إلغاء واشنطن الحوار مع "طالبان": مخاوف سياسية وأمنية وشعبية

إلغاء واشنطن الحوار مع "طالبان": مخاوف سياسية وأمنية وشعبية

18 سبتمبر 2019
أحد جرحى تفجير التجمّع الانتخابي لغني (وكيل كوهصار/فرانس برس)
+ الخط -
شكّل قرار واشنطن إلغاء الحوار والمفاوضات مع حركة "طالبان" خيبة أمل للشعب الأفغاني، الذي علّق آماله على ما كان يجري في الدوحة من مباحثات، خصوصاً بعد أن أكّد الطرفان وصولهما إلى اتفاق كانا بصدد الإعلان عنه والتوقيع عليه قبل أن يعلن الرئيس دونالد ترامب بشكل مفاجئ في 8 سبتمبر/أيلول الحالي، إلغاء الحوار بذريعة مقتل جندي أميركي بهجوم في كابول أعلنت "طالبان" مسؤوليتها عنه. ولم يدمّر إعلان ترامب آمال الأفغان فحسب، بل زاد من قلقهم ومخاوفهم من تصاعد التوتر، إذ بات معروفاً أن المدنيين يدفعون ثمن الحرب أكثر من أي طرف آخر. في المقابل، فإنّ إعلان الرئيس الأميركي تسبب بارتياح الحكومة الأفغانية، المهمشة في عملية الحوار بين "طالبان" وواشنطن، والتي كانت تصرّ على إجراء الانتخابات الرئاسية، معربةً عن تحفظاتها بشأن التوافق بين الطرفين.

وبالنظر إلى مواقف أطراف الحرب حالياً، يبدو أنّ التصعيد خيار محتّم، مع بقاء فرص العودة إلى المصالحة ضئيلة في القريب العاجل، ما يعني أنّ الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 سبتمبر/أيلول الحالي، والتي لطالما أصرّت الحكومة الأفغانية على إجرائها، باتت واقعاً يتقبله المجتمع الدولي، بحيث سيكون الرئيس أشرف غني فارسها، بحسب المؤشرات.

وفي ظلّ كل ذلك، ثمّة أسئلة ونقاشات حول مستقبل أفغانستان وكذلك مستقبل الحوار، في ظلّ ارتكان كل طرف إلى الحرب والتصعيد من أجل النيل من خصمه بقوة السلاح. كما أنّ هذه الأجواء من التصعيد تطرح أسئلة حول نزاهة الانتخابات الرئاسية، لا سيما في ظلّ ما تدّعيه "طالبان" من سيطرتها على 70 في المائة من مساحة البلاد. مع العلم أنّ الحركة كانت قد أعلنت حتى قبيل إلغاء حوارها مع واشنطن، عن عزمها استهداف العملية الانتخابية، مطالبةً الشعب بالابتعاد عنها وكل ما يتعلق بها. وبالفعل، فقد بدأت الحركة بتنفيذ تعهدها، إذ قتل أمس الثلاثاء، 24 شخصاً وأصيب 32 آخرون بجروح جراء هجوم انتحاري تبنته "طالبان"، وقع بالقرب من تجمع انتخابي للرئيس غني في مدينة تشاريكار مركز إقليم بروان شمال كابول. وكان غني موجوداً في موقع الحادث، لكنه لم يصب بأذى.

الاستعداد للحرب حديث الساعة

مع أنّ "طالبان" أكّدت أنّ أبوابها مفتوحة للحوار مع الجانب الأميركي، مطالبةً الأخير بالعودة إلى طاولة المفاوضات، غير أنها لم توقف هجماتها أثناء جولات الحوار العشر مع واشنطن والتي استغرقت عشرة أشهر، لا بل فإنها زادت من وتيرتها خلال تلك الفترة. وبالتالي، بات عزمها على تصعيد وتيرة هجماتها بعد إلغاء الحوار أمراً شبه مؤكّد، لتثبت قوتها العسكرية ولترضِخ الجانب الأميركي وتحثه على العودة إلى الحوار من جديد، وهذا لا يمكن حصوله إلا إذا أثبتت ضراوتها وقوتها في الميدان.

ولعل ما حدث أمس دليل واضح على هذا التوجّه، إذ إنه وبعد التفجير الذي استهدف التجمّع الانتخابي لغني، وقع تفجير كبير آخر، تبنته "طالبان" أيضاً، أمام مكتب تابع لوزارة الدفاع الأفغانية قرب السفارة الأميركية في العاصمة كابول. وأكد الناطق باسم وزارة الداخلية، نصرت رحيمي، في تغريدة له على "توتير" وقوع التفجير. وبالتالي، فإنّ الخيار الأول لدى "طالبان" هو استخدام القوة في الميدان، وإثبات خطأ ما ادعاه الجانب الأميركي والحكومة الأفغانية أنهما سيكبّدان الحركة خسائر فادحة. وقد قال كبير مفاوضي "طالبان" في الدوحة، محمد عباس ستانكزاي، في حديث لقناة روسية في وقت سابق، "إننا نريد الصلح، ولكن إذا فرضت علينا الحرب يمكننا أن نقاتل لـ100 عام مقبل".

وإلى جانب الأحداث الميدانية، ستسعى الحركة سياسياً للقضاء على بعض الشكوك التي برزت لدى بعض الدول عقب بدء حوار "طالبان" وواشنطن، وتحديداً الدول المتهمة بمساندتها، مثل روسيا والصين وإيران وحتى باكستان التي لم تكن راضية كلياً عمّا تفعله "طالبان". من هنا، توجّه وفد من الحركة إلى موسكو وآخر إلى إيران، وفق ما أكد الناطق باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، سهيل شاهين، في سلسلة تغريدات له على موقع "تويتر" أول من أمس الإثنين.

وذكر شاهين أنّ وفداً من الحركة برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي لـ"طالبان"، الملا عبد السلام حنفي، قام بزيارة إلى طهران في الـ16 من الشهر الحالي، واجتمع بالمسؤولين في الخارجية الإيرانية، موضحاً أنّ الوفد كان يضم أربعة قياديين، وناقش مع المسؤولين الإيرانيين قضية المصالحة والمشاريع الاقتصادية الإيرانية في أفغانستان. كما أفاد شاهين بأنّ وفداً آخر بقيادة كبير مفاوضي "طالبان"، عباس ستانكزاي، قام بزيارة موسكو، وأوضح موقف الحركة إزاء المصالحة خلال اجتماعه بالمبعوث الروسي الخاص لأفغانستان، ضمير كابلوف، وقيادات روسية أخرى، مشيراً إلى أنّ "حركة طالبان دائماً تقدر دور دول المنطقة، وتحديداً دول الجوار الإيجابي في المصالحة الأفغانية". وسبق أن أبدى شاهين استعداداً لإرسال وفد من الحركة إلى باكستان في فرصة مناسبة، إذا ما وجهت إسلام أباد دعوة لـ"طالبان" في هذا الشأن.

في المقابل، فإنّ الحكومة الأفغانية المشغولة بالانتخابات الرئاسية، توجّهت إلى العمليات العسكرية بكل قوة وأحرزت بعض النجاحات في هذا الشأن. فقد استطاعت خلال الأيام الماضية إعادة السيطرة على مديريتي وردوج ويمكان الجبليتين في إقليم بدخشان في شمال البلاد، والذي يحتوي على الكثير من المعادن والأحجار الكريمة، وكان أحد أهم المراكز الاستراتيجية لـ"طالبان"، إذ يربط شمال أفغانستان بشمال باكستان، وكانت طريقه مهمة لنقل ما كانت تحتاج إليه الحركة.

كما تمكّنت القوات الأفغانية، خلال الأيام الماضية، من القضاء على قيادات مهمة في الحركة، منها على سبيل المثال قاري فصيح الدين حاكم "طالبان" في إقليم بدخشان، وهو يعدّ أقوى القادة الميدانيين في الحركة في شمال البلاد، فضلاً عن قتل المولوي نور الدين حاكم "طالبان" في إقليم سمنغان. كذلك، قال الرئيس الأفغاني في تصريحات أثناء حملته الانتخابية قبل يومين، إنّ القوات المسلحة الأفغانية قتلت خلال أسبوع واحد أكثر من ألف عنصر من "طالبان"، وإنها قادرة على قمع الحركة. وتشير كل تلك التصريحات إلى خطورة الوضع والتصعيد خلال الأيام المقبلة.

المواطن يدفع الثمن

خلال الأيام الماضية، هجّرت المواجهات بين القوات الأفغانية و"طالبان" عدداً كبيراً من سكان مديريتي وردوج ويمكان في بدخشان، في وقت يقتل فيه مدنيون بشكل يومي خلال العمليات والتفجيرات والقصف الجوي للقوات الدولية وللجيش الأفغاني. وفي مثال على ذلك، أدى انفجار لغم أرضي أول من أمس الإثنين، بحافلة لطلاب مدارس، إلى مقتل شخص وإصابة آخرين. كذلك قتل خمسة مدنيين في اليوم نفسه بعد انفجار لغم أرضي بسيارتهم في إقليم فراه، غربي البلاد. علاوة على ذلك، ادعى الناطق باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في تغريدة له على "تويتر" يوم الاثنين الماضي، مقتل 37 مدنياً بينهم نساء وأطفال، إثر عملية مشتركة للقوات الأفغانية والأميركية في مديرية تشار تشنو بإقليم أورزكان، جنوبي البلاد.

وثمّة معاناة كبيرة أخرى يواجهها سكان العاصمة كابول و11 إقليماً آخر، وهي انقطاع التيار الكهربائي المستورد من دول آسيا الوسطى، وذلك بسبب تفجير أعمدة الكهرباء في إقليمي بغلان وبلخ شمال البلاد في الأيام القليلة الماضية. وقالت إدارة الكهرباء الأفغانية في بيان لها، الاثنين الماضي، إنّ مسلحي "طالبان" فجروا ثلاثة أعمدة للكهرباء المستوردة بواسطة القنابل والألغام في مختلف مناطق بغلان شمال أفغانستان، كما فجروا أعمدة في مناطق بلخ، لتبقى العاصمة الأفغانية و11 إقليماً بلا كهرباء. ولم تعلّق "طالبان" على هذه الاتهامات الموجهة لها، ولكن بات معلوماً أنّ الحركة حتى وإن لم تكن هي المسؤولة عن ذلك، لا تنفي الأمر، في وسيلة ضغط كبيرة على الحكومة، وتحديداً الرئيس أشرف غني في ظلّ استعداده لإجراء الانتخابات الرئاسية.

جبهة جديدة في وجه "طالبان"

وفيما قضى وقف الحوار بين واشنطن و"طالبان"، على أحلام الشعب، ووضعه والحكومة أمام موجة تصعيد جديدة، فإنه كذلك وضع الحركة أمام جبهة عسكرية كان بطلها في السابق تنظيم "داعش"، ولكن الآن سينضم إليه تنظيم "القاعدة" والموالون له في باكستان وأفغانستان، وذلك بسبب أنّ الحركة كانت قد وافقت في أحد بنود التوافق مع أميركا قبل إلغاء الحوار، على مقاتلة الحركات المسلحة كلها، لا سيما "داعش" و"القاعدة". وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، أشار في حوار له مع قناة "طلوع" المحلية في وقت سابق، إلى أنه "اتفقنا مع طالبان على أن نخرج من أفغانستان وأن تقوم هي بتصفية داعش والقاعدة والجماعات المسلحة". من هنا، فإنّ الحوار مع واشنطن مع أنه لم يصل إلى برّ الأمان، لكنه سيشعل فتيل حرب بين "طالبان" و"القاعدة"، كما سيزيد من العداء بينها وبين "داعش"، وهما أصلاً في خندق الحرب.

الحكومة تلجأ إلى القبائل

في غضون هذه الأحداث، قررت الحكومة الأفغانية عقد اجتماع لقبائل طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية (قبائل البشتون) من أجل التشاور بشأن المصالحة الأفغانية ابتداءً من يوم غد الأربعاء، وحتى يوم الجمعة المقبل، في العاصمة كابول. وكان غني قد طلب من قبائل البشتون على طرفي الحدود، وتحديداً أولئك الذين هم في الجانب الباكستاني، أن تنهض ضدّ الجماعات المسلحة وأن تكشف مخابئها وأماكن إيوائها.