ماكرون يستعد لمعركة جديدة مع لوبان على رئاسة فرنسا

ماكرون يستعد لمعركة جديدة مع لوبان على رئاسة فرنسا

31 أكتوبر 2019
عين ماكرون على عهدة رئاسية ثانية (فيليب فوجازر/فرانس برس)
+ الخط -
كل شيء في مواقف وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشي بأنه يستعد فعلا لمعركة رئاسية ثانية مع زعيمة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان، لا سيما في ظل غياب مرشحين جديين له، من اليمين واليسار، على الأقل في الوقت الراهن.

ويبدو أن ماكرون سيكون سعيدا بمواجهة لوبان وهزيمتها مرة ثانية، وهو ما يؤكده ويعتقده كثيرون في اليمين المتطرف، بمن فيهم حلفاء لوبان، وعلى رأسهم عمدة مدينة بيزيي، مينار، وابنة أختها ماريون ماريشال لوبان، وكذلك والدها جان ماري لوبان.

وقد جاءت استطلاعات جديدة للرأي لتؤيد احتمال تواجد الزعيمَين، مرة أخرى، وجهاً لوجه، فقد حلت لوبان في الرتبة الأولى بنسبة تراوح ما بين 27.5 و29 في المائة، مقابل 27 و29 في المائة لماكرون، في ما يخص نوايا التصويت.

ولا شك أن استطلاع الرأي يعزز حظوظ ماكرون، على الرغم من أنه يقول إن أكثر من نصف الفرنسيين (55 في المائة) غير راضين على أدائه السياسي، لأنّ المعركة في الرئاسيات لا تحسم في الدور الأول، بل في الدور الثاني، وهنا لا يضير الرئيس أن يَحُلَّ في المرتبة الثانية بعد مرشحة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، فـ"الـتحالف الجمهوري" جاهز لأداء المهمة.

ولهذا، فتصرفات الرئيس وحركاته موزونةٌ، بعدما اعترف بأخطائه مؤكدا استفادته منها، وعلى رأسها إدارته لاحتجاجات "السترات الصفراء"، التي تَحُل ذكراها السنوية الأولى قريبا جدا.

فماكرون لم يبادر إلى زيارة مدينة روان بعد حريق مصنع لوبريزول إلا بعد مرور أكثر من شهر على الحريق، وترك أعضاء حكومته يديرون الأزمة ويواجهون غضب المواطنين وقلقهم، خوفاً من زيارة فورية تعقبها تصريحات طائشة وبعيدة عن الحقيقة على الأرض.

وهكذا جاءت زيارته للمدينة المنكوبة، أمس، تتويجاً لزيارات حكومية، ليعلن أخبارا سارة منها أن التعويضات ستُصرف قريبا جدا، وأنه لم يَثبُت أي تقصير من طرف مصالح الدولة، بل على العكس "رأيت كثيرا من الانخراط" في معالجة الوضع، مُشدِّداً، في وجه من لاَمَهُ على تأخره في القدوم، على أنه "ليس دور رئيس الجمهورية الإسراع بمجرد حدوث شيءٌ ما".

ولأن ماكرون يعرف، أيضاً، أن المعركة مع خصومه الجديين من اليمين، التقليدي والمتطرف، تخص مواضيع يلوكُونها طوال النهار، منذ نحو أربعين سنة، أي منذ أن توقف المسلمون عن أن يُمثِّلوا أقلية غير مرئية، وهي الهجرة والإسلام، والاندماج والطائفية وأخيرا التطرف، قرر أن يدلي برأيه فيها، وذلك في اختياره إجراء لقاء مع مجلة تُعتَبَر لسان حال اليمين المتطرف والمحافظ الفرنسي، "فالور أكوتويال"، التي لا تتحرج، من حين لآخر، عن تخصيص عناوينها وصفحاتها الأولى وملفات كبيرة صادمة ضد المسلمين والمهاجرين. وهو لقاء فسره مقربون من الرئيس بأنه انفتاح منه على جمهور ليس جمهوره ولا يشاطره، بالضرورة، أفكاره السياسية.

في اللقاء الذي تعنونه المجلة بـ"الهجرة، الإسلام، الاندماج"، يجيب ماكرون بأنه "يتعيَّن عليّ أن أتصدى لهذه المواضيع"، ولديه رغبة في الخروج من صمت "ثقيل"، بدأ يستشعره خصومه، وأيضا مناصروه.

ولمن توقَّع انتظار مفاجآت من اللقاء، فقد كرَّر ماكرون ما يقوله، منذ سنوات، من أنه "يكافح بكل قواه ضد الطائفية"، وأنه لا يريد أن يقع في فخ، يحاول كثيرون، ومنهم منظّرو اليمين الفرنسي، أن يفرضوه، وهو أن "الطائفية تعني الإسلام".

وفي أول رد فعل له على الإهانة التي تعرضت لها أم محجبة أمام ابنها، أخيرا، من طرف عضو في حزب "التجمع الوطني"، أدان الرئيس ماكرون ما جرى. ثم فسّر صمته أثناء النقاش الأخير، والمستمر، حول الحجاب، بأن "فرنسا كانت رهينة خَطَرَيْن يجب تجنبهما، وهما الطائفية والتجمع الوطني". وكشف، لمن يهمه الأمر، أن "بعض المحجبات في فرنسا هن بنات أو حفيدات لمهاجرين لم يصلن للتو إلى فرنسا". وفي محاولة لتفسير الظاهرة، اعتبر ماكرون أنه يعبّر عن "فشل نموذجنا في الاندماج الاقتصادي الذي يضاف إلى أزمة الإسلام"، وهي "أزمة قادت إلى أشكال صلبة من الإسلام السياسي".


وفي اقتراب حذر من أفكار اليمين الفرنسي، شدد ماكرون على ضرورة مكافحة الهجرة السرية، وعلى ضرورة ترشيد نفقات "المساعدة الطبية من الدولة" التي يطالب اليمين الفرنسي بإلغائها.

ولا شك أن الرئيس ماكرون، في هذا اللقاء مع مجلة يمينية متطرفة، يتدرب على ما ينتظره من مواضيع انتخابية يشهرها اليمين، التقليدي والمتطرف، في كل استحقاق انتخابي، مُغيِّباً مواضيع أكثر إلحاحاً. ولعل الجميع، من الرئيس الفرنسي إلى المعارضة، قد قرأوا نتائج الاستفتاء، الذي نشرت نتائجه جريدة "لوجورنال دي ديمانش"، في عددها الأخير، ومن بينها أن 77 في المائة من الفرنسيين يرون أن "العلمانية في خطر"، كما أن 61 في المائة منهم يرون أن "الإسلام غير متلائم مع قِيَم المجتمع الفرنسي".

صحيح أن استطلاع الرأي، كما نقرأ في الصحيفة الفرنسية، يكشف أن "مكافحة الإسلاموية" و"الدفاع عن العلمانية"، لا يأتيان في صدارة اهتمامات الفرنسيين، إذ إن الفرنسيين اعتبروا الصحة هي الأساس، بنسبة 82 في المائة، ثم مكافحة البطالة بنسبة 67 في المائة، وثالثاً، زيادة الرواتب والقوة الشرائية، بنسبة 66 في المائة، ورابعاً، مكافحة الجريمة، بنسبة 65 في المائة، وخامساً، حماية البيئة، بنسبة 62 في المائة، وأخيرا مكافحة الإسلاموية بنسبة 56 في المائة، ثم الدفاع عن العلمانية بنسبة 39 في المائة.

ولكنّ الصحيفة لم تُشهر في صفحتها الأولى إلا الإسلام والعلمانية، وهو ما يستهوي القراء والناخبين، ويثير قلقهم "الشرعي" أحيانا، والمبالَغ به أحيانا أخرى.

المساهمون