مواقف عراقية غير معلنة من العقوبات الأميركية على إيران

مواقف عراقية غير معلنة من العقوبات الأميركية على إيران

21 اغسطس 2018
بدا العبادي وحيداً بالتزامه بالعقوبات (محمد سليم كوركوتاتا/الأناضول)
+ الخط -


لا تزال العقوبات الأميركية على إيران تشغل الساحة العراقية، وتتصدر الاهتمام الداخلي بعد ملف تشكيل حكومة جديدة، وهي كشفت وجهاً آخر لقوى وأطراف سياسية، مارست وفق ما يقول سياسيون عراقيون، "النفاق"، واستخدمت "وجهين" لتحقيق التوازن بين الأميركيين والإيرانيين، إذ عارضت العقوبات علناً بينما رحبت بها ضمناً.
وحتى الآن أعلنت أكثر من 40 جهة وتياراً سياسياً في العراق موقفها من العقوبات الأميركية، عدا عشرات مليشيات "الحشد الشعبي"، وانضمت لها أخيراً مؤسسات دينية وحتى بحثية وأكاديمية وشركات تجارية، في استعراض بدا وكأنه سباق بين هذه الجهات على تسجيل موقف يرضي إيران، وفي الوقت نفسه هجومي على رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي بدا وحيداً في الساحة العراقية بموقفه المعلن في الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران وعدم التعامل بالدولار معها.

وفي هذا السياق، قال مسؤولون عراقيون في بغداد، إن جهات سياسية نددت بالعقوبات ضد إيران لكنها رحبت سراً بها، فهي تجدها فرصة للخلاص من الهيمنة الإيرانية على العراق، فيما تعتبرها جهات أخرى بصيص أمل لإمكانية تغيير المعادلة السياسية في البلاد بالوصول إلى عراق مدني غير طائفي تحكمه مؤسسات وقانون واحد ولا سلطة لرجال الدين أو الأحزاب الطائفية فيه.

وحول ذلك، قال قيادي بارز مقرب من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، إن "الشأن الإيراني مهم للعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين وحتى لدول خليجية أخرى"، معلناً أن الصدر "يقف تماماً ضد العقوبات الاقتصادية على الشعب الإيراني، لكنه في الوقت نفسه يشاطر رئيس الوزراء حيدر العبادي موقفه من أن المصلحة العراقية أولاً وأخيراً، ولا يجب المجاملة على حسابها، ويرى الالتزام بالعقوبات لمنع تضرر العراقيين"، لافتاً إلى أن "مستشارين للصدر أبلغوه بأن أي تضييق اقتصادي أميركي على العراق سيسحق الطبقة الفقيرة بالكامل، بينما إيران لها منافذ تصدير غير العراق ولديها مقوّمات كثيرة، لكن العراق اقتصاده ريعي قائم على النفط وأي مسّ به سيكون كارثياً".

من جهته، قال القيادي في التيار المدني العراقي، حسام الكاظمي، في تصريح لـ"العربي الجديد" من باريس، إن "الضغط على إيران حالياً يعني أن هناك أملاً في تخفيف هيمنتها على العراق وترك العراقيين يرسمون مستقبلهم بأيديهم لا بأيدي وكلاء دين ومشايخ تابعين لطهران". ويضيف أن "هناك ضغطاً شعبياً داخل إيران على النظام وهذا جيد بالنسبة للعراق ومستقبله، فكلنا نعرف أن إيران لن تغيّر سياستها في العراق، الذي لن يستقل ولن يعود عربياً مدنياً إلا بترك طهران له، وهذا مستحيل ما لم يكن هناك ضغط دولي عليها، والأمر نفسه في سورية ولبنان"، مشيراً إلى أن "جهات سياسية أعلنت عكس ما تخفي، وهذا وحده كافٍ لمعرفة مدى الهيمنة الإيرانية في البلاد".

أما عضو "تحالف القوى العراقية"، محمد عبدالله، فرجّح أن يكون موقف "الحزب الإسلامي العراقي"، الجناح السياسي لـ"الإخوان المسلمين"، في مهاجمة العقوبات ورفضه لها ووقوفه إلى جانب إيران، له ما يبرره. وقال إن "الكثيرين استغربوا ما حصل وبعضهم صُدم، لكن من يعرف الوضع يعذر الأطراف المعنية، فهناك أطراف عربية سنّية عارضت أيضاً العقوبات، مثل الوقف السنّي، والغاية هي ترطيب الأجواء ومحاولة استغلالها لتسهيل ملف إعادة النازحين إلى جرف الصخر وبيجي ومدن أخرى، وإطلاق سراح المختطفين لدى المليشيات، وملفات أخرى مسؤولة عنها إيران في العراق، لذا فإن موقفها كان لمصلحة ما".


لكن عضو التحالف الحاكم والنائب في البرلمان العراقي المنتهية ولايته، جاسم محمد جعفر، قال في تصريحات صحافية إن "العبادي يواجه ضغوطاً كبيرة من الطرفين الأميركي والإيراني، وهو في موقف لا يحسد عليه، فكل منهما يطالبه بموقف منحاز له بذريعة أنه قدّم له الكثير ودعمه أثناء الحرب ضد داعش". ورأى أن "القوى السياسية تركت العبادي وحيداً في هذه المعادلة الصعبة، وهو لن يشترك في أي ظلم يتعرض له الشعب الإيراني، غير أن الضغوط كبيرة وهناك رغبة في الإطاحة بالعبادي وطرح بديل لرئاسة الحكومة عنه".

في السياق، قال وزير في الحكومة العراقية لـ"العربي الجديد"، عقب عودته من أنقرة في الوفد المرافق للعبادي، إن "العراق ليس ضد إيران، بل هي دولة صديقة وعلاقاتنا جيدة معها منذ العام 2003، لكننا لا نستطيع التدخّل في قضية العقوبات، كما أننا لا يمكننا مساعدة إيران أو مساندتها، وأي حركة من العراق بشأن هذا الأمر ستُدخلنا في قفص العقوبات نفسها". وأشار الوزير، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "العديد من السياسيين العراقيين يرفضون العقوبات ويتهمون الحكومة العراقية بالضعف والفشل، جراء موقفنا المحايد من الطرفين (إيران وأميركا)، ولكننا نستغرب لماذا لم يرد أحد من هؤلاء السياسيين عندما سيطرت إيران على مياه العراق وحرفت مسار الأنهر الوافدة إلى أراضينا، ولم نسمع صوتَ واحدٍ منهم حين صرح مسؤولون إيرانيون سابقاً بأن العراق محافظة إيرانية، أو عندما طالبت نائبة الرئيس الإيراني بتعويضات حرب".
وتوقع الوزير "حصول حوار إيراني - أميركي قريباً، مثلما حصل مع كوريا الشمالية"، معتبراً أن كلام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بعدم الحوار مع أميركا، "حديث سياسي، والحقيقة أن طهران جاهزة للتفاوض خلال المرحلة المقبلة، وهي تنتظر التوقيت المناسب لبدء المفاوضات مع واشنطن".

وكانت وزارة الخارجية الأميركية، قد هددت قبل أيام، "منتهكي نظام العقوبات المفروضة على إيران بأنه يمكن أن يعرضوا أنفسهم لعقوبات مماثلة"، ملوّحة بأن العقوبات قد تطاول العراق في حال رفض الالتزام بالعقوبات الأميركية.

من جهته، رفض تحالف "الفتح"، ممثل مليشيات "الحشد الشعبي" في البرلمان العراقي الجديد، و"ائتلاف دولة القانون" التابع لنوري المالكي، و"المجلس الأعلى الإسلامي" الموالي لإيران في العراق، وشخصيات عراقية أخرى، العقوبات الأميركية على إيران، والتدخّل في السياسة الخارجية للعراق. وقال القيادي في "الفتح" عامر الفايز، إن "تهديد الخارجية الأميركية بفرض عقوبات على العراق لاستمرار تعاونه الاقتصادي مع إيران عقب فرض الحصار يُعتبر تأييداً ودعماً لتصريحات رئيس الوزراء حيدر العبادي بشأن تلك العقوبات والتعامل معها".
وأضاف في تصريح صحافي، أن "ذلك الموقف يأتي لإخراج العبادي من حرجه السياسي والشعبي المعارض لموقفه عقب تصريحاته بتأييد تلك العقوبات والتزام الحكومة بتنفيذها ضد الجارة إيران"، مطالباً وزارة الخارجية العراقية بـ"إصدار موقف حازم وصريح من تلك التصريحات لشجب التدخّلات الخارجية ومنع الاستهزاء بسيادة البلاد". ولفت إلى أن "عشرات الدول ما زالت تعمل بشكل طبيعي مع إيران من دون الالتزام بالموقف الأميركي، إلا أن الخارجية الأميركية مارست الضغوط على العراق كونه أضعف تلك الدول".

في المقابل، أوضح المحلل السياسي العراقي، واثق الهاشمي، أن "العراق بلد أزمات، وفيه مشاكل كثيرة بحاجة إلى معالجة، ومن ضمنها قضية تشكيل الحكومة الجديدة ورئاسة الوزراء، وهذه الأمور أهم من التدخّل في مشكلة بين أميركا وإيران"، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بعض البرلمانيين العراقيين، إيرانيون أكثر من الإيرانيين أنفسهم، والبعض الآخر منهم أتراك أكثر من الأتراك أنفسهم، وهذا الأمر يولد إحباطاً للمواطن العراقي". وأضاف: "هناك جهات عراقية تعمل لحساب دول الخارج، وأبرزها إيران، على حساب المصلحة الوطنية العراقية، وإذا تدخّل العراق في موضوع العقوبات سيكون أكثر المتأثرين، وعلى الأحزاب الانتباه إلى مصلحة البلاد لأنها الأهم".

المساهمون