العراق: الحكومة تواجه اختبار استعادة أملاك الدولة من الأحزاب

العراق: الحكومة تواجه اختبار استعادة أملاك الدولة من الأحزاب

09 يونيو 2020
تم الاستيلاء على مقرات عدة بعد سقوط النظام السابق(Getty)
+ الخط -
بعد نحو شهر على تشكيل الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، عاد الحديث مجدداً عن مدى قدرة هذه الحكومة على استعادة الأملاك العامة التابعة للدولة والتي كانت استولت عليها الأحزاب المتنفذة عقب الغزو الأميركي عام 2003، وذلك على مستوى العقارات والأراضي والمباني الحكومية. وتحدث مسؤولون كبار في السلطتين التنفيذية والقضائية، عن ضرورة محاسبة المتجاوزين على أموال الدولة، غير أنهم لم يحددوا إن كانت إجراءات المحاسبة ستشمل كبار الساسة والأحزاب، أم أنها ستقتصر على ملاحقة المواطنين. وأثير ملف استيلاء أحزاب ومليشيات وسياسيين على ممتلكات للدولة في فترة الحكومات السابقة، إلا أنّ أي إجراء لم يتخذ بهذا الشأن. ويقدر مراقبون قيمة العقارات والممتلكات التابعة للدولة التي تم الاستيلاء عليها من قبل قوى سياسية مختلفة بعد عام 2003، بأكثر من 20 مليار دولار تشمل مبانيَ ومواقع مختلفة، وكانت وافقت آنذاك سلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية على أن تشغلها الأحزاب التي شاركت بالعملية السياسية عقب الغزو الأميركي للبلاد.

وتشمل هذه الممتلكات مبانيَ وقصوراً وبساتين واستثمارات ومصانع ومنشآت كانت تابعة لأركان نظام صدام حسين السابق، أو أجهزة المخابرات وحزب البعث، والتصنيع العسكري، والقيادة القومية لحزب البعث، فضلاً عن مواقع عسكرية وأمنية وسياسية مختلفة، جرى الاستيلاء عليها من قبل زعامات سياسية وأحزاب مختلفة. ومن المفترض أن هذه الممتلكات تخضع لقانون أملاك الدولة، إلا أنّ القانون ما زال معطلاً لغاية الآن بسبب مماطلة الأحزاب في إخلاء هذه المقرات وقيام بعضها بالالتفاف على القانون من خلال إبرام عقود استئجار بمبالغ رمزية أو شبه مجانية، بحسب مسؤول عراقي رفيع، تحدّث لـ"العربي الجديد". وقال المسؤول نفسه إنّ "هناك أكثر من 3 آلاف موقع تابع للدولة في بغداد وحدها تسيطر عليها أحزاب وشخصيات سياسية وفصائل مسلحة، بما في ذلك منازل وقصور وبساتين ومنشآت ومقرات حزبية وأمنية سابقة"، مشيراً إلى أنّ "قسماً من هؤلاء يدفع رسوم إيجار سنوية لا تساوي ثمن إيجار دكان في ضواحي بغداد"، وفق تعبيره. وأوضح أنّ "فتح الملف يحتاج كذلك لتوافق سياسي، كما هو حال ملف تشكيل الحكومات العراقية"، كاشفاً أنّ "الأحزاب الرئيسية في العراق هي أبرز المتورطين في هذا الملف".

والثلاثاء الماضي، شدّد الرئيس العراقي برهم صالح، خلال اجتماع له مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، على ضرورة معاقبة المتجاوزين على المال العام، من دون تحديد طبيعة هؤلاء المتجاوزين، بحسب بيان صدر عن الرئاسة العراقية.

من جهتها، طالبت عضو اللجنة المالية في البرلمان، ماجدة التميمي، بتطبيق إجراءات المحاسبة على جميع المتجاوزين؛ سواء أكانوا سياسيين أم غير ذلك، مؤكدةً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها ستقوم بتقديم تقرير "على مستوى عالٍ من الأهمية" إلى اللجنة المالية بهذا الشأن. وتابعت: "نحن الآن في المسار الخطأ، ولا بدّ من تعديل هذا المسار"، موضحةً أنّ "عدد أملاك الدولة التي تمّ الاستيلاء عليها كبير". وشدّدت التميمي على ضرورة قيام الجهات التي تستولي على أملاك الدولة بدفع إيجارات للجهات المعنية بذلك، وفقاً لأسعار السوق السائدة حالياً، بعد إجراء عملية تقييم في هذا الشأن، رافضةً قيام بعض الجهات السياسية بدفع بدلات إيجار رمزية مقابل بقائها في مقرات تابعة للدولة.

وحول مدى قدرة الكاظمي على إخراج الأحزاب من ممتلكات الدولة، قالت التميمي إنّ "رئيس الوزراء لا يزال حديث العهد في منصبه، ونتوسم فيه الخير، وعلينا مساعدته، وننتظر رؤيته، لذلك طلبت مقابلته للسماع منه عمّا ينوي القيام به". وشدّدت على ضرورة التعويل على مصادر التمويل الأخرى في ظلّ انخفاض أسعار النفط، ومنها بدلات إيجار ممتلكات الدولة، مضيفةً: "يمكن أن يجني العراق أموالاً طائلة من عقارات الدولة، التي يمكن أن تغطي نفقات كبيرة". وأشارت إلى أنّ "الدولة التي تحترم نفسها مطالبة بمحاسبة الجميع بناءً على معايير واحدة، لضمان سير الأطراف كافة على السكة الصحيحة".

بدوره، قال مقرّر اللجنة المالية في البرلمان، أحمد الصفار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "أيّ إجراءات لمحاسبة المتجاوزين على ممتلكات الدولة لن تشمل السياسيين"، معتبراً أنّ "القانون في العراق ينفّذ على الفقراء فقط". وعبّر الصفار عن أمله في أن تؤدي الإجراءات التي قد تتخذها السلطات، إلى استعادة ممتلكات الدولة من الأحزاب، موضحاً أنّ الكاظمي يمكن أن "يحقق شيئاً في هذا المجال، لكن ليس كل شيء". وتابع أنّ "إحدى المشاكل الرئيسية التي أوصلت العراق إلى أزمته الحالية، هي عدم سيطرة الدولة على الإيرادات غير النفطية، ومن ضمنها عقارات الدولة"، موضحاً أنّ "الحكومة السابقة كانت تسيّر من قبل الأحزاب، لذا فإنها صمتت عن تجاوزاتها".

وشدد الصفار على ضرورة تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء، مشيراً إلى أنّ الخطوة المقبلة يجب أن تكون "إحصاء جميع أملاك الدولة التي تمّ الاستيلاء عليها، وبعدها إما يتم استرجاعها، أو استيفاء أجور مناسبة من شاغريها".

والعام الماضي، طالب مدير دائرة عقارات الدولة أحمد الربيعي، رئاسة الجمهورية بالتدخل والضغط على قوى سياسية موجودة في حي الجادرية الراقي وسط بغداد على نهر دجلة، من أجل السماح للفرق التابعة لدائرته بالدخول إلى المنطقة بهدف جرد العقارات التابعة للدولة فيها، مؤكداً وجود أكثر من 100 ألف حالة تجاوز سكني وزراعي وصناعي وتجاري على عقارات تابعة للدولة في مختلف المناطق في العراق.

من جانبه، اعتبر عضو مجلس النواب، جمال جوكر، أنّ إجراءات استعادة أموال الدولة "ستكون هامشية إذا لم تشمل السياسيين"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأحزاب وبعض السياسيين، سبق أن استولوا على ممتلكات للدولة نتيجة للانتماءات السياسية، وليس بشكل شخصي". وتابع: "سنبقى في دوامة الإصلاح اللاإصلاحي، بمعنى أننا سنقوم بتشكيل لجان، وتنظيم حملات، لكن من دون فائدة"، موضحاً في الوقت نفسه أنّ "الحكومة والقضاء وبقية السلطات، يمكنها اتخاذ خطوات بهذا الشأن".

ودعا جوكر رئيس الوزراء إلى "البدء بملف استيلاء الأحزاب على عقارات الدولة، من دون السماح بأي استثناء، من أجل أن يكون الإصلاح حقيقياً"، مضيفاً أنه "من الظلم القبول بقيام بعض الأحزاب بدفع بدلات إيجار رمزية عن العقارات التي تشغلها، وعلى الحكومة تشكيل لجان لتقييم بدلات الإيجار الحقيقية". واعتبر أنّ حكومة الكاظمي "تمثّل امتداداً للحكومات السابقة"، داعياً رئيس الوزراء إلى محاسبة كل المتجاوزين في جميع المحافظات العراقية، سواء أكان هذا التجاوز "بشكل عشوائي أم مليشياويٍ".

وأوضح جوكر أنّ على رئيس الحكومة "أن يمتلك الجرأة في التعامل مع هذا الملف، مستغلاً وجود ثلاثة جيوش داعمة له: أولها الشعب، ثمّ المرجعية الدينية، والوطنيون في البرلمان والحكومة"، مؤكداً أنّ "الجميع وصل إلى قناعة بأنّ العملية السياسية أمام خيارين: إما تصحيح المسار، أو الانهيار بشكل كامل".

وعلى الرغم من حملة الحكومة العراقية السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، لرفع التجاوزات وفتح المناطق التي كانت مغلقة أمام المواطنين منذ الاحتلال الأميركي للبلاد في العام 2003، إلا أنّ بعض الأحياء والمناطق في العاصمة بغداد، وأغلبها كانت قصوراً رئاسية للنظام العراقي السابق، ومقرات للأجهزة الأمنية والاستخبارية التابعة له، بقيت حكراً على بعض الأحزاب والمليشيات والمسؤولين الذين استولوا عليها وحولوها إلى مناطق معزولة ومحمية لا يسمح للآخرين بالدخول إليها، على الرغم من كونها مملوكة لمؤسسات الدولة. كأجزاء من منطقة الجادرية في جانب الرصافة ببغداد، وشارع الأميرات في حي المنصور، وبعض مناطق أحياء القادسية واليرموك والحارثية، ومطار المثنى، وجامع الرحمن في جانب الكرخ.

المساهمون