تضييق الخناق على "داعش" جنوب دمشق: تكرار سيناريو الرقة

تضييق الخناق على "داعش" جنوب دمشق: تكرار سيناريو الرقة

09 مايو 2018
بدء التحضيرات لانطلاق آخر دفعة من مهجري جنوب دمشق(الأناضول)
+ الخط -
تحتدم المعارك في جنوب العاصمة السورية دمشق بين قوات النظام ومليشيات تساندها، وبين مسلحي تنظيم "داعش"، في ظلّ مؤشرات على تكرار سيناريو مدينة الرقة المدمّر، حيث لم يبق أمام هؤلاء المسلحين سوى القتال حتى اللحظة الأخيرة، فيما تقول قوات النظام إنها تخوض حرب شوارع، مؤكدة أنّ "يوم الحسم بات قريباً". في موازاة ذلك، لا تزال قوافل المهجرين إلى الشمال السوري تتوالى، حيث حطّت أوّل قافلة تحمل مهجري ريف حمص الشمالي رحالها أخيراً في ريف حلب الشمالي الشرقي، وعلى متنها آلاف المدنيين والمقاتلين من فصائل المعارضة السورية. وأكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس الثلاثاء، تواصل المعارك بوتيرة "عنيفة" على محاور مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن، في القسم الجنوبي من العاصمة دمشق، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، مشيراً إلى سعي متواصل من هذه القوات لقضم مزيد من المناطق، فيما يحاول "داعش" تنفيذ هجمات معاكسة وإلحاق خسائر بقوات النظام في العتيد والعتاد. وتترافق الاشتباكات مع ضربات جوية من قبل طائرات حربية ومروحية تستهدف محاور القتال ومناطق سيطرة التنظيم، بالإضافة إلى قصف صاروخي متواصل تنفذه قوات النظام على المناطق ذاتها.

من جهتها، قالت وكالة "سانا" للأنباء، التابعة للنظام، إن قوات الأخير "ضيّقت الخناق على مسلحي داعش في حي الحجر الأسود بعد اشتباكات عنيفة أسفرت عن تحرير ثانوية تقنية الحاسوب وعدد من كتل الأبنية شمال غرب الحي". ونقلت الوكالة عن قائد ميداني في قوات النظام قوله إنّ الأخيرة "تحقّق تقدماً مطرداً وحذراً في عملياتها"، مشيراً إلى أنّ هذه القوات تشتبك مع مسلحي داعش "في قتال الشوارع والأنفاق ومن بناء إلى بناء". وأكّد أنّ "المعارك ستحسم خلال الأيام القليلة المقبلة".

وأكّدت مصادر محلية أن قوات النظام تعرّضت لخسائر كبيرة في الأرواح خلال معارك الجنوب الدمشقي مع تنظيم "داعش"، مشيرةً إلى مقتل المئات من هذه القوات، ومن مليشيات فلسطينية تابعة لها تساندها في القتال الضاري. وفي هذا السياق، أكّد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل 162 على الأقل من عناصر قوات النظام والمليشيات الموالية لها، منذ يوم 19 إبريل/نيسان الماضي، بينهم 20 ضابطاً برتب مختلفة، ومن ضمنهم 6 جرى إعدامهم من قبل مسلحي "داعش" بطرق مختلفة.

وتشارك فصائل فلسطينية مع قوات النظام في المعارك الدائرة في مخيم اليرموك، حيث كشفت مصادر مطلعة أنّ مليشيا "القيادة العامة" بقيادة أحمد جبريل، هي أبرز هذه الفصائل، إضافة إلى مليشيات "فتح الانتفاضة" و"فلسطين حرة" و"لواء القدس".

ويسيطر تنظيم "داعش" على جزء كبير من الجنوب الدمشقي منذ عام 2015، ولكنه يتمركز أكثر في حيي الحجر الأسود ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، حيث تظهر صور تبثها وسائل إعلام النظام أنّ جانباً كبيراً من الحيّين تحوّل إلى دمار شبه كامل، فيما أكّدت مصادر مطلعة أنّ نحو 90 في المائة من أبنية المخيم سويت بالأرض، واصفةً ما يجري بـ"الكارثة". وأشارت المصادر إلى أنّ استمرار القصف لأيام أخرى يعني تحوّل المخيم إلى دمار كامل.



وأقيم مخيم اليرموك في خمسينيات القرن الماضي، وضم لاجئين فلسطينيين قدموا إلى سورية بعد النكبة في عام 1948، ولكن سرعان ما تحوّل إلى عاصمة حقيقية للشتات الفلسطيني، حيث كان بمثابة "القلب النابض" للقضية الفلسطينية، ولكن أغلب سكانه تم تهجيرهم خلال سنوات الثورة السورية نتيجة العمليات العسكرية والحصار.

وبات من الواضح أنّ سيناريو مدينة الرقة شرقي سورية، يتكرّر في الجنوب الدمشقي، حيث لم يترك أيّ منفذ لانسحاب مسلحي "داعش"، وهو ما يدفعهم إلى القتال حتى اللحظات الأخيرة، خصوصاً أن التنظيم لم يُعطَ ضمانات كافية لعدم تعرّض عناصره للإبادة على الطريق، في حال موافقته على تسوية تفضي إلى خروجهم باتجاه البادية السورية، حيث لا يزال التنظيم يسيطر على مناطق فيها، خصوصاً في جانبها الشرقي. وليست هناك معلومات مؤكدة عن عدد مسلحي التنظيم في جنوب دمشق، ولكن المؤكد أنّهم أقاموا شبكات أنفاق تساعدهم على الدفاع لفترة طويلة أمام قوات النظام التي تبدو عاجزة عن اقتحام المنطقة والسيطرة عليها من دون دفع تكلفة بشرية عالية.

بموازاة ذلك، وصلت، صباح أمس، الدفعة الأولى من مُهجّري ريف حمص الشمالي، إلى مدينة الباب شرقي مدينة حلب، بعد إبرام اتفاق التسوية النهائية بين المعارضة السورية والجانب الروسي، الأسبوع الماضي، فيما تستكمل عمليات النقل الجماعي للمُهجرين خلال الأيام القليلة المقبلة.

وتضم الدفعة التي وصلت إلى معبر "أبو الزندين"، نحو 65 حافلة، تحمل على متنها قرابة ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص، هم عسكريون في فصائل المعارضة السورية، ومدنيون، إضافة إلى مرضى ومصابين كانوا غادروا مدينة الرستن، الإثنين، تنفيذاً للاتفاق الذي أبرم مع ضباط روس.

إلى ذلك، أعلنت الهيئة المدنية في مدينة تلبيسة وريفها بريف حمص الشمالي، عن تأجيل موعد خروج قافلات الثلاثاء إلى الشمال السوري، حتى يوم آخر، وذلك بسبب "بعض الترتيبات"، إضافة إلى الظروف الجوية غير الملائمة، مشيرةً إلى أنه "سيتم تحديد موعد الخروج في بيان آخر ريثما تتأكّد المعلومات"، وفق الهيئة.

وينص اتفاق ريف حمص الشمالي على خروج من يرغب من المقاتلين التابعين للمعارضة السورية والمدنيين إلى الشمال السوري، ودخول شرطة روسية إلى المنطقة، إضافة إلى تسوية أوضاع المتبقين، وإمهال المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية مدة 6 أشهر قبل إلحاقهم بالخدمة ضمن قوات النظام.

إلى ذلك، أكد "المرصد السوري" بدء التحضيرات لانطلاق آخر دفعة من المهجرين من بلدات جنوب دمشق التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية إلى الشمال السوري. ووصلت خمس دفعات من مهجري الجنوب الدمشقي، منذ الأسبوع الماضي، حملت آلاف المقاتلين والمدنيين الذين اختاروا الهجرة على البقاء في منازلهم، خشية قيام قوات النظام بعمليات انتقامية بعد خروج مقاتلي المعارضة منها.

بدوره، ذكر "الإعلام الحربي" التابع لـ"حزب الله"، على حسابه في تويتر، أنه "من المقرر أن تخرج اليوم (أمس) دفعة سادسة وأخيرة من المسلحين غير الراغبين في التسوية وأفراد أسرهم من بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم في ريف دمشق الجنوبي إلى الشمال السوري"، لافتاً إلى "دخول أكثر من 40 حافلة لتقل قرابة 1500 شخص في هذه الدفعة الأخيرة". ولفت إلى أنّ "مجموع الدفعات الخمس التي خرجت من البلدات الثلاث حتى نهاية أول من أمس الإثنين بلغت 8095 شخصاً".

من جهة أخرى، نفى "جيش الإسلام"، أمس، ما تمّ تداوله خلال الساعات القليلة الماضية، عن عزمه الاندماج ضمن تشكيلٍ عسكريٍ جديد في شمالي سورية. وقالت مواقع "جيش الإسلام" على الإنترنت، أمس، إن "ما تم تداوله عبارة عن شائعات، وقد تم تداولها على خلفية صور نشرناها لزيارة قيادة جيش الإسلام إلى مدينة مارع (ريف حلب الشمالي)، واللقاء الأخوي الذي جمعنا مع قيادة الفيلق الثالث، إثر دعوتنا لحضور اجتماعهم الدوري".

وتداول ناشطون سوريون، خلال الأربع والعشرين الساعة الماضية، أخباراً عن إمكانية ولادة تشكيل عسكري كبير شمالي سورية، يضم كلا من "جبهة تحرير سورية"، و"صقور الشام"، و"جيش الإسلام"، و"الجبهة الشامية". وعزز الناشطون هذه الأنباء، بصورٍ تم نشرها، تجمع في مدينة مارع، قياديين من "جيش الإسلام" مع قيادة "الفيلق الثالث" التابع لـ"الجيش السوري الحر"، والمنضوي ضمن مشروع "الجيش الوطني" بريف حلب.

لكن هذه الأنباء تم نفيها من شخصياتٍ في الفصائل المذكورة، وآخرهم "جيش الإسلام"، الذي كان أقوى الفصائل العسكرية في الغوطة الشرقية بريف دمشق، قبل أن يتم نقل مقاتليه وقيادته إلى شمالي سورية، بموجب اتفاقٍ مع ضباط روس، في نيسان/إبريل الماضي.

المساهمون