المغرب وانتخاب عبد المجيد تبون: التوتر مرشَّح للاستمرار

المغرب وانتخاب عبد المجيد تبون: التوتر مرشَّح للاستمرار

15 ديسمبر 2019
لم يغفل تبون الملفات الحساسة مع المغرب (فاروق باطيش/الأناضول)
+ الخط -
يتوقع أن تتصدّر الخلافات المستعصية مع الجار المغربي حول الحدود المغلقة ونزاع الصحراء، أجندة السياسة الخارجية للرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون. مع العلم أن تبون كان قد أصدر أكثر التصريحات تشدّداً تجاه المغرب خلال الحملة الانتخابية، إذ اعتبر أن الاستجابة لمطلب فتح الحدود الذي يكرّره المغرب، يتطلّب اعتذاراً رسمياً منه، لكونه البادئ في اتخاذ قرار إغلاق الحدود البرية بين البلدين عام 1994. بالتالي يشي انتخاب تبون باستمرار التوتّر المزمن في العلاقات بين البلدين. وفي الوقت الذي سارعت فيه دول عدة، وخصوصاً العربية، إلى تهنئة تبون، من بينها الأردن ومصر وقطر والبحرين والإمارات، لم يُصدر المغرب أي تعليق رسمي، على الرغم من إعلان النتائج النهائية لهذه الانتخابات من طرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. مع العلم أن الملك محمد السادس سبق أن بادر إلى تهنئة الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، في آخر انتخابات رئاسية فاز فيها بولاية رابعة، في 17 إبريل/نيسان 2014، في اليوم التالي مباشرة للانتخاب.

وسبق للمغرب أن نأى بنفسه عن التدخّل في الوضع الجزائري الداخلي، تحديداً في موضوع الحراك الشعبي الذي بدأ في شهر فبراير/ شباط الماضي، عبر إصدار الخارجية المغربية بيانات رسمية أعلنت فيها التزام الحياد وعدم التدخّل. بل أقدمت الخارجية في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على توبيخ وزير الخارجية المغربي السابق، صلاح الدين مزوار، بشدّة، بعد إدلائه بتصريحات عن الحراك الجزائري، بصفته رئيساً للاتحاد العام لمقاولات المغرب. وكان مزوار قد اعتبر أن الحراك الجزائري يبعث على الأمل، وأن على المنظومة القائمة أن تتقاسم السلطة مع من يقودون الحراك، لينتهي الأمر باستقالة فورية لمزوار من منصبه واختفائه عن الأنظار.

هذا السلوك المغربي الرسمي لا يمنع الرباط من انتظار حصول تحولات داخلية في الجزائر، تسمح بإنهاء التوتّرات القائمة بين البلدين، إذ سبق أن وجّه الملك محمد السادس نداءً من أجل تجاوز الخلافات وتشكيل لجنة مشتركة لدراسة المواضيع الخلافية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. ودعا المغرب الجزائر إلى فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين، مهاجماً موقفها الداعم لجبهة البوليساريو الساعية إلى الانفصال في الصحراء.

ولم يغب موضوعا الصحراء والحدود عن مفكرة تبون خلال حملته الانتخابية. ففي الوقت الذي تعهّد فيه بعض المرشحين، مثل عبد العزيز بلعيد، بفتح الحدود المغلقة مع المغرب في حال انتخابهم، أبدى تبون تشدّداً واضحاً في موضوع إصلاح العلاقات مع المغرب، مشترطاً تقديم الرباط اعتذاراً رسمياً قبل فتح الحدود المغلقة منذ عام 1994. وأشار إلى أن هذا الشرط طرحته الدولة الجزائرية منذ تلك الفترة، مؤكداً في المقابل أن قضية النزاع في الصحراء لم تكن سبباً في إغلاق الحدود بين البلدين.

وفي أول تصريحاته بعد إعلانه فائزاً في الانتخابات الجزائرية يوم الخميس الماضي، لم يغفل تبون الملفات الأكثر حساسية مع الجار المغربي، وإن بدا حديثه أكثر دبلوماسية وأقل تشدّداً مما بدا عليه خلال الحملة الانتخابية. وأشار إلى أن هناك ظروفاً أدت إلى إغلاق الحدود مع المغرب، وأن "زوال العلة لا يكون إلا بزوال أسبابها"، في إشارة منه إلى مطالبته السابقة باعتذار الرباط، وإن كان قد توقف هذه المرة عند الروابط الطيبة التي قال إنها تجمع بين الشعبين الجزائري والمغربي.

وإذا كان موضوع إغلاق الحدود يعود إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بعد تنفيذ عمل إرهابي في أحد فنادق مدينة مراكش المغربية، واتهام السلطات لجهات جزائرية بالتورط في الحادث واتخاذها قرار إغلاق الحدود، فإن هذا الخلاف يبدو قابلاً للحل مقارنة بمشكلة الصحراء، خصوصاً أن الرئيس الجزائري لا يطالب إلا بالاعتذار عن هذا الاتهام، ولا يرفض الفكرة من أساسها. فالنزاع الدائر بين المغرب وجبهة البوليساريو الساعية إلى الانفصال في الصحراء المغرب، مستخدمة الأسلوب العسكري منذ عام 1975، يعتبر اللغم الحقيقي الذي يواجه تبون في علاقات الجزائر الخارجية مع أقرب جيرانها.

في غضون ذلك، تقاطعت الكثير من التعليقات التي صدرت في المغرب عقب انتخاب تبون رئيساً جديداً للجزائر، عند اعتبار الأمر انتصاراً لقادة الجيش الجزائري، الذين يمثلون المعسكر الأكثر تشدّداً في موضوع الصحراء والعلاقات مع المغرب. وتتزامن هذه الانتخابات مع استعداد البوليساريو لتنظيم مؤتمرها الـ15 في منطقة تيفاريتي التي تعتبرها "محررة" من أراضي الصحراء، فيما يعتبرها المغرب جزءاً من أراضيه. وسينتقل قادة الجبهة الانفصالية منتصف الأسبوع المقبل من منطقة تندوف الجزائرية، المقر الأساسي لهم ولقواتهم العسكرية، نحو منطقة تيفاريتي الصحراوية، ما يعني أن عهد تبون سيبدأ بفترة توتّر جديدة في العلاقات المغربية الجزائرية، التي ستواصل على الأرجح على تأزمها المزمن.

المساهمون