقلة، يتحتم عليه إلغاء القرارات التهميشية التي ساهمت إلى حد كبير بإقصاء وإبعاد النخب والكفاءات". ولفت إلى أنّ "التحدي الأكبر أمام عبد المهدي هو إثبات توجهه الوطني، وعليه أن يعتمد المعايير الوطنية الحقيقية في المناصب الوزارية والسيادية الأخرى". وأشار إلى أنّ "المرحلة صعبة للغاية، ومفتوحة على كل الاحتمالات، وأنّ النجاح والفشل احتمالان واردان في ما يتعلق بتشكيل هذه الحكومة"، يأتي وسط انقسامات حزبية وتنافس غير معلن للحصول على الحقائب الوزارية المهمة في حكومة عبد المهدي المرتقبة.