عرض إثيوبي لتعديل اتفاق سد النهضة

عرض إثيوبي لتعديل اتفاق سد النهضة

09 يونيو 2020
تقدّم بيكيلي بمسودة جديدة بشأن قواعد ملء السد(فرانس برس)
+ الخط -

قال مصدر حكومي مصري في وزارة الري، على اطلاع على النقاشات الأخيرة مع وزارتي المياه في السودان وإثيوبيا حول قواعد تشغيل سدّ النهضة وملئه، إنّ الوزير الإثيوبي سيليشي بيكيلي، لمّح في الأيام الأخيرة إلى إمكانية قبول بلاده العمل انطلاقاً من الصياغات التي أعدتها وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي للاتفاق الثلاثي على القواعد، بشرط إجراء بعض التعديلات على المسوَّدة النهائية، وهو ما أبلغت القاهرة الخرطوم بأنها ترفضه من حيث المبدأ. يأتي ذلك في الوقت الذي جدد فيه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، التأكيد أنّ "قرار تعبئة سد النهضة لا رجعة فيه".

وأوضح المصدر الحكومي المصري الذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، أنه خلال الاجتماعين المنفصلين اللذين عُقدا الأربعاء الماضي بين وزير الري السوداني ياسر عباس، ونظيريه المصري والإثيوبي، كل على حدة، تقدّم بيكيلي بمسودة جديدة تعبّر عن الموقف الإثيوبي بشأن قواعد الملء والتشغيل، تتضمن "تغييرات محدودة ولكنها مؤثرة" على الصياغة التي وقعت عليها مصر منفردة في ختام مفاوضات واشنطن التي انتهت بالفشل نهاية فبراير/ شباط الماضي.

وذكر المصدر أنه غير المعروف حتى الآن ما إذا كان هذا الموقف معبراً عن تغيّر إيجابي في الرؤية الإثيوبية التي كانت ترفض مبدئياً الاعتداد بالصياغات التي جرى التوافق عليها سابقاً في واشنطن، أو أنه مراوغة لإهدار مزيد من الوقت، أو لإلقاء الكرة في ملعب كل من مصر والسودان أمام الرأي العام العالمي الذي بات مهتماً بقضية سد النهضة أكثر من ذي قبل، خصوصاً بعد إرسال الخرطوم خطابها إلى مجلس الأمن حول القضية أخيراً، واتساع الفجوة بين مواقف الأطراف الثلاثة.

وكشف المصدر أنّ التعديل الأول المقترح من إثيوبيا هو بشأن نقطة تحرير المياه، أو المنسوب الذي يجب التوصل إليه لضمان التشغيل الأمثل المستدام وإطلاق الكميات الزائدة عن الحاجة في مجرى النيل لتصل إلى السودان ومصر، إذ كان يوجد اتفاق مبدئي بين الدول الثلاث على أن يكون المنسوب 625 متراً، لكن إثيوبيا تدعي أنّ الوصول إلى هذا المنسوب يتطلب منها عدم وقف الملء في أي مرحلة تبعاً للظروف الهيدرولوجية.

وتجادل إثيوبيا بأنه في ظلّ مؤشرات الفيضان المبكر الحالية، فإنّ من السهل تأمين الوصول إلى هذه النقطة قبل الموعد المتوقع، الأمر الذي ترى السودان أنه ما زال من المبكر توقعه، وبالتالي من الصعب قبول إفشال التوصّل إلى اتفاق بشأن القواعد لهذا السبب. وبحسب المصدر، فإنّ مصر تقدم من جانبها مصفوفة تثبت أنّ الوصول إلى هذا المعدل لن يتعارض مع التوقيفات المطلوبة، بل يمكن تأمينه في حالة الفيضان وبمراعاة الظروف في أقل من 5 سنوات.

أمّا التعديل الثاني المقترح، فهو بشأن تقسيم فترات الملء. فبالنظر للبدء المبكر للفيضان، تحاول إثيوبيا انتزاع صلاحية زيادة كمية المياه المحجوزة خلال فترة الفيضان الحالي 2020-2021 واختصار الجدول الذي تم الاتفاق عليه سلفاً، وهو ما تتحفظ عليه مصر والسودان. وذكر المصدر أنّ الإثيوبيين يدركون جيداً أنّ إجراء أي تعديلات على الخريطة الزمنية التي جرى التوصل إليها، سيتطلب مزيداً من العمل والجهد، ما يجعل الأطراف أمام حقيقة ضرورة ملء الخزان بشكل عاجل الشهر المقبل. وأوضح المصدر أنّ هذا التعديل المقترح جديد ومفاجئ، لأنّ إثيوبيا لم تكن لديها مشاكل سابقة مع تقسيم الفترات، إذ إنها بعدما كانت قد وافقت على أن  تُغيَّر كميات الملء في كل مرحلة وفقاً للظروف الهيدرولوجية، عادت ورفضت وطالبت باتباع خطة ملء ثابتة غير متغيرة، بحجة أن تغيير الكميات سيؤدي إلى إبطاء مساعيها لإنتاج الكهرباء، على الرغم من عدم صحة ذلك، وفقاً للمصفوفات المصرية والسودانية.

وتتمسك مصر بأن يكون قياس نقاط التدفق دورياً، واتباعها عند نقاط زمنية معينة في جدول اتُّفق عليه سلفاً، وذلك لتحديد كميات المياه التي تُخزَّن في بحيرة السدّ خلال الفترة الأولى من عملية الملء التي من المقرر أن تستمر من يوليو/ تموز حتى فبراير/ شباط المقبلين، ثمّ ستتباطأ تدريجاً على ثلاث مراحل تالية، إحداها طويلة تمتد من يوليو/ تموز 2021 وحتى فبراير/شباط 2022، وقبلها مرحلة قصيرة وبعدها مرحلة قصيرة أخرى. وفي تلك الفترة يُشغَّل السدّ تدريجاً لإنتاج الكهرباء. وتنتهي المراحل الأربع بتشغيل السدّ بأقصى طاقة استيعابية لتوليد الكهرباء في صيف 2022 مع الحفاظ على حد أدنى لإبقاء السد ممتلئاً وقيد التشغيل.

في الأثناء، جدد رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، التأكيد أنّ قرار تعبئة سد النهضة وملئه لا رجعة فيه. وقال خلال جلسة مساءلة في البرلمان الإثيوبي أمس الاثنين: "لا نسعى إلى إلحاق الأذى بالآخرين جراء سد النهضة، وتطوير السد هو من أجل نمو إثيوبيا بالمقام الأول". وتابع: "كما أن قرار تعبئة سد النهضة لا رجعة فيه، وفكرة تخلينا عن قراراتنا السابقة خاطئة تماماً، فأعمال البناء قائمة بصورة جيدة".

وفي سياق متصل، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنّ القاهرة تلقت عروضاً عدة من دول أعضاء في مجلس الأمن لأداء دور الوساطة غير الملزمة في الأزمة، وقد رحبت مصر بذلك، بشرط عدم المساس بمخرجات جولات واشنطن التفاوضية، وأن تكون الوساطة مقتصرة على تسهيل العودة للمباحثات الفنية والسياسية، من دون التدخل فيها في هذه المرحلة، تحسباً لإهدار مزيد من الوقت.

وأضافت المصادر أنّ الخارجية المصرية تلقت تساؤلات عدة عن سبب تعطّل مشروع إنشاء صندوق التمويل المشترك بين الدول الثلاث المنخرطة في الأزمة، الذي كان قد اتُّفق عليه عام 2018، ولم تُنفَّذ أي خطوة في إطاره، كالإنفاق على مشروعات مشتركة مثل حزام الغابات المطيرة، الذي أقره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد العام الماضي، والمساعدة في توليد الكهرباء بإثيوبيا والسودان، إذ عرضت الدول التي طرحت الوساطة التدخل لرعاية مشروع الصندوق وإدارته، معتبرةً أنّ الإسراع في تنفيذه قد يكون دافعاً لحلحلة الأزمة.

ولا تتحمس مصر نهائياً لرعاية المفاوضات، لا من قبل الاتحاد الأفريقي ولا الاتحاد الأوروبي، نظراً لاعتبارات مختلفة ومعقدة. فبالنسبة إلى الاتحاد الأفريقي تتحفظ عليه مصر منذ البداية لأسباب عدة، أهمها أن مقره في أديس أبابا، والأخيرة تتحكم كثيراً في أعماله الإدارية، فضلاً عن الشعبية التي تتمتع بها الرؤى الإثيوبية بين العواصم الأفريقية. وعلى النقيض، تدفع أديس أبابا بقوة في اتجاه الاحتكام للاتحاد الأفريقي، سواء بتشكيل لجنة لتسوية النزاع أو انتداب خبراء قانونيين وفنيين للدراسة.

وأخيراً، حثّ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقيه، الدول الثلاث على استئناف التفاوض الفني والتعاون حول مشروع السد، من دون أي إشارة إلى مفاوضات واشنطن، الأمر الذي اعتبرته مصر في الكواليس رسالة مبطنة بتأييد أديس أبابا.

أمّا الاتحاد الأوروبي، فلا تتحمس مصر أيضاً لتدخله المباشر كوسيط أو مسهّل، بسبب عدم إبداء معظم القوى الأوروبية تعاطفاً تجاه مصر، وطرحها من قبل حلولاً تمثل خرقاً للسيادة المصرية، أو تفتح الباب لممارسة ضغوط على القاهرة لتغيير أولويات إنفاقها المحلي، مثل اقتراح التكفل بإدارة نظام لرفع كفاءة إدارة المياه مقابل قبول خطة ملء وتشغيل أكثر مرونة لمصلحة إثيوبيا.

وأرسلت مصر مطلع شهر مايو/ أيار الماضي خطاباً لمجلس الأمن بلهجة لا تخلو من الرجاء لاتخاذ ما يلزم لاستئناف مفاوضات ملء السد وتشغيله. وقد تضمن الخطاب وصف الخطر الاستراتيجي الذي قد تشهده المنطقة جراء الممارسات الإثيوبية بأنه "تطور محتمل"، علماً أنّ أي إجراء يستحيل أن يصاحبه، بحسب مراقبين، تحضير لتحرك عسكري مصري، إذ إنّ ذلك سيكون بالتأكيد أمراً غير مرغوب فيه من القوى العظمى ولا مرحباً به في المنظومة الأممية.

وقدمت إثيوبيا رداً على الخطاب المصري لمجلس الأمن، تضمن التشديد على أنّ الملء الأول لن يضر بدولتي المصب، نظراً لأنه يتزامن مع الفيضان، وأنه لا ينتهك اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/ آذار 2015، وأنه يمكن فصل قواعد الملء والتشغيل في السنوات التالية عن فترة الملء الأول.